العدد 3911 - الأربعاء 22 مايو 2013م الموافق 12 رجب 1434هـ

رواد السجون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الكتب القليلة التي أعود لتصفحها بين فترةٍ وأخرى، كتاب «لمحات من تاريخ العالم»، وهو عبارة عن رسائل كتبها الزعيم الهندي جواهر لال نهرو إلى ابنته أنديرا غاندي وهو في السجن في الثلاثينيات.

كان نهرو يريد أن يقدّم موجزاً لتاريخ الشعوب لابنته الصغيرة، لتتجاوز بتفكيرها حدود الهند إلى أفق العالم، وكانت في حدود الخامسة عشرة، وكان يخشى أن تتجاوز هي معلوماته بعد فترةٍ من الزمن عندما تشب وتقرأ.

كان نهرو يحاول جاهداً تجنّب ظهور مسحة عاطفية على رسائله تلك، لكنه كان أباً يحمل حباً كبيراً لأسرته. وحين أقدم الاستعمار البريطاني على اعتقال زوجته، كتب رسالةً ساخرةً مواسياً ابنته التي بقيت وحيدةً على ضفة النهر، بينما يقبع هو في سجن وزوجته في سجن آخر.

السجن من أسوأ الأنظمة القذرة التي ابتدعها البشر لتعذيب بني جلدتهم، وامتهان كرامتهم ومحاولة إذلال معارضيهم. وقد حفل التاريخ، وخصوصاً تاريخنا العربي، بالكثير من العبر التي يتحوّل فيها السجّان إلى سجين، والجلاد إلى ضحية، فـ «الدنيا دول» كما كانوا يقولون.

أنظمة السجن حتى في بريطانيا كانت قذرةً، وفي عموم القارة الأوروبية أيضاً حتى القرن التاسع عشر، وقد كافح عشرات الكتّاب والمفكّرين من أجل تغيير هذه المنشآت القذرة، ووصفها بعضهم ببيوت الموتى، استبشاعاً لهذه الأنظمة التي تقتل روح الانسان. وإن كان هناك من مؤيّدين للسجن خصوصاً لمكافحة الإجرام، إلا أن السؤال الذي ينبغي أن تطرحه البشرية على نفسها بين فترة وأخرى: هل استطاع هذا النظام البربري البشع الحدّ من الجرائم في مختلف مجتمعات الأرض؟ وهل من الصحيح استخدامه ضد المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي؟

كتاب نهرو الذي كنت أقرأ منه فصولاً بين سنة وأخرى، بات اليوم يثير في النفس مشاعر أخرى. فلا يمكنك أن تقرأه بمعزلٍ عن الأحداث والضحايا من حولك. فأنت في بلدٍ صغيرٍ، تعرّض لهزةٍ سياسيةٍ كبرى قبل عامين، ومازالت ارتداداتها تتفاعل على الأرض. وقد أصبح من الصعب أن تقرأ عن أنديرا دون أن تلوح أمامك وجوه مريم وملاك ويارا وفاطمة وأسيل وزينب وسارة.

الجميع يعرف الآن ما نتج عن هذه الهزة الكبرى، من فصل آلاف من أعمالهم، وسجن وتعذيب آلاف أخرى، خلال العامين الماضيين. وهناك أحكامٌ خشنة تترى تصدر ضد قوى المعارضة، من أعمار مختلفة، أكثرهم من الشباب.

بعد السجن، يفترض أن تُرفع الأغلال ويتوقف الإيذاء عن السجناء المحكومين، ويُسمح لهم بحياةٍ طبيعيةٍ أو شبه طبيعية، ولا ينبغي أن يستمر السجن في الاستخدام كطريقةٍ لإذلال المعارضين أو التشفي والانتقام منهم. السجن في عرف الأمم المتحضرة، مؤسسةٌ إصلاحية، وليس أداة قمعٍ وقهرٍ وإذلال.

ضحايا السجون اليوم يشكلون قاعدةً عريضةً تصل إلى أكثر من ألفي سجين، وهو رقمٌ مهولٌ بالنسبة لبلدٍ تعداد مواطنيه في حدود السبعمئة ألف. والأسوأ أن تستمر الشكاوى من أنظمة السجن وإجراءاته، وآخرها فرض لباس معين على السجناء السياسيين، وهو ما لم يكن يُطبّق حتى في سنوات قانون «أمن الدولة».

لا يكفي أن نغيّر اسم «السجن» إلى «إصلاحية»، وإنّما أن يوجد توجّه حضاري شجاع يغيّر واقع السجون البائسة من مقابر إلى مدارس، وأن تنتهي هذه البؤر المظلمة التي توفّر المزيد من الأدلة على استمرار انتهاك حقوق الإنسان والاستهتار بكرامة البشر.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3911 - الأربعاء 22 مايو 2013م الموافق 12 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 7:12 ص

      المصلي

      السجون في الأسلام ماهي الا مؤسسات إصلاحيه أما السجون في دول تدعي أنها تدافع عن حقوق الأنسان فسجونها حقاً هي بمثابة مقابرللأحياء هي سجون أنتقام وحقد وتشفي خصوصاً من سجناء الرأي آتني بسجن واحد في بلدي وغيرها خرج السجين أقصد سجين الرأي السياسي لاتصاحبه عاهات مستدامه على جسده وآثار للتعذيب الوحشي منظمات حقوق الأنسان في العالم توثق تلكم الأنتهاكات وتجرم الأنظمه لكنها لاتملك القرار الضاغط والقوه للوقوف امام هذه الأنظمه المارقه المنتهكه للشرعه الدوليه ستقف الشعوب مسلوبة الأراده منتهكة الحقوق

    • زائر 22 | 6:19 ص

      ضحايا السجون كثر يا أستاذ

      ضحايا السجون كثيرون يا أستاذ، أم أن معتقلي الثمانيات والتسعينات ليسوا ضحايا ودفعوا ثمن معارضتهم باهضا طول حياتهم وواجهوا صعوبات وتضييق متعمد لتاريخهم النضالي وهم اليوم لا يذكرون حتى رغم معاناتهم
      كان الله في عونهم

    • زائر 21 | 3:30 ص

      قافلة الاحرار والحرائر

      من انديرا غاندي ابنة نهرو الى مريم ابوديب زينب الخواجة ومعصومة السيد وملاك نبيل رجب ويارا وأسيل ابراهيم شريف وسارة البقلاوة وعشرات عشرات غيرهم. تذكر من وتترك من يا بوهاشم.

    • زائر 20 | 3:21 ص

      الناس متلعوزه ليش؟

      إرتباط الفحش بالغنى والفاحشه ليس من الصدف، فالقذارة كما ينطقاها الإنجليزfilthy لا صحة ولا عافية وفيها فاحشة الغنى مرسي. فالغنى بالمال كما مثال أبو لهب بن هشام بن حرب من بني عبد شمس وليس له علاقة بعم النبي وإنما بنو أميه الحقوه بالنبي بغضا لمحمد (ص) وكرها لعلي (ع). سواء أكان في الجاهليه أو الاقطاعية أو الرأسماليه كلها تدعي الالوهية والربوبيه مثل رب العمل وكل شيء بالمال والأعمال ودايره على حل شعرها وصاروا مثل النصار- منتصربن بربهم وأرباب. فهل في مال ذله أو خير ووصخ دنيا كما يقولها أهل البحرين؟

    • زائر 23 زائر 20 | 6:46 ص

      اخي الكريم

      محمد الرسول الاكرم (ص) الذي ذكرته في تعليقك يامرك بان تحدث الناس على قدر عقولهم فهل انت ابلغ منه في علم الكلام والبلاغة حتى تتباهى بكتابة عبارات على وزن سماوات وما اجمل السماوات في عالم المنامات كما عبارة (إرتباط الفحش بالغنى والفاحشه ليس من الصدف،)

    • زائر 18 | 2:55 ص

      الشهادة في سبيل الوطن شرف والسجن لا يقل شرفا عن الشهادة في نفس السبيل

      قال الكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي (لا شرف الا الشرف الحقيقي وهو الذي يناله الانسان ببذله ماله او جهده وأقول حتى نفسه) في خدمة الانسان لاخيه والتضحية من اجل الوطن والمجتمع هي غاية سامية لا يستطيع الوصول اليها
      الا من وفقه الله لذلك.
      السجون السياسية هي اشد السجون وطأة وقسوة وايلاما ولكنها ايضا اكثرها رفعة لمكانة هذا السجين حيث يتلقى اشد انواع العذاب ويبقى مخلصا لبني وطنه
      هو شرف لا يعرف معناه الا شرفاء البشر

    • زائر 17 | 2:53 ص

      لا يعلم السجن الا من جربه

      بأي حق يسلب من انسان احلى سنين عمره ويوضع في صندوق ليس ليوم أو يومين بل لسنين لا تنقضي الا وانقضى منها أمله في هذه الحياة...
      لاأستطيع تذكر السجن دون أن أبكي حرقة..
      ويلٌ للظالم من دعوة المظلوم

    • زائر 16 | 2:48 ص

      تتكلم ويا ويش ياكاتبنا

      هؤلاء قوم يرون انفسهم الهة ويجب ان تركع وتخضع وتنفذ مايريدون ان اعتقد ان تكتب لهم ما يؤل له الطغاة والمستبدبن في نهاية المطاف لكي يتعظوا لا ان تكتب لهم عن الذي يأسسون لمبدا الحقوق وكرامة البشر وشكرا

    • زائر 15 | 2:41 ص

      كيف تصلح و

      مقولة قالها الكثير ومازال يرددها المواطن لايمكن ان تصلح منزلا وساسه خراب
      فقبل اصلاح الخلل في ادارة السجن علينا اصلاح ماهو اكبر واشمل واكمل
      وهو النظام الاساسي للبلد
      مالم يكن للشعب كلمة وممثلين حقيقين نابعين من ارادتة بصلاحيات تشريعية ورقابية مطلقة وقبل ذلك نظام محاسبة صارم حينها يمكن التحدث عن اصلاح السجون

    • زائر 14 | 2:38 ص

      ياااافرج الله

      الله يفرج عن جميع الاسارى بحق هالاشهر المباركة
      الله على كل ظالم

    • زائر 12 | 12:56 ص

      عينة من عينات التاريخ

      يحكى أن من ملوك أخوات كان ملوك بني العباس. ما ملكوا، لكنهم إدعوا ملكيتهم للأرض والمزارع والبستين والبحار وألأنهار والنخيل وكل ما على الأرض حتى الغيم. هارون الرشيد بكى بكاءً شديد عند ما علم أن المال مو ماله وصاح مناديا هلك عني سلطانيا. وهكذا نسى هارون أن يدفع فاتورة الكهرباء والماء التى كان يتقاضى ضرائب من رعيته ولم يدفع قط هذه الضريبة العينيه، لأنه مو راعيها لو كان راعيها لدفع مثل رعيته. فهل ملكوا أم تركوا؟ فهل المال سلطان؟

    • زائر 11 | 12:54 ص

      فكرة جدا رائعة

      من رأي حتى المجرم من حقه ان يعيش حياته فلولا قسوة الظروف اللي عاشها لم يصبح مجرما .فكيف بأصحاب الفكر وعلماء الدين والأطفال .لماذا لا يكون السجن مكان اصلاحي وليس قبرا مظلما الايستحق هؤلاء بمكان يليق بانسانيتهم فهم بشر قبل ان يكونو معارضين او مجرمين لماذا التعذيب والتنكيل والإهانة فيكفي على الانيسان وجوده في مكان يحد من حريته الا لعنة الله على الظالمين المعذبين الابرياء

    • زائر 10 | 12:41 ص

      كتاب سجين في التسعينات

      كان مكتوب عليه : لاتخال السجن قبرا إنه درس ودين .. رب سجن قاد نصرا فأصبروا يامؤمنين

    • زائر 9 | 12:32 ص

      يا منتقم انتقم لنا من ظالمينا

      للظالمين يوم ... سنقف امام ظالمي الشعب يوما في محكمة رب العالمين، ولكن حتى ذاك الوقت نعدهم بأننا لن نسكت عنهم ابدا فنحن والتاريخ سنفضح بشاعتهم ووحشيتهم ورجعيتهم وتخلفتم الحقيقي وتاريخهم البشع منذ بدايته وسأتي يوم نذكره فيهم على انهم لعنة في تاريخ البلد وانتهت!
      والسجن الذي صنعوه للشعب حرر قلوب وعقول الالاف الذين سيساهمون في هلاك هؤلاء الظالمين الظلاميين ووضعهم في مكانهم الحقيقي المنحط والهابط!

    • زائر 8 | 12:30 ص

      عدب السجون

      هدا ادا كان المسجون قد اجرام ينطبق عليه المقال من عدابات واهات فمابلكم بالمسجونين ظلمنا او بدون جرم؟
      اللهم فك قيد اسرانا

    • زائر 4 | 12:00 ص

      شكرا

      شكرآ لك استاذ قسم

    • زائر 3 | 10:49 م

      يا في السجن مظاليم !!!

      اللهم فك قيد كل اسير بحق اسير كربلاء

    • زائر 1 | 10:17 م

      الوقوف وحيدا على الرصيف تجمهر

      التجمهر يحدده القانون المحلي ان لا يزيد عن خمسة افراد و بغرض سياسي و الرصيف للمشاة ولكن هنا يمكن ان تدان بالتجمهر وانت وحدك و تحكم بتعطيل سير المركبات وانت على الرصيف

اقرأ ايضاً