العدد 3874 - الإثنين 15 أبريل 2013م الموافق 04 جمادى الآخرة 1434هـ

الربيع العربي وسقوط أخطر نظريات الاستبداد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من يقرأ أحداث «الربيع العربي» في العمق، سيكتشف أنه أدى إلى سقوطٍ مدوٍّ لنظريتين قديمتين راسختين، إحداهما عربية عمرها 1400 عام، والأخرى يونانية عمرها 2500 عام.

النظرية الأقدم تتعلق بالاستبداد الشرقي، التي طرحها أرسطو، حيث يتمثل قمة الطغيان من وجهة نظره، في الطغيان الآسيوي، فتجد لدى الشعوب الشرقية - على خلاف الشعوب الأوروبية - «طبيعة العبيد»، وهي لهذا تتحمل حكم الطغاة والمستبدين من دون أن تجأر بشكوى أو تذمر.

النظرية فيها نزعةٌ عنصريةٌ واضحة، مع أنها صادرةٌ من عقل فيلسوف كبير. وكان المرء حين يقرأها في الأزمنة السابقة، يقف حائراً أمام هذا الطرح الغريب. فالبشر، من أية قارة كانوا، خُلقوا بنزعة فطرية نحو الحرية، وليس هناك من يُخلقون عبيداً. ومع ذلك كانت الأوضاع السياسية خلال القرون الماضية، تقدّم حججاً لأنصار هذه النظرية، التي ظلّت تُتَوَارث كمسلّماتٍ لدى المفكّرين، دون أن يجرؤ أحد على انتقادها.

الربيع العربي استطاع خلال عامين، إسقاط هذه النظرية العنصرية المعمرة في ضربةٍ واحدة. فهذه الشعوب التي تداعت إلى النزول في الميادين وملأت الساحات في عواصم الربيع العربي، أطاحت بهذه النظرية، وأثبتت أن أرضهم ليست عاقراً، وأن قارتهم لا تختلف عن القارتين الأوروبية والأميركية في استيلاد أزمنة الربيع.

النظرية الأخرى التي أسقطها الربيع العربي هي نظرية ولّدها الاستبداد الشرقي في عقر المنطقة العربية، والمفارقة أنها كانت تمثل قوى الردّة على الرسالة المحمدية، بعد انقضاء فترة الخلافة الراشدة. فعلى رأس العقد الخامس من الهجرة، حوّل الحكم الأموي الخلافة إلى ملكٍ عضوض، استبيحت فيه الدماء وانتهكت الأعراض، وضُربت الكعبة بالمنجنيق من أجل إخضاع أهل العاصمتين الاسلاميتين - مكة والمدنية - للحاكم المستبد. وشهد العالم الاسلامي حروباً داخلية وثورات استمرت توابعها لعدة قرون حتى دخل مرحلة الهمود.

هذا على مستوى الحرب والقتال، أما الحرب الأخطر فتوجّهت إلى السيطرة على العقول. فوظّفت الأمبراطورية الجديدة محدّثين ورواة تاريخ وشعراء من أجل إخضاع العامة والتمكين للحكم الفردي المتسلّط باسم الخلافة. في هذه الفترة، ومنذ منتصف القرن الهجري الأول، بدأت تنتشر الأفكار الجبرية التي تدعو إلى تسليم الأمر للخليفة، وأن الإنسان مجبَرٌ على أفعاله، ولا يحقّ لأحد محاسبته إلا خالقه يوم القيامة. وبدأت تُروّج أفكارٌ عن الخضوع للحاكم حتى لو ظلمك أو سلبك أو جلد ظهرك، فالله هو الذي سلّطه عليك، ومن تكون أنت حتى تعترض على إرادة الله؟

هذه الأفكار تختلف جذرياً عن الأفكار والمبادئ التي جاء بها نبي الأمة (ص)، من ردّ المنكر والجهر بكلمة الحق في وجه الظالم، وإنكار الباطل ولو بالقلب، و«الكل راعٍ ومسئول عن رعيته». كما أنها تصطدم مع الرسالة الكبرى التي أوردها القرآن الكريم، وإعلانه الدائم باستمرار حركة التغيير عبر التاريخ، حيث دأب على التذكير بقصص الأمم السابقة، وما قام به الأنبياء لنقل أقوامهم إلى مراحل حضارية أعلى، والخلاص والتحرّر من استعباد البشر.

هذه النظرية التي سادت أربعة عشر قرناً، منذ انطواء عهد الخلفاء الراشدين، سقطت هي الأخرى تحت سنابك الربيع العربي الكبير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3874 - الإثنين 15 أبريل 2013م الموافق 04 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 1:06 م

      أ ب

      أ’موي عباسي الحاكم العادل الذي لا يميز بين الرعية ولا يظلم ولا يرضى بالظلم
      ولا يتلاعب بأموال الناس وأما الفتوحات التي أتت بعد الرسول ص آله ففيها نظر
      لأن الإكراه في الدين ليس هدف الرسالة السماوية وهذا ما حدث وتتفاخرون به

    • زائر 19 | 8:32 ص

      الحسين ع قدوة

      عن قرائتي لمقالك أسذكرت مقولة أبي الاحرار الحسين ع وأستشهاده بالآية الكريمة: (ولا تركنوا إلى الذين ضلموا فتمسكم النار)ز

    • زائر 18 | 6:47 ص

      الحق

      انتون ياحكام ادا تتضايقون من ثورة الربيع عطووووووووو الشعوب حقوقهم وانتهت المشكله وتركم عنكم الطائفيه واتهت المشكله بس لو اشوى اتخافون من الله

    • زائر 16 | 4:36 ص

      ابو حسين

      يا اخي العزيز الدولتين الاموية والعباسية قد يكون لهم بعض الانجازات وبعض الفتوحات ولكن مع الاسف بعقلية المستعمر و بدون اي عدالة
      مع الشعوب المفتوحة ولذلك الغرب ينتظر الى الفتوحات الاسلامية بهذة النطرة لانهم
      لم يكن عندهم اي عدل ومساواة للرعية ولا مع الشعوب المفتوحة اقرا التاريخ جيدا ... وهم من جعل من الاسلام هو اساس الظلم واستعباد الشعوب وهذا اكبر ظلم وجريمة في حق الاسلام وعدالة الاسلام المحمدي الاصيل ..اسلام العدل والانصاف والاحسان وكرامة الانسان هذا هو الحق بدون اي تعصب يا اخي العزيز

    • زائر 15 | 4:01 ص

      ورقة التوت

      وفي المقابل هناك من القواعد ما يتم اسقاطها حسب المصالح في منطقة، ويتم حمايتها والتلويح بها في كل حين في منطقة أخرى... أعني عدم جواز الخروج على ولي الأمر.. وإن كان من كان!!

    • زائر 17 زائر 15 | 4:44 ص

      مشكلة عقول

      ويش يوديهم الاحواز؟ ترى هناك شعب مسلم يصلي ويصوم ويذهب للحج. ليذهبوا الى فلسطين لتحريرها ان كانوا صادقين. مشكلتكم في عقولكم.

    • زائر 14 | 3:51 ص

      نظرية اصبحت من الماضي

      هل هناك فعلا من يؤمن بنظرية ولاة الامر بعد سقوط الحكام العرب في العامين الاخيرين؟الا اذا كان صاحب مصلحة في بقاء الظلم والحكم الدكتاتوري ولذلك تراهم يلفون ويدورون.

    • زائر 13 | 3:03 ص

      الحرية فطرة ...

      ان في كل اناس نزعة للتحرر والاستقلال فهو وان رضخ للعبودية والدونية يوما ما لكنه ما ان تحين الفرصة وتتهيأ الامور للتخلص من ذل العبودية وعذاباتها حتى يثور على ظالمية ومستعبديه فيزيلهم عن جديد الارض . ويريح البلاد والعباد من شرهم . وقد قال احد العظماء ( كيف استعبدتم الناس وقد خلقهم الله احرارا ) فالحرية فطرة .

    • زائر 10 | 2:43 ص

      سقوط مدوي لنظرية ولي الامر فعلا

      الربيع العربي كان ايذانا بسقوط نظرية التستر بالدين لحكم الطغاة والظالمين. لقد انتهى عصر الطغاة وبدأ عصر الشعوب. وهذا هو سر الخوف من يقظة الشعوب العربية.

    • زائر 5 | 1:24 ص

      أهذا ربيع العرب ؟؟

      الحكم الأموي والعباسي هما من أرسخ العدالة والتنوير في العالم الإسلامي. في هذين العصرين وصلت الفتوحات الإسلامية إلى الصين شرقا وأوروبا غربا. من إستطاع فعل هذا غيرهما ؟؟ في هذين العصرين برز العلماء في كل المجالات من الفقه إلى الطب إلى الكيمياء وحتى الشعر والموسيقى. لا ينكر أفضال الأمويين والعباسيين إلا جاحد بعصور الإسلام الذهبية والذي كان بحق الربيع العربي وليس ما نراه الآن إلا خريفا. ودمتم

    • زائر 6 زائر 5 | 2:04 ص

      لقد حولوا الشورى الى ملك عضوض

      لماذا لم ترد على الكاتب بالحجة: الامويون هم الذين ضربوا الكعبة بالمنجنيق وقتلوا أبناء الأنصار وهتكوا أعراض بناتهم في مدينة الرسول وحولوا الشورى الى ملك عضوض. وانت تقول نهضة وخرابيط؟؟؟؟

    • زائر 9 زائر 5 | 2:36 ص

      سؤال

      سؤال هل استطيع لوم الله سبحانه وتعالى في يوم الحساب وأقول له أنت من أمرتني أن أطيع ولي أمر غير عادل؟!

    • زائر 11 زائر 5 | 2:48 ص

      العصر الذهبي

      الفراعنة كان لهم إنجازاتهم، الشيوعية في روسيا كان لها الكثير من الإنجازات، هتلر والنازية كان له الدور الاكبر في اختراعات القرن العشرين، ولكن هذا ليس المقياس للعصر الذهبي، كل هذه الإنجازات كانت للمفاخرة لأصحاب الملك والأمبراطوريات، وليس للإنسان، العدل هو أساس الحكم، والخلافة الإسلامية للأسف فعلت فعل الأمبراطوريات شيدت وبنت القصور والأملاك وهدمت الإنسان، بل والأكثر هدمت الدين بسم الدين، ليست هذه رسالة نبي الرحمة, الرحمة، الرحمة، الرحمة،. . . . .

    • زائر 4 | 12:40 ص

      حكمة للإمام علي عليه السلام

      احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ، واللَّئِيمِ إِذَا شَبِـعَ. وهؤلاء طبعهم اللؤم وقد شبعوا وشعوبهم كريمة ولكنها جاعت فكان الحكام يصولون ويجولون في معارك ضد الشعوب ولكن لما جاع الكرام كانت صولتهم أشد وسيفهم أمضى-ستراوي

    • زائر 3 | 12:27 ص

      الحمد الله

      أفتخر بالشعب البحريني الواعي الذي رفض الظلم من قبل أكثر من أربعة عقود وله تاريخ عريض من مقاومة الظلم والاستبداد ولا يزال يطالب بحق المشروع في ان يكون مصدر السلطات الله ينصرنا يارب العالمين....إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر.

    • زائر 2 | 11:56 م

      اي ربيع يحمله التكفيريون

      لا يبشر المستقبل بخير اذا كان ابطال التغيير اتباع الزرقاوي والظواهري

    • زائر 1 | 11:17 م

      لم تسقط

      الشعوب الغربية ملت نمط من الاستبداد ولم ترفض الاستبداد فهي من استبداد المعلمنين الى استبداد المتأسلمين وليتهم بقوا على الأول فعلى الاقل سينسب الظلم لهم بينما في الثاني سينسب الظلم للدين

اقرأ ايضاً