الوطن مفردة وفهرس يضم جميع المواطنين دون تمايز، فهو بمثابة الأم التي تحتضن جميع أبنائها، لا ترفض ولا تلفظ أحدهم مهما تكن درجة اختلافه وسلوكه، ويبقى الوطن سفينة؛ جميع من فيها متعاضدون للإبحار بها دائماً إلى مرفأ الأمان.
فمهما بلغت درجة الاختلاف بين أبناء الشعب الواحد، وطالما كانت بثوابت وطنية وسياج أمين لسيادة البلاد، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نكون أعداء للقيم الدستورية التي وضعناها، والقواعد القانونية الخاصة بنظام الدولة وحقوق المواطن والإنسان، التي أصبحت الركن الشديد الذي يلجأ إليه المواطن والإنسان.
فالماضي هو تاريخ الحاضر، والحاضر أساس لبناء المستقبل. والماضي، على مستوى أداء الدولة وعلى المستوى الشعبي والحراك السياسي، كانت له ثغراته ومطباته الجسيمة نرى بعض إفرازاتها فيما نعيش في دائرته اليوم. فعلى المستوى الشعبي والحراك السياسي، فإن القواعد المنتخبة في البرلمان بالماضي لم تتصدَّ بالحقيقة لأداء دورها الفعال والأصيل في الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية، واستغرقت المناكفات السياسية أداءها، فكيف يمكن أن يحكم البرلمان أداء رقابته السياسية على أعمال السلطة التنفيذية؟
من خلال مراقبته لإنجاز البرامج التي اعتمدها وأقرها مع كل وزارة من وزارات الدولة، إذ لا يمكن للبرلمان أن يراقب المجهول الذي لم يشترك في وضعه أو غير المعروف لديه، وهو ما يجعله عاجزاً حقيقةً عن أداء هذه الرقابة والمساءلة. وقد نصت المادة (88) من الدستور على أن تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى المجلس الوطني، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج. فهل قام البرلمان بهذا الدور الرئيسي الذي هو الأصل ليمكِّنه من إحكام رقابته على أداء كل وزارة من وزارات الدولة في أداء برنامجها السياسي الذي أقره معها؟، فإذا لم يقم بهذا الدور؛ فكيف يمكن أن يحكم رقابته السياسية على أداء هذه الوزارات؟ وكيف تكون أسسها؟ ووفقاً إلى أية معايير ومبادئ يمكن أن يحقّق مع كل وزارة؟ إذا كان لا يعلم ببرنامجها السياسي ولم يشترك على النحو الذي نصت عليه المادة (88) من الدستور في وضع هذا البرنامج؟ بما يجعل من أداء دوره شبه مستحيل وكأنه البحث عن إبرة في قاع البحر.
وهذا الإخفاق حقّق نتيجةً مزدوجة، وهي ضعف أداء الوزارات وفشل الرقابة البرلمانية، لنحصد اليوم جزءًا من عواقب تلك الممارسة.
أما على المستوى الرسمي للنظام؛ فقد أخفق النظام طوال سنوات في وضع البرامج وفق أبجديات تحقق طموح المواطن الدنيا والمتوسطة والقصوى وفق برنامج زمني محدد، بما كان يمكن معه تحقيق هدفين مزدوجين، وهما منع حدوث ما نعيشه اليوم؛ وسلب المقومات السياسية والأسس التي تقوم عليها الأزمة اليوم.
كما أخفق في التعامل مع الأزمات والمخاطر السياسية وفق الأسس المنطقية والعلمية، وفق قراءة واضحة للمعطيات الوطنية والإقليمية والدولية، ودرجة مخاطر كل واحدة منها، فقد رأينا أن معظم الوزراء أخفقوا في تقديم رؤى واضحة وبرنامج استراتيجي دقيق أثناء الأزمة لمنع تفاقمها أو المشاركة في حل بعض جزئياتها، وهم من كانوا يملكون قاعدة بيانات على أقل اعتبار من خلال ممارساتهم وأعمالهم وانجازاتهم الوزارية، حيث كانوا أقدر الناس على تقديم رؤى أكثر دقة وموضوعية لمعالجة إشكالات رئيسية تتعلق بالمواطن، وذلك فتح المجال للتخمين وترك الأزمة تتفاقم لتعالج ذاتها من خلال الخطأ والصواب.
يضاف إلى ذلك؛ فان القواعد الشعبية في أنظمة الحكم المختلفة تعتبر ورقة الحسم وشريكاً أساسيّاً لأنظمة الحكم، فالأنظمة دائماً توجد الآليات المناسبة للتواصل مع شعوبها سواءً في وقت الرخاء أو الأزمات، وهو أمر بالغ الأهمية لخلق حالة الاستقرار الدائم، وقاعدة مشتركة مباشرة لا يتخللها أحد، لقياس الرأي العام بشكل مباشر وتحليله وقراءته وتفسيره وأخذه في الاعتبار في سياسات وبرامج الحكومة. وهي استراتيجية وقائية لمنع الأزمات وتوقعها، فضلاً عن كونها تواصلاً يشعر المواطن بانتمائه وتعاونه مع النظام، وأن رأيه ووجوده يعني شيئاً في وطنه. إلا أن النظام تغافل هذه القواعد الشعبية وتواصله المباشر معها إلا من خلال الجمعيات السياسية، وهو الأمر الذي أحدث فراغاً بين النظام وقواعده الشعبية من الناحية الميدانية، وغاب على أثره التعاون الذي سطره بوضوح ميثاق العمل الوطني.
أما في الوقت الحاضر، فإن كثرة اللاعبين في حلحلة الشأن الوطني أصبح جزءًا من المشكلة، وخلط الأوراق والترويج لأطروحات وبرامج تتعارض فيها المصالح لإحداث خلل في الرأي العام وخلق ضبابية تهدف إلى تغيير البوصلة لتشتيت الانتباه من شأنه عزل القواعد الشعبية وزعزعة ثقتها بما يجري.
إن ضمان المستقبل يتطلب ترابط وتكاتف جميع الأطراف، القيادة والقواعد الشعبية واللاعبين في الشأن السياسي مهما تكن درجات التدخل الإقليمي والدولي، ذلك أن المواطن يبحث عن استقراره الوطني والمعيشي من خلال نظام يقدّس مبدأ المواطنة والمواطن. أما الجهات الإقليمية والدولية مهما تكن درجات حسن النية في تعاطيها مع الشأن الوطني فهي تنظر في المقام الأول إلى مصالحها القومية والخاصة بمعزل عن المواطن البحريني.
إن المستقبل مرتبط بإيجاد آلية جادة حقيقية يشترك في صنعها جميع الأطراف المذكورة، غايتها الاستقرار الشامل وتحقيق أقصى ما يتطلبه المواطن على المستوى المعيشي والإنساني. فإذا تحدثنا عن الماضي، فالحقيقة الواضحة أن المشكلة التي نعيشها اليوم في البحرين، إنما جاءت نتيجة سلسلة من التراكمات والسياسات غير الدقيقة على مستوى النظام وعلى المستوى الشعبي والسياسي، والأهم في هذه المرحلة أن طبيعة الأزمة وإفرازاتها تُنقل للنظام والقيادة عبر بعض الرواة أو الجمعيات بمفردات لا تعزّز الوحدة الوطنية والترابط الاجتماعي الذي هو الأساس الأول للنظام في البحرين، بحيث أصبح ما في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، صدقاً وكذباً، عامّاً وخاصّاً، حقيقة ووهماً، ما أدى إلى أن يفقد الرأي العام وجهة نظره في حقيقة ما يجري، فأصبحنا أمام عقبة كبرى ممتدة الجذور اصطنعها البعض وبنوها وحشدوا لها ظواهر الأمور ونسجوا حولها رؤى وأحداثاً ووقائع وخيالات، لا تتفق بالمطلق مع المصلحة الوطنية، وتصدّوا لكل من يريد أن يسلك طريق الصدق والحق والاهتمام بوحدة هذا الشعب؛ لأنها الحقيقة المطلقة التي تمثل السياج الأول لحماية السيادة الوطنية، فسيادة البلاد مرتبطة بالداخل وليس الخارج، فإذا تعزّزت بالداخل فإنه مهما تضافرت الجهود بالخارج لن تتمكن من كسر هذه السيادة.
إقرأ أيضا لـ "محمد رضا بوحسين"العدد 3895 - الإثنين 06 مايو 2013م الموافق 25 جمادى الآخرة 1434هـ
ياسر
مقال رائع وجهد طيب
يختصر المشكلة السياسية بجميع ابعادها بأخطائها بعيدا عن التحيز واضعا الحل بين طيات الموضوع، لكن هل يعي اطراف المشكلة هذه الابعاد حتى يحاولوا الوصول الى الحل أم يستمر كل طرف في إلقاء عبء الفشل على الاخر
رائع
مقال رائع وجهد طيب
يختصر المشكلة السياسية بجميع ابعادها بأخطائها بعيدا عن التحيز واضعا الحل بين طيات الموضوع، لكن هل يعي اطراف المشكلة هذه الابعاد حتى يحاولوا الوصول الى الحل أم يستمر كل طرف في إلقاء عبء الفشل على الاخر
اختصار
دكتور مقال رائع بس لو تختصر
from nuwairdat
مقال أكثر من رائع د\\ محمد رضا