إذا كانت أهداف الإنسان في الحياة لا تتجاوز ما تمليه عليه رغباته الحسية فهو ضائع من ناحية.
ثانيا، إذا كان يملك مراقبة لإيقاع تنفسي رتيب وموزون فإن الحواس بدلا من أن تتجه إلى الأهداف الدنيوية الخارجية فإنها تعود إلى الداخل ويتحرر الإنسان من عبودية الجرى وراء الأهواء والرغبات. إنها الدرجة الخامسة في اليوغا والتي تدعى (البراتياهارا) وعندما يبلغ التلميذ هذه المرحلة فإنه يكون على عتبة امتحان كشف الذات بمعنى أنه عندما يتخطى أهداف الحواس بجاذبيتها القاتلة فإنه يدخل الى الحضرة البكتية أو ما تعرف بــ (الحضرة الوجدانية) وذلك يبني العقل والقلب الاثنين معا في الطريق الأمثل لإيقاد شعلة المعرفة والحقيقة، ذلك الارث الرباني العظيم.
والعقل في الحقيقة مصدرا للتحرر والقيود في آن واحد بمعنى أن الجري وراء الأهداف نتاج الرغبات فتجعل من العقل مصدرا للقيود (عبودية الشهوات) في حين يكون مصدرا للحرية عندما يتحرر العقل ويعود للداخل (الانعتاق والتحرر).
واليوغي يعى جيدا أن الطريق إلى إرضاء وإشباع الحواس عن طريق (الرغبات) الحسية ذات التوجه الخارجى يقود بدون شك إلى الشتات، وهي الطريق الذى يتبعه الغالبية العامة من الناس، أما الطريق اليوغي فهو أشبه بممر ضيق وصعب العبور قليلون جدا هم الذين اهتدوا اليه، كما يعرف اليوغي أن طريق التحرر، الخلاص هو بالعودة إلى الداخل وتجاوز الأهداف الخارجية التي تمليها عليه الرغبات هذا على الجانب الفلسفي. أما على الجانب الجسدي فهناك أمر بالغ الاهمية علينا معرفته جيدا وهو أن كلمة هاثا تعني التوافق والإنسجام بين الشق الأول (ها) وتعني القمر(+) و(ثا) وتعنى الشمس (-) والقمر والشمس هنا ليسا في حجمهما المادي، ولكنهما رمزان لممرات الطاقة عبر المنخرين الأيمن البنغالا الايجابي (+) والأيسر الايدا السلبي (-) وعن طريقهما تنتقل الطاقة الايجابية والسلبية عبر التنفس إلى الجسم بمعنى أشمل أن مبدأ الايجابية والسلبية هما أساس الكون.
هذه الثنائية تخضع لذات المفهوم في اليوغا فالأسنات هي عبارة عن توترات مشحونة بطاقة إيجابية لا تحقق المنفعة ما لم يتم تزاوجها بأسنات ذات شحنات سلبية، وهناك شكل آخر يجسد نظام الطاقة السلبية وهو الاسترخاء وهو موضوع هذه المقالة ولذلك نلاحظ أن كل أسنة في اليوغا يتبعها وضع استرخائي، كذلك نلاحظ أن ترتيب الأسنات يسير على النسق نفسه، فتمرين الوقوف على الرأس الإيجابي الشحنة يجب أن يتبعه تمرين الوقوف على الأكتاف السلبي الشحنة وليس العكس ومخالفي هذا النظام لن يجنوا من اليوغا سوى نتائج عكسية والمزيد من التوتر.
وعند النظر إلى الطبيعة وتحديدا جسم الانسان نجد أن القلب أيضا يخضع لهذا الناموس، فمرة يخفق دافعا الدم يتبعه وضع تمددي استرخائي وبالمثل عالم الطبيعة بين المد البحري الهائج والجزر الهاديء، لذلك تختم تمارين الأسنات بالاسترخاء وهو ما يمثل الجانب السلبي الشحنات. والاسترخاء شامل وبناء على مستوى الجسم والعقل والنفس هذا المبدأ يجب أن يكون ناموسا لممارسي فن الاسترخاء.
لقد جعلت الحضارة إنسان اليوم ترساً بين آلاتها فالتكالب على المادة حول الإنسان إلى عبد حقيقي يجرى وراء المال فضاعت المقاييس الأخلاقية وانعدم الطموح البنَاء من أجل القيم وصار الإنسان للأسف الشديد يولد على عجل، ويأكل على عجل، ويستمتع على عجل، وينام على عجل، ويموت على عجل، بل يذهب البعض إلى القول أن أجهزة التواصل الحديثة أضافت عبئا جديدا للبشر فوق ما هم فيه من عجلة وبؤس فأصبحوا يفطرون على ما يتصفحونه من متلقيات هذه الاجهزة ويتغدون عليها، ويمسكون عليها قبل النوم وكأنها واجبات أو تكليف ديني آخر ضمن أو بعد الدوام مما زاد من توترهم وعزز من عزلتهم وقوض ألفتهم الاجتماعية الطبيعية حتى أصبح من المناظر المألوفة هذه الأيام رؤية أصدقاء أو حبيبين على طاولة واحدة وكل منهم محدقا في الجهاز!؟
ولكن هناك فرق شاسع بين الاسترخاء والسكون، فالاسترخاء عملية بناءة واعية تشحن الجسم بطاقة عظيمة، في حين أن السكون هو عدم الحركة فالتفكير يحتم علينا أن نكون في وضع ساكن ولكن وراء السكون حركة من الصراع في عقل الإنسان ووجدانه، إذاً فالسكون ظاهري على مستوى الجسم، أما الاسترخاء فهو شمولي وبناء لقوى الجسم والنفس، وقد أثرت المهن بشكل خاص على البشر فالعمل بدون توقف أورث التشنج. فتشنج الأصابع سبب رئيسي للعمل بدون استرخاء، ومرض العصر الشقيقة دليل على تشنج الأوردة والعروق وبالمثل بعض أنواع الربو بسبب تشنج في المسالك والشعب الهوائية والقائمة تطول، ولا حل لتخفيف هذه التشنجات إلا باتباع تقنية الاسترخاء.
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 3940 - الخميس 20 يونيو 2013م الموافق 11 شعبان 1434هـ