أسهمت سياسة التمييز ضد مكون رئيسي مهم في البلد في عدم الاستقرار على مدى عقود، وفي كل مرة لا تحل مشاكله بشكل جذري فإنها تتعمق وتتشعب أزماته، ما جعل الوضع يعاني من احتقان شبه دائم، بعيداً عن الترويجات الإعلامية التي تربطه بأجندات خارجية مزعومة.
لو تم وضع سياسة لا تفرّق بين منطقة وأخرى، أو بين فصيل سياسي وآخر، أو بين مواطن وآخر، لما شهدنا هذه الاحتقانات الدائمة، والأزمات المتوالية في بلدنا دون غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.
إن الأفضل لأي بلد يريد الاستقرار المجتمعي أن يضع العدالة نصب عينيه، فلا يفرّق بين مواطنيه بسبب انتماءاتهم ومذاهبهم، مثلما يفعل الغرب وكثير من البلدان التي تتنوع بها الديانات والمذاهب كالهند ودول أميركا اللاتينية، فالأهم لديهم الانتماء للوطن. فلا يسمح بأحد أن يتخطى حدود القانون مهما علا شأنه، ولا يعطى مواطن امتيازات إضافية دون سواه، ما يجعل المواطن مطمئناً على حقوقه ونفسه وأملاكه.
المشكلة لدينا ما أن تحدث هبة أو حركة احتجاج للمطالبة بالحقوق وتصحيح ما ينالها من ظلم وتمييز، يتم معالجتها بطريقة انتقامية خاطئة أكثر سوءًا، كما حصل لكثير من أبناء الشعب خلال الحراك الأخير المطالب بالحقوق، وهذا يجعل البلد دائم الاحتقان، وتضطرب أوضاعه بين فترة وأخرى. فالأمور لا تعالج بالانتقام وإنما بالإصغاء لمطالب الناس والإصلاح الحقيقي وتذويب المجتمع في بوتقة واحدة لا بتفريقهم ودفعهم للتناحر بما يهدد في النهاية الأمن المجتمعي بشكل عام.
إن سياسات التمييز سواءً في الأحكام أو الأعمال أو المعاملات، لا تخدم الاستقرار ولا تعالج المشكلة، بل تسبب ردات فعل وتزيد الناس غضباً. في إحدى المسيرات التي تنظمها الجمعيات السياسية على شارع البديع، لفتني أحد الأخوة من المعارف وهو يعتصر من ألم التمييز، حين قال: «هل تتصور أن كل هذا الشارع الممتد بجميع قراه وجميع هذه الحشود، لا يوجد به ضابط بالأمن برتبة متقدمة. هذا الشارع يبدأ من محطة النقل العام بقرية النعيم ويمر على أكثر من 22 قرية، لا توجد بهذا الشارع مدرسة ثانوية للبنين تستقطبهم سوى مدرسة جدحفص الصناعية، وهي كما يطلق عليها الأجداد «من سنة الدبس»، ما يضطر قاطني هذه المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، الذهاب إلى مدرسة أحمد العمران البعيدة في الحورة.
كذلك لا يوجد مرفأ بحري لتلك المناطق مكتمل الخدمات، رغم كثرة مرتادي البحر من الصيادين المحترفين والهواة في هذه المناطق الحيوية سوى مرفأ البديع. حتى طاولة الحوار حيث تدخلت السياسة فلم يكن هناك نسبة موضوعية في التمثيل ما ينعكس على جدية الحوار.
إن التمييز بين الناس يتجلى أيضاً في عدم السماح لهذا المواطن بشراء قطعة أرض في بعض مناطق البلاد، وعدم العمل في هذه الوزارة أو تلك المؤسسة، كل تلك الإجراءات لا تخدم استقرار البلد، التي قد تراها الدولة بمنظور يختلف عن منظور المواطن.
إن التمييز داء خطير، ومن يستخدمه كسياسة في المجتمع، لا يريد لبلده النماء والصلاح والتطور، كونه يؤثر على الناس على جميع الأصعدة، فتأثيراته لا تقتصر على السياسة، وإنما تتعداها إلى الاقتصاد واستقرار المجتمع وغيرها الكثير.
إن نقد هذه السياسة إنما هو لمعالجة هذه الأوضاع الخاطئة، فنحن نهدف في النهاية من وراء ذلك خلق المواطن الصالح المستقر، في بلد آمن ومستقر أيضاً، وليس بهدف الانتقاص من حق أي مواطن. ويجب ان تتاح فرص العمل والتطور والترقية لجميع أبناء الوطن وفق مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص، بعيداً عن الواسطات والمحسوبيات، بعيداً عن سياسات المنع لأسباب سياسية قائمة على التمييز والإقصاء. والله من وراء القصد.
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 3917 - الثلثاء 28 مايو 2013م الموافق 18 رجب 1434هـ
نور
يوجد طلب سنه ونصف بديوان الخدمة المدنيه ولم يقر لحد الان
راجع مقالاتي السابقة
كتبت مقال رائع عن ديوان الخدمة المدنية. ووضعت اليد على الجرح
الفصل العنصري بأيرلندا وجنوب افريقيا اوشك ان ينتهي ولكن في البحرين اصرار على بقائه
نظام الفصل العنصري نظام مقيت ينبذه كل العالم وحتى هنا في البحرين هم يتبرأون منه لأنه فعل مشين ولكنهم في الواقع يمارسونه وبصورة كبيرة وواضحة.
التمييز هو سمة هذا البلد وهو سياسته الاساسية
جنوب افريقيا لم تكن اسوأ حالا من البحرين في التمييز ولكنهم مؤخرا ادركوا خطأهم واصلحوا الامور فعادت الامور الى طبيعتها بعد ان كشفوا ان التمييز العنصري لا يمكن ان يدوم.
لكن هنا في البحرين من يقوم على السياسة يكرس التمييز معتقدا انه سينقد البلد من المطالبات وهذه سياسة جدا خاطئة لأن الناس لا يمكن ان يقبلوا ان يعيشوا تحت نظام الفصل العنصري مهما كانت القوة والقمع
سياسية الفصل العنصري سياسة ممنهجة ومدروسة
لقد حاولوا جاهدين ان يقولوا للعالم ان التعذيب ليس ممنهج في البحرين وفشلوا
وأيضا الفصل والتمييز العنصري ممنهج ومدروس والتقرير المريب خير شاهد واثبات على ذلك.
لذلك الشعب مصر على التغيير مهما كانت الكلفة وعليهم ان يحتملوا اوزار ما يقومون به
لا حول ولا قوة الا بالله
المشكلة لدينا ما أن تحدث هبة أو حركة احتجاج للمطالبة بالحقوق وتصحيح ما ينالها من ظلم وتمييز، يتم معالجتها بطريقة انتقامية خاطئة أكثر سوءًا
الأعوج أعوج
سوف لن يتغيروا مهما كتبتون ومهما وضحتون سيبقى الوضع كما هو عليه. من تربى على الغلط لا يعتدل
بارك الله فيك دكتور
مقال في الصميم ويضع الدواء على جرح التمييز، ويحاكي العقول لوقف التمييز. لكن هل من مجيب
مقالاتي كلها في الصميم
ارجو ان تراجع مقالاتي السابقة. فهي الدواء الشافي للازمة السياسية في البحرين. شكرًا على المتابعة