كانت ليلةً تاريخيةً مثقلةً بالمعلومات الدسمة والحقائق البينة، تلك التي ضمت لفيفاً من المتخصصين وعشّاق التاريخ والتراث البحريني الأصيل يوم الأربعاء الأول من مايو/ أيار الجاري، وقد احتضنتهم قاعة جمعية تاريخ وآثار البحرين خلال محاضرة رئيس الجمعية عيسي أمين، في ختام موسمها للعام 2012-2013، فكان ختامه مسكاً.
من وحي تلك الأمسية وعلى هامشها، اسمحوا لي أن أستضيفكم في هذه الأصبوحة على فنجان تاريخي مفعم بالنكهة البحرينية الأصيلة. فمن المعروف تاريخياً أن جزر البحرين خضعت للهيمنة أو التبعية السياسية للسلطات البرتغالية في الهند والخليج، بحكم ما سبق من تبعيتها لمملكة هرمز في القرنين الرابع عشر والخامس عشر للميلاد، ما عدا السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر والعقدين الأول والثاني من القرن السادس عشر. ولم تكن تلك التبعية احتلالاً كما يتصوّر خطأً بعض الكتاب غير الملمين بتاريخ الوجود البرتغالي في المنطقة. واستمرت تلك التبعية بشكل متقطع حوالي 82 عاماً، حسب الثورات التي قامت في البحرين وصمودها في وجه البرتغاليين والهرامزة.
وكان العام 1602 هو الزمن الفاصل بين تبعية البحرين للبرتغاليين والهرامزة وانتقال تلك التبعية بالاحتلال المباشر للفرس في عهد الشاه عباس الأول أو العظيم كما يُطلق عليه. وإبان فترة السيطرة الفارسية، وكما يحلو للبعض تسميتها بالصفوية باعتبار أن الشاه عباس هو سليل بيت الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الأسرة التي حكمت منطقة فارس بين 1501-1785 تقريباً، ثم لم يعد لها وجود حيث خلفهم الزنديون والافشاريون ثم جاء بعدهم العهد القاجاري.
الشاهد في سردنا التاريخي السريع هذا، أنه خلال فترة حكم هذه الأسرة الفارسية للبحرين بشكل مباشر أو غير مباشر؛ تم تعيين عدة حكام من قبلها على البلاد، بعضهم كان ذا سيرة حسنة والبعض كان سئ الخُلق وعاث فساداً في الحكم. ومن هؤلاء (سوندك سلطان) الذي حكمها لمرتين متتاليتين بسبب علاقته بالشاه عباس. وفي عهده الأول عاصره العالم الرباني الشيخ محمد بن حسن (أو الحسن) بن رجب البحراني (المقابي) أصلاً والرويسي مسكناً، نسبةً لقرية الرويس. وكان كما تصفه كتب العلماء، فاضلاً فقيهاً إماماً للجمعة والجماعة، وهو أول من صلّى الجمعة في البحرين بعد زوال التبعية للبرتغاليين والهرامزة منها عام 1602.
وفي فترة (سوندك) الثانية عاصره فيها السيد الأديب العالم عبدالرؤوف بن الحسين بن عبدالرؤوف البحراني الذي تذكر بعض المصادر أنه ينتسب لإبراهيم المجاب ابن الإمام موسي الكاظم (ع). وكان من رؤساء القوم في البحرين آنذاك وقاضي القضاة، ثم جاء حكم المدعو (بابا خان). ولذا رغم اتفاق الناس مع تلك الأسرة في العقيدة الواحدة إلا أن أهل البحرين ثاروا على بعض حكّامها لسوء سيرتهم في البلاد وقبح تصرفاتهم من أمثال (بابا خان) هذا؛ وذلك لظلمه وتعدياته على الناس وأرزاقهم. ورفعوا شكواهم للسلطان عباس الثاني، فعزله ونصب محله الأمير (سلطان بن قزل خان)، فاستقام على البحرين مدةً من الزمن ولم يتم رفع شكوى ضده. ولكن من جاء بعده ويدعى الأمير (مهدي قُلي خان) لم يكن من الحكام ذوي السيرة الحسنة فكرهه الناس وتم عزله. إلا أن شعب البحرين ومن باب حرصه على الإصلاح والسعي الدائم له؛ رفع رؤساء القوم في البلاد شكواهم للسلطان حسين الأول الذي أمر بعزله ونصب بدلاً منه شخصاً آخر يدعى (قزاع سلطان) عام 1701. وقد أرخ أحد شعراء البحرين حينها هذه الأحداث بقوله:
مهدي قُلي خان صرفوه عن بحريننا
عام الفتور وحكّموا قزاعا
ملأ الفجاج ببغيه وفجوره
فلذا أتى تاريخه (قد زاغا)
وهذا أكبر دليل على أن شعب البحرين الأصيل يرفض أي تعدٍ عليه، ويسعى دائماً للإصلاح وإشاعة العدالة بين الناس. وعليه لتصمت تلك الألسن التي تدّعي ليل ونهار بأن هذا الشعب خائنٌ ويعمل لأجندات خارجية أو غيرها. فالتاريخ الذي لا تقرأه تلك الغربان الناعقة ولا تفهمه أساساً بأن هذا الشعب لم يقبل الظلم في تلك الفترة الغابرة من الزمن. وليقر هذه التاريخ بالخط العريض، بأن هذا الشعب لم يقبل يوماً أن يكون تابعاً ومسيّراً كالنعاج من قبل الحكام الذين عينتهم السلطة الصفوية في فارس عليهم، بل شكوهم أكثر من مرةٍ وطالبوا بالإصلاح في الحكم والسيرة الحسنة واحترام رأي الناس. وأكثر من ذلك وصفوهم بالظلم والبغي والفجور كما أشار الشاعر البحريني. فهل مازال الناعقون يصدرون أصواتهم المنكرة من فوق ربى جيرون؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3892 - الجمعة 03 مايو 2013م الموافق 22 جمادى الآخرة 1434هـ
رائع
مقال رائع يستحق أن تدرجه وزارة (التربية والتعليم) في مناهجها.
سلمت يداك المرهفات
شكرا على هذا المقال يا عملاق المسرح البحريني
وطر مضى ماظنتي بيعود
ذاك زمان قد ولى .. وهذا قبل "الثورة الاسلامية" في ايران .. عندما كان الشيعة عرب قلبا وقالبا .. ربما غابت عنك هذه الحقيقة يا استاذ !
الجهل
هل كنت مضطرا لأن تكتب تعليقك السادج اللدي لايمت بهدا البحث الجميل بصله ؟ ام انك احببت ان تكدر صفو متعتنا بهده الحقائق ؟ شكرا للكاتب وللدكتور عيسي امين .
للتاريخ حلاوة
اذاكان غير مزيف ولم تكتبه سلطة القوة استاذي الغالي في اي حقبة تاريخيه حدثت قصة الشيخ محمدبن عيسى صاحب الرمانه المسمى المسجد في دمستان باسمه حاليا مع الشكر والدعاء لك بطول العمروالصحه والعافيه(احدطلابك القدامى)
سلمت يداك استاذ
كلام رائع
نبذة تاريخية
شكرا يا دكتور على هذا المقال الرائع .. نحن في امس الحاجة الى مثل هذة الخلفية التاريخية عن اصالة هذا الشعب الذي يسعى البعض من النيل من اصالته والتشكيك في وطنيته
The real history
This history that should be tauth in our school to educate students about thier ciuntry
شكرا
كل يوم تطل علينا بإسهاب ذاك التاريخ الجميل عن ماحدث وتربطها بالحاضر وكأنه حجر جلمود يصب على من يشكك في تاريخنا بالصم ويخرس بعض الناس
رمتني بدائها وانسلّت = من على رأسها بطحة يتحسسها
مثلين ربما بعضهم يفهم احدهما فهؤلاء ينعقون بما لا يفقهون وخطابك ايها الكاتب فوق مستوى فهمهم. صعب على امثال هؤلاء ان يستوعبوا التاريخ
وليسوا على مقدرة لفهم اللغة العربية.
هؤلاء يؤججهم اعلام فاقد للمصداقية ولا يعرف شيء سوى اشعال الفتن