في نهاية الشهر الجاري تنتهي مهلة الإنذار الذي وجهته الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران... والقاضي بضرورة توقيع طهران البروتوكول الاضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
وكالة الطاقة شككت في سلمية المشروع الايراني النووي وأشارت الى عثورها على مواد تفيد بوجود «اليورانيوم المخصب» الذي يمكن استخدامه في تصنيع السلاح الذري. طهران أكدت ولاتزال سلمية المشروع وضرورته للنهوض بالاقتصاد الإيراني وتوفيره استهلاك الطاقة النفطية التي لن تكفي حاجات السوق بعد مرور 51 سنة. وطهران بدورها كررت تمسكها بالمشروع وأبدت استعدادها للتعاون بشرط احترام سيادتها وحقوقها وعدم تعطيل رغبتها في تطوير برنامج انتاج الطاقة لحاجات سلمية. وبالنسبة إلى عثور الوكالة على مواد مخصبة ذكرت طهران انها تعود الى بقايا معدات مستوردة تستخدم في انتاج الطاقة لا التخصيب.
الخطير في الموضوع ليس موقف الوكالة المتشدد من ايران بل في موقف الوكالة المتساهل مع «اسرائيل». فالتمييز العنصري بين العرب والمسلمين من جهة وغيرهم من جهة أخرى هو جوهر الموضوع السياسي. فالمسألة ليست في منع انتشار سلاح الدمار الشامل بل هي أساسا في ذاك التمييز العنصري بين العرب و«اسرائيل» وبين الدول المسلمة (باكستان وإيران) والهند مثلا أو غيرها من الدول.
هذا التمييز العنصري هو الجانب الخطير من المسألة السياسية. فإيران مثلا تحتاج الى انتاج الطاقة (الكهربائية) لسد حاجاتها الداخلية وتلبية نموها الاقتصادي واتساع رقعة الطبقة الوسطى التي تستهلك نسبة عالية من انتاج النفط. وباكستان بحاجة الى تطوير ترسانتها الدفاعية (الصاروخية والنووية) للاحتفاظ بالتوازن الاستراتيجي الردعي مع الهند التي تتمتع بمساحة جغرافية واسعة وتعداد سكاني هائل. الأمر نفسه ينطبق على الدول العربية التي تواجه سلسلة تهديدات يومية بالاجتياح من قبل قوات شارون ونظامه العنصري المتطرف. و«اسرائيل» تعلن بوضوح انها لن توقع معاهدة الحد من التسلح النووي وترفض علانية اخضاع مصانع ديمونة في صحراء النقب للمراقبة والتفتيش، وهي ايضا تشير في تقاريرها العسكرية الى امتلاكها كمية هائلة من الرؤوس النووية والصواريخ البعيدة المدى التي تطال جنوب الاتحاد الروسي وجنوب شرق الاتحاد الأوروبي ومعظم العواصم العربية من المحيط الى الخليج.
مع ذلك نسمع لغة عنصرية تصدر عن الوكالة الدولية مدعومة بلغة مريبة صدرت مرارا عن دول الاتحاد الأوروبي تهدد وتتوعد طهران بضرورة الانصياع لطلبات الوكالة في أسرع وقت والا نفذت ضدها مقاطعة تجارية تشمل 51 دولة في الاتحاد.
الموقف الأوروبي هو المريب في الموضوع. الموقف الاسرائيلي مفهوم ومبرر فـ «اسرائيل» هي الدولة الوحيدة المستفيدة من تطور الصراع العربي - الأميركي وهي تريد من واشنطن تنفيذ مشروعها الاستراتيجي في المنطقة بالمعدات والقوات الأميركية. وموقف الادارة الأميركية الحالية التي تسيطر على قراراتها كتلة من الاشرار في «البنتاغون» غير عقلاني إلا أن ما يحصل في سياق تداعيات الجنون الأميركي الذي انتشر دوليا بعد ضربة 11 سبتمبر/ايلول 1002 يمكن قراءة بعض تفصيلاته من العناوين الكبرى التي يشنها أحيانا البيت الأبيض على الدول العربية والمسلمة.
غير الواضح فعلا هو تخلي الاتحاد الأوروبي عن مواقفه المتوازنة والمحايدة واسراعه في الانحياز الى تقارير وكالة الطاقة واجماعه الذي لا سابقة له في التأكيد على طهران والضغط عليها للاستجابة الى الطلبات وضمن مهلة تنتهي في نهاية اكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
الموقف الأوروبي بحاجة الى قراءة دقيقة للتوصل الى التقاط عناصره الداخلية ودوافعه التي أملت في المجموع العام سياسة متشددة أكثر من الولايات المتحدة أحيانا.
تخلي أوروبا عن حيادها الايجابي ومغادرتها مقعد الوسيط الدولي يضعف مجددا صورة الاتحاد الأوروبي أمام خصمها الأميركي. فأوروبا الآن بحاجة الى الأصدقاء وليس الأعداء وكذلك يحتاج الاتحاد الغارق في خلافاته وانقسامه الى نوع من التمايز عن الهيمنة الأميركية وجنوح واشنطن نحو استدراج الكثير من الدول الى استراتيجية «الحروب الدائمة» وتكتيك «الضربات الاستباقية».
حتى الآن تبدو روسيا هي الطرف العاقل في معادلة الخلاف بين وكالة الطاقة (المدعومة أميركا وأوروبا لمصلحة «اسرائيل») وبين ايران التي لا تجد من يتحالف معها في عالم يفترسه الجنون الأميركي. فروسيا التي يبدو أنها بدأت تتراجع نظرا إلى الضغوط الأوروبية والشراسة الأميركية تحاول قدر الامكان التمييز بين حق ايران وحاجتها وبين الانحياز العنصري لمصلحة «اسرائيل» وضد العرب والمسلمين. روسيا لا شك في أنها معنية بالمشروع الايراني لأنها الطرف المشرف دوليا على رعاية برنامجها النووي إلا أنها مطالبة أيضا بالمزيد من الوضوح حتى لا تتورط طهران في مواجهة ساخنة لم تستعد لها.
من الآن والى نهاية أكتوبر ستشهد المنطقة الكثير من التوتر الدبلوماسي وبقي على (إيران المدعومة بحياء من روسيا) أن تتخذ الخطوات المناسبة التي تضمن حقوقها وسيادتها من دون المغامرة في ورطة خطط لها أشرار «البنتاغون».
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 390 - الثلثاء 30 سبتمبر 2003م الموافق 04 شعبان 1424هـ