عند المفاجأة، لا يمكن لأي إنسان - إلا من كان من غير الطبيعة البشرية المعتادة - أن يفلسف الأمور، ويمحصها ويختبر مضامينها، وبالتالي، فإننا اليوم على مبعدة مما حدث في سترة نهاية الأسبوع الماضي، لذلك يمكننا أن نستعيد شريطا قصيرا - ولكنه مكتنز - لما حدث.
إن ما يحدث اليوم من ردود فعل تشبه كثيرا المظلات التي يكون عرشها كبيرا، بينما بضاعتها صغيرة وقليلة في القياس، إذ إن التجربة الأقرب التي وقعت في بداية هذا العام (في شارع المعارض) كانت تقول إن الأمر تم تحميله أكبر مما يحتمل من الأطراف الداخلة فيه كافة، وتم تغييب الأسئلة الحقيقية لما حدث في سبيل التوصل إلى أكبر قطعة ممكنة من «كعكة» تجاذب القوى، وأسهمت الكتابات، والكتابات المضادة في إخراج الأمر من حيزه إلى فضاءات ربما لم تدر بخلد من اشتركوا في الحدث أنفسهم، واتخذ الأمر مطية لأطراف متعددة، وأفرغت الكثير من الترسبات السابقة على هذا الحادث كأنموذج، وبالتالي، ما الذي خرجنا به كمجتمع يأمل ألا يتكرر ما حدث؟
ستبدو البضاعة في هذا الشأن قليلة جدا.
إن استطاع حادث - يرجح إلى الآن أنه فردي منعزل - أن يهزنا هكذا، ويبلبلنا إلى هذه الدرجة، فإن هذا الأمر يكشف عن تأزم حقيقي في المجتمع، وربما يغري بأن تتم معاودة الفعل - سواء كان صبيانيا أم مخططا له بدقة - لأنه أثبت فعالية عظيمة في هز المجتمع بأركانه كافة.
هذا لا يعني السكوت والتعامي عما حدث، ولكنه يدعو إلى ألا يذهب المرء بعيدا في التحليل والتحميل، وبدء تصيد المواقف، وسقطات الألسنة واندياحات الأحبار، بل علينا أن نسعى بهدوء إلى تفكيك ما حدث وإرجاع الأخطاء إلى مصادرها، وذلك ليس الآن، ولكن بعد أن تنجلي الصورة ويعرف - تحديدا - من الذي قام بهذا الفعل الإجرامي، وما دوافعه؟
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 396 - الإثنين 06 أكتوبر 2003م الموافق 09 شعبان 1424هـ