العدد 3923 - الإثنين 03 يونيو 2013م الموافق 24 رجب 1434هـ

اعتن بنفسك... وأخلاق العناية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

غالباً ما تسمعها عند توديع شخصين لبعضهما بعد لقاء عمل أو جلسة ودّ أو غيره، عبارة عادةً ما يلفظها مستعملها بالانجليزية أسوةً بمن قالوها take care، لكن نادراً ما تسمعها هكذا باللغة العربية «اعتن بنفسك»، وإنّما يستسيغها قائلها ومستمعها حين يخرجها بالحروف اللاتينيّة. وفي الحقيقة لا يخفى على أحد ما في هذه العبارة اللطيفة من إحساس بالآخر، ولعلّها تنطوي على ثقافة أخلاقية إنسانيّة نبيلة تتمنّى الخير وتمام السلامة والعافية للشخص الآخر.

لكن ما قد يخفى على البعض أن العقود الأخيرة شهدت ولادة نظرية أخلاقية مستقلة موسومة بـ « أخلاق العناية» وفي ترجمة أخرى «أخلاق الرعاية»، وهي نظريةٌ تسعى إلى الكشف عن العلاقات الممكنة بين الفئات الهشة التي تستفيد من أخلاق العناية وممارساتها والشخص أو الأشخاص الاعتنائيين، وتركّز على ضرورة استبعاد مظاهر العنف والسيطرة التي يمكن أن تصحب سلوك العناية.

وقد أفاضت أستاذة الفلسفة الأميركية فيرجينيا هيلد في كتابها «أخلاق العناية» الصادر سنة 2008 ضمن سلسلة «عالم المعرفة» في شرح هذه النظرية، وهي تؤكّد أن العناية ممارسة أو رزمة من الممارسات، وقيمة أو رزمة من القيم، والشخص الاعتنائي في نظرها ليس فقط من يمتلك الدافع المناسب للاستجابة للآخرين بل من يشارك بجدية في ممارسات اعتنائية فعالة. ولعل التوسع في هذين الموضوعين من الأهمية بالرغم من وجود فصول أخرى في كتابها ذات أهمية في علاقتها بالعناية.

ترى نظرية أخلاق العناية أن الكثير من الأشخاص وخصوصاً من الفئات الهشة كالأطفال والشيوخ والمعوقين، تعتمد على غيرها في تلبية احتياجاتها لسنوات عدة من حياتها، خصوصاً أن طفولة الإنسان مثلاً هي أطول طفولة بين الكائنات الحية. وأخلاق العناية ليست مقتصرةً على إطار الأسرة وإنّما تشمل كذلك العلاقات بين الأشخاص الاعتنائيّين من جهة و الأشخاص المقعدين مثلاً أو الطلاب في المدارس أو غيرهم من جهة أخرى.

إن رعاية هؤلاء تأتي استجابةً لاحتياجاتهم وتفصل نظرية أخلاق العناية بوضوح بين مجرد تقديم الخدمة وممارسة العناية، حيث أن الاعتناء بطفل صغير أو شخص مريض يختلف تماماً عن الاعتناء بشيء ما، فالإنسان قد لا يعتني بنتائج المباريات الرياضية لأنه لا يحب كرة القدم مثلاً، في حين أن الشخص الاعتنائي ممرضاً كان أو معلّماً أو غيره، يعتني بالشخص الذي هو في حاجةٍ إلى عناية دون أن يحبه بالضرورة.

لكن رأياً آخر ينبّه إلى ما يصطحب نشاط العناية نموذجياً؛ فالاهتمام الدقيق بمشاعر وحاجات ورغبات وأفكار الذين نعتني بهم، والمهارة في تفهم حالة معينة - من وجهة نظر شخص معين- كل هذه الأمور مركزية للعناية بشخص ما.

وتعرِض ديموت بوبك Diemut Bubeck واحداً من أكثر التعريفات دقةً في أدبيات أخلاق العناية فتقول: «العناية هي تلبية حاجات شخص واحد بواسطة شخص آخر، حيث التفاعل، وجهاً لوجه بين الذي يَعتني والذي يُعتنى به، عنصر حاسم في نشاط العناية عامة وحيث لا يمكن أبداً للشخص الذي يحتاج إلى العناية أن يلبيها بذاتها». وهنا التفريق واضحٌ بين العناية والخدمة، وتضرب مثالاً دقيقاً داخل أجواء الأسرة حيث تعتبر أن الأم حين تطبخ الطعام لابنها الصغير فهي بذلك تعتني به في حين عندما تفعل ذلك لشخص كبير قادر تماماً على أن يطبخ بنفسه فهي تخدمه، وهذه الخدمة تندرج ضمن عادات وتقاليد مجتمع ما وتسمى تبعاً لذلك المجتمع بالمسمى المتعارف عليه.

إن ممارسة العناية داخل المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية، وإن كان مقابل أجر ما، فهو لا يخضع عمل العناية لمبادئ السوق؛ ذلك أن المشاعر الإنسانية المصاحبة لعمل الممرضة مع المقعد أو المريض، وعمل المعلم مع المتعلم لا تحكمه مبادئ الربح والخسارة وإنّما تحكمه مبادئ إنسانية أرقى.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3923 - الإثنين 03 يونيو 2013م الموافق 24 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:51 م

      مثال جميل

      وهنا التفريق واضحٌ بين العناية والخدمة، وتضرب مثالاً دقيقاً داخل أجواء الأسرة حيث تعتبر أن الأم حين تطبخ الطعام لابنها الصغير فهي بذلك تعتني به في حين عندما تفعل ذلك لشخص كبير قادر تماماً على أن يطبخ بنفسه فهي تخدمه، وهذه الخدمة تندرج ضمن عادات وتقاليد مجتمع ما وتسمى تبعاً لذلك المجتمع بالمسمى المتعارف عليه.

    • زائر 5 | 4:05 ص

      إمسك أعصابك ولا تتعور

      قالوها حكماء فلاسفه وعلماء باحثون عن الحقيقه بينما الحقيقه ذلك المجهول. ربما جهل الانسان .فيقال بالمحليه في البحرين للطفل جاهل، وهذا صحيح وصواب لكن ما يأخذون من الحكمه القائله بـ إذا التقيقت بجاهل كن عاقلا وليس كن عاقا لوالديك وأضرب الولد حتى يتأدب. من أين للضرب والعنف أن يربي أدبا؟ أو إلغاء قيمة النفس وكيف سواها وألهمها فجورها وتقواها؟

    • زائر 4 | 3:54 ص

      قالها غاندي وغيره بعد قال

      خذ بالك من العيال والعيال كبرت وعنايات والعتب مرفوع لكن في أبواب مفتوحه يمكن الدخول منها الى النفس البشريه. فالحكمه الصينيه تقول لا تعنف الطفل ولا تظر به فهذا يظره ويخرب نفسه. كما قالها صاحب الجمرات الوديه حاج يعطيه أنه لم يتعلم من معلمه في البحرين ولا من أباه الا ألم الضرب والقسوه التي لم يحبها.. وآخرين ليسوا قليلون ولم ينصحنا أحد بأن الخالق أمرنا بأن لا نحترم كرامة الطفل. فكرامة الكهل والصغير كما كرامة الكبير أو الشيخ المسن. الاطفال اليوم معنفين من الكل المعلم الام، الاب، وحتى من أقرانه

    • زائر 3 | 2:19 ص

      من الأغاني المصريه

      لم يتعرض لأحد لكنه إعترض على أفعال الخير وتحدث عن أفعال الشر. العناية بالنفس في رعايتها أما الاخلاق والمباديء فالمجتمع والبيئه نغرس قيم والنفس الأماره بالسوء.. وسوق على مهلك سوق بالمصري متى ما قرءتها باللهجة المصريه تتطلع عدله. اليس كذلك إنما الأمم الأخلاق..

    • زائر 2 | 1:12 ص

      رائع

      يسعد صباحك. أسمى الصفات الأنسانية هي القدرة على العطاء من غير مقابل وبمحبة.

    • زائر 1 | 12:53 ص

      ليت هذا الكلام يطبق في المدارس

      إن ممارسة العناية داخل المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية، وإن كان مقابل أجر ما، فهو لا يخضع عمل العناية لمبادئ السوق؛ ذلك أن المشاعر الإنسانية المصاحبة لعمل الممرضة مع المقعد أو المريض، وعمل المعلم مع المتعلم لا تحكمه مبادئ الربح والخسارة وإنّما تحكمه مبادئ إنسانية أرقى

اقرأ ايضاً