حامل السامسونايت و «بدلة» فرساتشي، ونظّارة رايبان؛ ليس بالضرورة أن يكون صاحب أعمال؛ قد يكون لصاً محترفاً سبّب بؤساً لآلاف وملايين وهو في هيئة وملامح ملاك. المظاهر فخٌّ آخر كثيراً ما يسحرنا، وفي الوقت نفسه يوردنا المهالك!
***
لا نحتاج إلى الضباب المعهود كي نشكو من عدم اتضاح الرؤية ونحن نقود مركباتنا إلى العمل أو العلاج أو صلة أرحامنا والعالم؛ أو التسكّع لمجرد التسكّع. محاصرون بأكثر من ضباب، وأخطره ضباب السياسات المتقلّبة أكثر من تقلّب الطقس في هذا الجزء من العالم؛ إذ كل الفصول تتنازع فيما بينها في اليوم الواحد وليس في الدورة الفصلية المعهودة التي ألِفتْها شعوب العالم.
***
الكذب لا وزن له. الوزن له معيار وقيمة وحدّ. الكذب خارج أولئك. الكذب نطفة واحدة؛ لكن ملامحها متعددة، وأثرها متباين في خطره وأثره. مربط الفرس: الكذب في السياسة صنْعة و «لوغو» ووقود لا يمكن لمحرّك السياسة أن يدور ويحرق ذلك الوقود من دون الكذب؛ لذا السياسيون الذين لا يُجيدون الكذب في هذا الزمن هم مشروعات مُكْلفة وفاشلة، وعبء على الذي دفع بهم لتصدّر المشهد، لأنه لم يعِ الموازين؛ أو أصرّ على تجربة هو يعلم مُسبقاً فشلها.
***
كم من أعمى بصَر طاف العالم ولم يبرح مكانه؟ كم من نقيض له طاف العالم ولكنه في واقع الأمر لم يبرح مكانه؟ البصيرة هي التي تأخذك بأجنحتها إلى الترحال في بلاد الله؛ بخيار أو قسْر. المعرّي يظل الشاهد الذي خَبُر تفاصيل ونفوس العالم من حوله؛ ذلك الذي ظلت صفة: رهين المحبسين علامة لواقع عُرِف به ولكنه تحايل وقفز عليه بأجنحة وفّرتها له بصيرة وبصر حديد من الداخل.
***
اليوم ستجد الحكمة بين البسطاء والأمكنة البسيطة. كأن البساطة حكمة فهم للحياة. أن تتحايل على عُقَدِها ببساطتك، ووضوحك، وعدم تبنّيك للخَتَل والدجل والعيش بأكثر من وجه. بهذا، كأنّ الحكمة هي الأخرى: عمق نظر ببساطة فهم. ليست سُبّة البساطة هنا.
لن تجد الحكمة دائماً في الأمكنة الحذِرة والمتوجّسة والتي اختارت الأسوار علامات فصل وعزل. بشر تلك الأمكنة مشغولون بمزيد من الأسوار التي تُمعن في عزلتهم. كأنهم وُجدوا وخلقوا في الأمكنة والأزمنة الخطأ. هكذا يفهمون الأمر؛ قبل أن تفهمه أنت الذي خارج تلك الأسوار؛ وقبل أن أفهمه أنا.
***
كلُّ حديث عن «مستقبل»، هو «مسٌّ» «تَقْبَلُ» شئت أم أبيت، في ظل واقع كوابيس سياسات تحاصر إنسان هذا الجزء من العالم. المستقبل الذي يُروّج له لا يقل تخديراً و «تسْطيلاً» عن أي مورفين في الدنيا.
***
غياب الشعور بالزمن لا يحدث لمن يصنعون الزمن. يصنعون قفزاته والقيم المُضافة والقدرة على الإبهار ومفاجأة العالم بالمذهل والمُعْجز. يشعر بمثل ذلك الغياب الذين غُيّبوا في كل زاوية من زوايا الحياة. يشعر به المُغيّبون عن طاقاتهم التي تم تعطيلها بفعل أكثر من سبب وعامل، الماثل والمُعاين من تلك الأسباب والعوامل، ألاّ يكون لهم حق الانحياز إلى ما يدل على الحياة وأنهم أحياء بالفعل لا بالتنفّس والضجيج المُسيّر. غياب الزمن؛ إن كان على مستوى الفرد أو الأمة، هو موت مع وقف التنفيذ، من دون صلاحية لممارسة الحياة كما يجب.
***
السجين ضمن أنظمة ولوائح السجن هو رقم وليس بشراً. حتى في الدول الديمقراطية يعرف السجين برقمه أولاً واسمه وملامحه ثانياً وثالثاً. في عالمنا يظل رقماً حتى بعد خروجه من السجن. يظل رقماً على بدْلة وجوده هناك ورقم زنزانته. ثم إن الذين هم خارج السجن ولم يلِجوه هم أيضاً أرقام بطريقة أو أخرى. لا أتحدث عنهم هنا باعتبارهم إحصاءات؛ بل في التوظيف الجهنمي في التمزيق نظراً إلى طوائفهم وما يلحق بها. تُمارس «القسْمة» الضيزى عليهم، و «يُضْربون» كما يرى الذي بيده أداة «الضرْب»، ويتم «طرْحهم» من معادلة المواطنة والحقوق.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3904 - الأربعاء 15 مايو 2013م الموافق 05 رجب 1434هـ
يستحق التمعن
شكرا لهذا المقال الرائع يا اخي
مقال صاخب
وجع لا حد له تلك هي مقالات استاذنا جعفر - اسلوب ادبي رصين لا يستطيع من خلاله كتاب الشيكات والمدفوع اجرهم فك طلاسم حروفه ومعانيه