رسالة نصية تلقيتها عبر الهاتف المحمول من نادي القصة في اتحاد كتاب وأدباء الإمارت، تدعونا لحضور أمسية قصصية للباحثة حصة لوتاه، كانت مفاجأة جميلة ليس لي وحدي بل لكل المتابعين لنشاطات الباحثة في مجال العلوم الانسانية، وكان ذلك خارج التوقعات بحكم معرفتنا بشخصية الكاتبة واهتماماتها البحثية في حقل العمل الإنساني والإعلامي، لذلك الجميع كان متحمساً ومتحفزاً للوقوف على حقائق تجربة الباحثة في المجال الأدبي.
الجميع كان متلهفاً لمعرفة سر ذلك التحول وما تخبئه لنا تجربتها في عالم القصة، والاستماع إلى بعض من مجموعتها القصصية، بيد أنها فاجأت الجميع، وبدأت أمسيتها في الحديث عن الحراك الثقافي والفكري في مرحلة الستينيات وأثره في تكوين البناء الفكري والمعرفي والثقافي لقطاع الشباب، وضرورة أن تكون هناك مرجعية للشباب في ظل المتغيرات المعاصرة وتنامي تأثيرات ثقافة العولمة.
الأمسية تحوّلت إلى حوار فكري وتجادل المشاركون حول ضرورة أن يكون للباحث نشاطه المنهجي المرتكز على الاتجاهات العلمية لتعزيز مقومات مناهج البحث في العلوم الإنسانية، وكان البعض يرى أننا في حاجة أكبر إلى هذا النمط من البحوث، فيما عبر البعض الآخر عن رؤيته بأن توجه الباحث إلى العمل الأدبي يفقده فاعليته في العمل البحثي، ويحد من إنتاجيته في العلوم الإنسانية. بيد أن الكاتبة كان لها رأيها المغاير، واعتبرت أن العمل الأدبي ليس عملاً معيقاً لعمل الباحث وإبداعه وإنتاجه، بل يضيف جانباً إيجابياً في منهج معالجاته للقضايا الإنسانية. وتعزيزاً لرؤيتها أشارت إلى ما عملت عليه في الاستفادة من المنهج الأدبي في معالجاتها البحثية ضمن بحثها بعنوان «التكنولوجية الحديثة هل تحافظ على التراث أم تنسخه»، وترى أن ذلك المنهج يساهم في إيصال المعلومة للمتلقي بطريقة ميسرة ويساعد على استيعاب ما تشمله من أفكار ومعارف بأسلوب مبسط، وتلك رؤية صائبة ونشاطرها الرأي فيما ذهبت إلى الإفادة به والتأكيد عليه.
وكان لمناهج البحث العلمي نصيبها من الاهتمام ضمن معالجات الباحثة، وقد بيّنت أن النهضة في الحضارة الإسلامية ارتكزت في جوهرها على العلم، وأن إشكالية المنهج في البحوث العربية يتمثل في أن بعض الباحثين يرتكزون في عملهم على مناهج بحثية دون أن يعرفوا ماذا يكتبون. وأكدت على أهمية أن ترتكز مناهج البحث في العلوم الإنسانية في بلداننا على ثوابت وأبجديات موروثنا القيمي، مستبعدةً في سياق ذلك إمكانية أن تكون لمناهج البحث الغربية قدرتها في فهم وقراءة واقعنا والتوصل إلى نتائج ومعلومات مفيدة تسهم في إثراء جهود العمل البحثي في المجال الإنساني لبلداننا. وذلك يتناقض مع ما ذهب إلى التأكيد عليه أحد المختصين في العلوم الاجتماعية من مرئيات مغلوطة ضمن ورشة عمل مختصة في موضوع «رسم وتصميم السياسات الاجتماعية»، شارك في فعالياتها عدد من الإداريين العاملين في حقل العمل الاجتماعي، حيث أشار إلى أنه لا يمكن لمن لا يعرف اللغة الانجليزية أن تكون له مساهمات في تحقيق منجز فعلي في العمل الوظيفي، معتبراً أن مناهج البحث الأوروبية هي المناهج التي يمكن الارتكاز عليها في قراءة وتبين الحقائق والبيانات في مجال البحوث الاجتماعية، وتلك معضلة فكرية وتربوية وإشكالية حقيقية تعيق التوجه الذي دعت إليه الباحثة في ضرورة إيجاد مرجعية للشباب، خصوصاً إذا ما أدركنا أن من طرح المرئيات سابقة الذكر أستاذ جامعي في مؤسسة أكاديمية مهمة ومسئول عن إعداد الكوادر الشابة التي سوف تطلع بمكانها المهم في حقل العمل الاجتماعي في المرحلة القادمة.
كما أن قضايا النقد كان لها حضورها في طُرح من مرئيات، إذ اعتبرت الباحثة أن النقد عمل مطلوب للارتقاء بمستوى البحث، ومهم جداً أن تكون هناك أبحاث جادة ومفيدة ومؤسسة. وهنا من الضروري أن يكون هناك نقد مبني على أسس منهجية، حيث نجد أن بعض النقد ليس له معنى ومبالغ في المديح الذي لا قيمة له، أو انه نقد مبالغ في الذم، يبد أننا في حاجةٍ إلى مناهج نقد مؤسسة، والمجتمع العربي في حاجة إلى حركة نقدية قيمة.
وينبغي في سياق معالجتنا للقيمة الفكرية والبحثية للكاتبة تبين معاني مجموعتها القصصية التي حملت عنواناً جميلا ذا دلالة «في الصحراء ورد»، ويبدو أن الكاتبة في اختيارها للعنوان كونها أحد العناصر الرئيسة المؤسسة للحركة البيئية في الإمارات في بداية تسعينيات القرن الماضي، أرادت أن توجّه رسالةً بشأن أهمية الصحراء كثروة حضارية واجتماعية واقتصادية وبيئية وقيمة وطنية، وبالطبع كموقع ومعلم مهم للراحة والإبداع، وممارسة الأنشطة الثقافية والتراثية. والعنوان يمثل في مضمون جوهره دعوةً للعمل على صون معالم الصحراء الرئيسة والحفاظ على بقائها كثروة للأجيال المقبلة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 3968 - الخميس 18 يوليو 2013م الموافق 09 رمضان 1434هـ