بالاشارة إلى تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية في قضايا التجنيس في البحرين، فإن من المهم للسلطة التنفيذية والمعنيين كافة وفعاليات المجتمع حمل المسئولية المناطة بهذه اللجنة على محمل الجد، تبعا لأهمية القضية التي نحن بصدد التحقيق فيها، وخصوصا ان هذه القضية تتصل مباشرة بالكثير من الملفات الساخنة ذات الأبعاد السياسية في البحرين. ومن بينها ازدياد البطالة وتفاقم أعبائها وقضية التمييز بكل ما تمثله من ثقل اجتماعي ضاغط يجب النظر فيه بشكل سريع نتيجة الضيق الشعبي من بروز هذه المسألة التي نتج عنها المزيد من الفرقة والتشظي والتي لا نريدها في هذا الوطن. كذلك فإن الكثير من التداعيات الاجتماعية ومنها قضايا الإسكان وتراكم طلبات المراجعين وزيادة عددها ترتبط مباشرة بقضية التجنيس وتزيد بدورها من معاناة الكثير من الأسر البحرينية نتيجة تراكم الطلبات سواء بالنسبة إلى القسائم أو إلى الشقق أو المنازل، وخصوصا مع بروز ظاهرة منافسة المجنسين في الحصول على الخدمات وتوافر الكثير من الشواهد الدامغة لدى المواطنين على ان بعض المجنسين مفضلون عليهم في الخدمات لأنهم يعملون في مواقع أمنية معينة كالجيش والشرطة والحرس الوطني فيما لا يحظى بعض المواطنين بهذا الشرف ويحرمون منه.
ومن هنا فإن مهمة لجنة التحقيق التي أقرها مجلس النواب في دور الانعقاد الأول يجب أن ينظر اليها المعنيون بكل الجدية. وهي مناسبة لدعوة زملائنا في اللجنة الى تحمل كامل المسئولية في طرق وفتح جميع الملفات سواء بالنسبة إلى الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2002 حتى الآن أو حتى كامل الفترة الماضية منذ العام 5991 وتم فيها التجنيس على نطاق واسع. فنحن لن نتمكن من بحث مسألة التجنيس ونساعد على ضبط المشكلة من دون معرفة وفهم جذورها من الناحية الموضوعية، والمسببات والأعداد التي تم تجنيسها والغرض الذي تم فيه ومن أجله على هذا النطاق الواسع في البحرين بالذات إذ تتجاوز نسبة الكثافة السكانية 0021 فرد في الكيلومتر المربع الواحد وهي من أعلى الدول في العالم في هذا المجال بعد قطاع غزة وعلى النقيض من كل الدعوات التي يطلقها باستمرار المسئولون الحكوميون والباحثون الأكاديميون والكتاب الصحافيون - من دون وجه حق - التي يدعون فيها الأسر البحرينية إلى التوقف عن الإنجاب تحت ذريعة الحيلولة دون اضافة أعباء جديدة على التنمية الاقتصادية واستنزاف الموارد الوطنية في حين ان الحكومة تتوسع في عمليات التجنيس بالآلاف.
كما أنه من الضروري بحث المخاطر المحدقة بهوية الوطن والمواطن وسبل رزقه ومستقبل أجياله، ومن المهم في البحرين الاستفادة من تجارب الدول التي استمرت في تجنيس الأجانب، ومثال ذلك ما جرى في العراق في سبعينات القرن الماضي، ولبنان في الثمانينات وكلا البلدين الشقيقين تم فيهما التجنيس لأسباب سياسية اضافة إلى بعض الدول الأخرى التي انتهجت الأسلوب ذاته، وهي خير شاهد على ما يحدثه التغيير الديمغرافي القسري والسياسي من مآس في الأوطان ما يحدونا إلى عدم التعويل على أنماط من التفكير الحالم الذي يفضي بنا إلى طرق مسدودة وخطرة، وعليه فلا يمكننا أن نشرّع قوانين لفسيفساء مصطنعة بقوة الذراع والأهواء، فالناس والمجتمعات ليست معادن فلزية أو مواد كيماوية أو ألوانا طبيعية يمكن صهرها وإذابة عناصرها وقلب حابلها على نابلها، بل إن ذلك قد يفسد الجزء والكل الذي سيؤدي لا محالة إلى حال من الشطر والتشطير المجتمعي والقيمي والعرفي لا يهدأ أواره أبدا، لأن البشر لهم ما يميزهم عن الأشياء الأخرى من روح وأحاسيس وانتماءات ترابية متجذرة واعتزاز سحيق بالتراث الروحي الوطني الحي، كما أنه يعيش مناخ المعتقد وملامح كثيرة في الشخصية والخصوصيات المتفردة، لذلك فإنه (المجتمع) لن يستطيع أن يتقبل أوزانا زائدة عن حاجته الاقتصادية والطبيعية بل قد يعتبر من يتطفل عليه بتقمص مواطنيته أنه كالمومياء التاريخية تقيم حواجز اجتماعية بين فئات الأمة أو أمما بين أمة.
وفي أتون ذلك المعترك من التناقضات والاشكالات فإن على السلطة التنفيذية وخصوصا إدارة الهجرة والجوازات المعنية بهذا الموضوع أن تبدي استجابة وتعاونا شفافا في التعامل مع هذا الملف الحساس والمصيري وألا تضع أمام لجنة التحقيق البرلمانية العراقيل القانونية ولا الإدارية، فنحن جميعا هدفنا الأسمى هو مصلحة الوطن قبل كل شيء. منطلقين في ذلك من مخاوف مرتبطة بمستقبل وحاضر هذا الوطن المعطاء، ويجب ألا يشكل عمل لجنة التحقيق في التجنيس مخاوف لدى السلطة التنفيذية أو حتى بعض النواب. بل يتعين النظر إليها بمفهوم التعاون الإيجابي الملموس الذي يقضي بحلحلة الملفات العالقة. لأن بقاء هذه الملفات مفتوحة باستمرار ليس في مصلحة الوطن ولا المواطن.
ويبدو واضحا الآن بعد مرور سنوات أن عملية التجنيس التي تمت سابقا لعلاج آثار سياسية وإعادة ترتيب الوضع ليست هي الحل. والاخفاق في التوصيف لحجم ونوعية المشكلات والهموم من قبل أطراف في الحكومة خلط الأوراق مرة أخرى، وأصاب سلم الأولويات في رشده وجزأ المجزأ، وبات الاحتكام الى آراء ذوي الحجى خيانة، ونصح الغيورين لصانعي القرار تطفلا. كما أن من الضروري ألا نجعل من الجنسية البحرينية موضعا للمساومة بحيث تمنح لمعالجة اشكالات داخلية دونما دراسة للآثار السلبية والتداعيات المترتبة عليها. وأبلغ دليل على ذلك ما حدث في بعض المناطق البحرين التي يقطن فيها المجنسون من توتر بلغ حد الصدام وتم تناوله في وسائل الإعلام.
وتنص المادة 03 من دستور مملكة البحرين على أن حماية الوطن واجب مقدس على كل مواطن. ويجب أن يتاح لكل المواطنين. إن الوحدة الوطنية تبقى هي المطلب والغاية الرفيعة والسامية لأبناء المملكة جميعا فهي الضامن الوحيد لتقدم وتطور وطننا العزيز.
ولذلك فعلينا صوت وحدتنا ووطننا. فإن رقعة وطننا الصغير، والنسبة الكبيرة التي يشغلها المواطنون والقاطنون، قياسا بمساحته وتبلغ أكثر من 0021 فرد في الكيلومتر المربع وجعلت البحرين من بين أكثر الدول اكتظاظا بالسكان في كل انحاء العالم. ما يضعنا في تناقض بين ما دعا إليه بعض المسئولين من ضرورة ضبط الأسرة والنسل بدواعي اتاحة فرصة أكبر للنمو الاقتصادي والحفاظ على مستوى الدخل وجودة الخدمات... وبين التوسع في التجنيس ما يزيد أعباء التنمية ويضعف من مستوى جودة الخدمات.
إن شعب البحرين أصيل لا ينكر من أسهم في خدمة هذا الوطن بما يملك من شعور إنساني فياض وبما يملك من خصال الكرم العربي الأصيل. لذلك فإن التجنيس ضمن القانون لن يثير الريبة. فالعربي وخصوصا المؤهل الذي يملك الكفاءة وتنطبق عليه شروط التجنيس التي أقرها القانون له الحق في الجنسية إذا عاش في البحرين 51 عاما وللأجانب إذا مكثوا 52 عاما وذلك لا ينطبق على السواد الأعظم منهم، لفقدانهم واحدا من أهم الشروط القانونية الأساسية وهو ضرورة اجادتهم لغة الوطن وهي العربية بكل تأكيد. لكننا ضد التجنيس لاعتبارات من شأنها الإخلال بالوحدة والإسهام في تقليل فرص وحقوق المواطن الاقتصادية وإقلاق أمنه الاجتماعي.
إن الرغبة التي تقدمنا بها لتشكيل «لجنة تحقيق برلمانية» في التجنيس ستضعنا جميعا أمام مسئولياتنا الوطنية لتأكيد جديتنا في كيفية التعامل مع هذا الملف. ومن هذا المنطلق أدعو إلى إبداء كل التعاون مع اللجنة للوصول إلى حقيقة هذا الملف الذي كان سببا مباشرا في زيادة أرقام البطالة وارتفاع معدلات الجرائم واكتظاظ المدارس وتهديد أمن المجتمع، على أن حلّ هذه المعضلة يبقى مسئولية الجميع وليس النواب وحدهم، أو لجنة التجنيس وحدها فالحل يتطلب تضافر جهود المؤسسات كافة - وفي طليعتهما السلطة التنفيذية - المعنية والمختصة إضافة إلى المجتمع المدني والفاعليات السياسية لكي تؤطر جهودها في بوتقة واحدة يكون هدفها الأول والأخير المصلحة الوطنية العليا
العدد 388 - الأحد 28 سبتمبر 2003م الموافق 02 شعبان 1424هـ