تكون هشّاً بخيارك أحياناً. بخيارك بمعنى أنك تستسلم للظرف الموضوعي الذي ليس مستحيلاً الخروج عليه. تكون هشّاً أيضاً حين تختار الانفصال عن الواقع من حولك. الواقع الذي من دون شك لن يكون مثالياً وتجده دون قدراتك وإمكاناتك. انفصالك عنه لأنك لا تريد أن تكون جزءاً منه لأنك تريد أن تمارس يأسك الخصوصي.
***
التاريخ أكثر حظوةً وتمجيداً من الذين حاضرهم لا يدل على الحاضر. يدل على القبر ربما. تمجيد التاريخ في عمومه؛ بمآسيّ رجاله وتجاوزاتهم وكوارثهم وفشلهم وشهواتهم وسرقاتهم وتواطئهم وكذبهم؛ كأنه استدعاء للحالات والأمراض نفسها في محاولة لترحيلها وإقامتها في الذي يُسمّى حاضراً. عليكم نسيان المستقبل. المستقبل لا يملك وقاحة استضافة الذين يمجّدون ويعتزّون بكل تلك التشوّهات والأمراض المستعصية!
***
ما الخسارة؟ سؤال فادح ومحرج في تراكم الخسارات الراهنة. تعمد إلى العبث بالجرح في واقع كل شواهده والأدبيات (قليلة الأدب) تشير وتومئ إليها. الخسارة: ألاّ تكون أنت. ألاّ يُمثلك خيارك. أن تختار تعطيل فاعليتك ووجودك ودورك. الخسارة: أن تتفرّج على الذي يحدّد لك ما تريد وما لا تريد؛ وأن يحدّد لك حجمك وقيمتك؛ وأن تكون منسجماً ومتوافقاً وبصّاماً على كل ذلك.
***
من قال إن المتاحف لما/من انتهت دورة حياته واقعاً وحركةً وتأثيراً؟ من قال إن المتاحف للذي مضى وخرج من دائرة المستقبل ولوجاً إلى دائرة التاريخ وسرْده؟ من قال إن المتاحف للعاديات فحسب؟ بيننا اليوم من هو منتسب إلى الحاضر ولكنه لو عاد إلى الماضي سيتم استقباله بالأحذية وأدوات ومواد أخرى! بيننا اليوم من يُروّج إلى المستقبل وهو أبعد ما يكون عن الشحيح من المضيء من التاريخ. بيننا اليوم من يروّج إلى الحياة من قبره الذي لن تقف وتمرّ به دابّة الأرض.
***
يُطْنب السياسيون وغير السياسيين في الحديث عن قطار وسفينة الإنجاز والتنمية! تفتح عينك - بما أتيح لك من فتح - فلا تجد غير واقع يذكّرك بخيار تحويل مشهد فيلم عبر جهاز الـ DVD إلى وضعية الـ PAUSE أو الإيقاف. تلك الوضعية ستجدها في كل مفصل من مفاصل الحياة التي ابتليت بها ضمن واقع يحكمه مثل السياسيين أولئك. إيقاف يطول الاقتصاد الذي يُحتلب حد اختلاط الحليب بالدم، ويطول الأداء السياسي عموماً من تعيين حارس على مبنى، إلى حارس لمنتخب وطني وحارس على وطن بأسره، ويطول خيار من تحب ومن تكره. الوصفة تحدّد لك أن تبدأ بحب ما/من تكره، وبعد ذلك لكل حادث قطار وسفينة إنجاز وتنمية.
***
ما المرض؟ أن تُصاب بعطب في حواسّك. لا التوعّك في الجسد أو إصابة عضو بالتلف والعطب. ذلك أمر إما أن يحتويه طب متقدّم لا طب الجزارة كما في دولنا؛ وإما أن يمضي الإنسان في حياته نبيلاً في مواقفه شريفاً في مقاصده وحرّاً في أهدافه ومراميه من دون أن ينال منه ذلك المرض أو يحول بينه وبين ما اختار وابتغى. حين تعطب الحواس وتتلف؛ وخصوصاً حاسّة الضمير، لن ينفع صاحبها كل حكماء الأرض وبالطبع دجّاليه؛ وما أكثرهم في هذه المراحل المُخْتَطفة.
***
غربة أيٍّ منا تبدأ من داخله، قبل أن تبدأ من غربة سياسات وأمكنة. للسياسات العوراء والمزاجية قدرتها على خلق صحارى وفيافٍ من الغربات؛ ذلك صحيح؛ لكن أصعب أنواع الغربة وأثقلها وطأةً على النفس والروح تلك التي نوفّر لها الحضانة والرعاية بوعي أو من دون وعي. غربة استسلام أكثرنا لما حوله وفيه أيضاً. غربة كتلك تجعل المرء في مكان دون الهامش؛ هذا إذا وَجدَ له مكاناً في ذلك الدون.
***
لا تحدّثونا عن الهاوية. الحديث عنها أمر، ومعاينتها واستفزازها بشكل يومي أمر آخر، والآخر هو لبّ المسألة. الهاوية أن يساق الناس سوْقاً إلى ماضٍ ينتخبه لهم الذين يتوهّمون أنهم من الضامنين العبور إلى المستقبل! الهاوية أن يقتتل مجموع بشري كي تضمن ثلّة متْعة الفُرْجة والاطمئنان إلى عدم الانشغال بشذوذ تعاطيها مع الحياة وبشر وكائنات تلك الحياة. الهاوية أن ينمو الأغبياء والعبيد كما تنمو الطحالب؛ ليقرّر الخلل أنهم أساس المعادلة الصلبة!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3908 - الأحد 19 مايو 2013م الموافق 09 رجب 1434هـ
نسال الله الهدايه
هؤلاء المعتوهين الذين يسوقون كالانعام نسال الله لهم الهدايه وايقاظ الضمير ربم يوجدذره من الوجدان لديهم
نحن والضمير
هناك من ينام قرير العين لانه لم يخطئ في حق نفسه والآ خرين وهناك ايضا من ينام مرتاح البال سواء احطا او تغافل او اذنب او سلب حقاولكن في النهايه الكل يدفع الثمن