لا يتسع لنا المجال في هذا البحث لنسرد للقاريء تلك الحزمة من المراسيم بقوانين التي أصدرتها الحكومة خلال الأحد عشر شهراً التي سبقت أول اجتماع لمجلسي النواب والشورى بتاريخ 14 ديسمبر 2002، ولكن نظراً لامتناع الحكومة عن عرض هذه الرزمة من المراسيم بقوانين على المجلس الوطني بعد انعقاد أول اجتماع تشريعي له بتاريخ 14 ديسمبر 2002 وذلك خلافاً للمادة 38 من الدستورين لسنة 1973 وسنة 2002 التي تدعو إلى ضرورة هذا العرض، فقد وجدت الحكومة مخرجاً في الدستور الحالي لتحصين هذه الرزمة من المراسيم بقوانين وذلك بتعديل المادة 105(ب) من دستور1973 في الشكل الجديد الذي تتضمنه المادة 121(ب) من الدستور الحالي والتي أضافت على المادة 105(ب) من دستور 1973 عبارة «المراسيم بقوانين» بحيث يجري النص الحالي للمادة 121(ب) من دستور سنة 2002 كالتالي: «استثناء من حكم الفقرة الثانية من المادة (38) من هذا الدستور، يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين ومراسيم ولوائح وأوامر وقرارات وإعلانات معمول بها قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل أو تُلغ وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور».
واستناداً إلى هذا النص الجديد للمادة 121(ب)، لا يمكن الاعتراض من حيث الشكل على أي من هذه الرزمة من المراسيم بقوانين – بما في ذلك المرسوم بقانون رقم (54) بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب – التي تحكم حالياً، ومنذ 14 ديسمبر 2002، كل توجهات وسياسات مجلسي النواب والشورى بأحكام مواد مقيدة للاختصاصات التشريعية والرقابية لمجلس النواب بالذات. ولكن على الرغم من اعتراضات بعض المحامين على بعض هذه المراسيم بقوانين في قضايا رُفعت أمام المحاكم العادية، إلا أنه بعد إحالة هذه القضايا إلى المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في هذه المراسيم بقوانين المطعون عليها من حيث الشكل، لم تجد هذه المحكمة حرجاً في رفض هذه الطعون المقدمة بشأنها وإقرار صحة ونفاذ تلك المراسيم بقوانين المطعون عليها من حيث الشكل وذلك استناداً إلى المادة 121(ب) من الدستور التي تعتبر تلك الحزمة من المراسيم بقوانين صحيحة ونافذة من حيث الشكل فقط. وبطبيعة الحال، لا يمكن الاعتراض على قرارات المحكمة الدستورية التي تستند، من حيث الشكل، إلى نص المادة 121 (ب) من الدستور. ولكن هذه المحكمة قررت النظر في الاعتراضات أو الطعون المقدمة بشأن هذه المراسيم بقوانين من حيث الموضوع فقط وذلك استناداً إلى نص العبارة الأخيرة من المادة121(ب) من الدستور التي تتضمن الشرط الاستثنائي الذي ينص على: «ما لم تعدل أو تلغ (تلك المراسيم بقوانين) وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور».
7- وفي ضوء هذا النص الدستوري الجامد، كان يتوجب على مجلسي النواب والشورى، خلال الفصلين التشريعيين الأول والثاني، أن يؤديا مسئوليتهما التشريعية الكاملة حينذاك في ممارسة حقهما واختصاصهما فيما يتعلق بمراجعة كل من المشروع المقترح بقانون المقدم من مجلس الشورى، والمشروع بقانون المقدم من الحكومة بشأن قانون الصحافة والطباعة والنشر الجديد – المعروض عليهما حينذاك – مع المقارنة بينهما فيما يتعلق بتفضيل مشروع القانون الذي يتضمن رفض حالتي وجود عقوبات مباشرة أو غير مباشرة (عن طريق قانون العقوبات) تؤدي إلى حبس أي من رئيس التحرير أو المحرّر أو الصحافي الذي يساهم بالكتابة والنشر في الصحيفة. ذلك أنه كان من الواجب على المجلسين أن يخرجا، سواءً من مراجعتهما لهذين المشروعين، أو بعد مراجعتهما لأي مشروع جديد آخر ستعرضه الحكومة عليهما مستقبلاً بشأن قانون الصحافة والطباعة والنشر، باتخاذ قرار مشترك يؤدي، فعلياً وواقعياً، إلى حذف هذه العقوبات الجنائية من مشروع القانون المصادق عليه نهائياً من المجلسين.
8- ولكن في تطور آخر، يبدو لنا أن الحكومة – وتحت ضغط الصحافيين والجسم الصحافي عموماً – قد سحبت مؤخراً من مجلس النواب مشروع القانون بشأن الصحافة والطباعة والنشر الذي كانت قد عرضته على المجلسين في سنة 2008 وذلك لتضمنه، كما يبدو، عقوبة الحبس ضد الصحافي، أو التفافاً غير مباشر على هذه العقوبة. وعليه، لم يبق أمام المجلس التشريعي إلاّ مشروع القانون المقترح من مجلس الشورى لمراجعته وذلك إلى حين أن تتقدم الحكومة بمشروع القانون الجديد بشأن الصحافة والطباعة والنشر الذي وعدت الحكومة بتقديمه للمجلسين منذ شهر مايو 2012. ولكنها لاتزال محجمة عن تقديمه للمجلسين. كما أن مجلسي النواب والشورى قد أحجما عن مراجعة مشروع القانون المقترح من مجلس الشورى الذي قيل انه أخف وطأةً على حرية الرأي والتعبير بالنسبة للصحافة والصحافيين وذلك حالما انتهى إلى علم المجلسين أن الحكومة وعدت رئيس مجلس النواب منذ شهر مايو 2012 بأنها ستتقدم إلى المجلسين بمشروع جديد لقانون الصحافة والطباعة والنشر.
9- ولعل المصارحة والشفافية تقتضي منا القول في هذا البحث أن هذه التعديلات الجوهرية والأساسية على قانون الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002، التي شرحناها مفصلاً في هذه المقدمة وفي الدراسة النقدية التي سنثبتها في القسم الثاني من هذا البحث (الحلقات المقبلة)، تحتاج في نظرنا إلى سلطة تشريعية تمثيلية حقيقية وكاملة الصلاحيات التشريعية والرقابية لتستطيع استيعاب أهمية ما جاء في هذه التعديلات الجوهرية المقترحة، وذلك لغرض إنتاج وإقرار قانون جديد للصحافة والطباعة والنشر يرتضيه الشعب ويحقق آمال الصحافة والصحافيين، والجسم الصحافي عموماً، فيما يتعلق بإقرار قانون جديد يحفظ كرامة الصحافيين والصحافيات ويصون لهم حرية الرأي والتعبير في ضوء حكم المادة 31 من الدستور المتعلقة بمبدأ «جوهر الحق». ناهيك أن أي قانون جديد للصحافة ستقره السلطة التشريعية مستقبلاً، يجب أن يجنب الصحافيين والصحافيات والجسم الصحافي عموماً من التعرض لعقوبة الحبس المقننة في القانون الحالي. ولكن من المؤسف القول، في هذا المجال، بأن السلطة التشريعية في البحرين قد ضربت مثلاً تاريخياً سيئاً للعالم في تأخير إقرار تشريع مهم كهذا التشريع الخاص بقانون الصحافة وذلك لمدة تقارب ثلاثة فصول تشريعية على أقل تقدير.
إن هذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على وجود خطأ استراتيجي في تشكيل وتركيبة هذين المجلسين غير المتجانسين والمتساويين من حيث العدد، وخصوصاً بعد استقالة 18 عضواً يمثلون المعارضة السياسية في مجلس النواب المنتخب الذي أصبح حالياً يمشي على رجل واحدة بعد غياب نحو نصف أعضائه الذين كانوا يمثلون كتلة المعارضة السياسية الوحيدة في هذا المجلس، الأمر الذي أعاق إلى حدٍ كبير عجلة التشريع العصري الذي يصب في مصلحة الشعب، بدلاً من تسهيلها.
10- وفي ختام هذا القسم الأول من هذا البحث، لابد لنا من كلمة أخيرة نسجلها، قبل الانتقال للقسم الثاني، وهي أن مجلس النواب الحالي يفتقد تمثيل نواب الجمعيات السياسية المعارضة السبع بين أحضانه. وهذا أمر يدعو إلى الأسف، لأن المجالس التشريعية في الديمقراطيات العريقة التي يتمثل بها ميثاق العمل الوطني لسنة 2001، لا يمكن أن تخلو من حزب أساسي يمثل المعارضة السياسية فيها.
ولأهمية وجود الحزب الممثل للمعارضة والمسمى بـ»Opposition Party» في الدول التي تمثل الديمقراطيات العريقة، فان هذا الحزب يطلق عليه اسم «حكومة الظل» أو»Shadow Government». وفي رأينا، أن تواجد أعضاء في مجلس النواب يمثلون الجمعيات السياسية المعارضة – التي لم تنجح من بينها في انتخابات 2006، 2010 إلا جمعية واحدة هي جمعية الوفاق الوطني الاسلامية – وذلك نظراً لعدم عدالة توزيع الدوائر الانتخابية الحالية – سيعيد إلى هذا المجلس بريقه ونشاطه وجديته التي افتقدها مجلس النواب الحالي، وخصوصاً بعد الانتخابات التكميلية التي أجريت في سبتمبر 2011، وشاركت فيها نسبة منخفضة جداً من الكتلة الانتخابية الكبيرة الخاصة بالدوائر الانتخابية لكتلة جمعية الوفاق النيابية التي استقال نوابها الثمانية عشر – وبصورة جماعية – بتاريخ 17 فبراير 2011. وحسبما نقل عن وكالة رويترز للانباء، فان نسبة المشاركة في الانتخابات التكميلية بلغت 17,4 % فقط («الوسط»، 11 أكتوبر 2011). هذا مع العلم انه ليس المقصود من هذا القول أن نوجه اللوم إلى مجلس النواب الحالي بشأن قرار الاستقالة الجماعية من مجلس النواب الذي اتخذته كتلة الوفاق النيابية لوحدها وباختيارها، فهي لذلك تتحمل مسئولية هذا القرار. إلا إننا نأمل أن تعدل الدوائر الانتخابية في البلاد، قبل تاريخ الانتخابات القادمة (2014) ليفسح المجال للجمعيات السياسية المعارضة بأن يكون لها صوت مسموع في هذا المجلس، وذلك في ظل وجود دوائر انتخابية عادلة وفقاً للمعايير المعترف بها دولياً والتي تقرر أن يكون لكل مواطن صوت في دائرته الانتخابية مساوٍ للمواطن الآخر في الدائرة الانتخابية الأخرى. ناهيك أن عدالة توزيع الدوائر الانتخابية للناخبين هي من المبادئ التي تقرها كل الدول التي تتبنى نظام الحكم الديمقراطي الرشيد. ولا نتصور أن هذا المطلب الذي تتبناه الجمعيات السياسية المعارضة هو أمر عسير تحقيقه بحسن نية، وخصوصاً لأنه جاء ضمن المبادئ السبعة التي تبناها سمو ولي العهد عند إعلانها بتاريخ 13 مارس 2011. (يتبع).
إقرأ أيضا لـ "حسين محمد البحارنة"العدد 3926 - الخميس 06 يونيو 2013م الموافق 27 رجب 1434هـ
مقال رائع يا دكتور وطرح عميق
نعم نحن الشعب نحتاج الى هكذا ناس ينورونا بالقوانين والمبادئ التي يمكن لها جمع هذا الشعب على العدل والمساواه فشكرا لك يا دكتور ، ونرجو منك مداومة الكتابة لتنور فيها المواطنين الذي يفتقد البعض منهم الى ما هيه القوانين والدساتير الوضعية .