العدد 3862 - الأربعاء 03 أبريل 2013م الموافق 22 جمادى الأولى 1434هـ

ذوو الإعاقة أكثر تميزاً

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

على رغم كف بصره إلا أنه كان من المتميزين ممن لم تقف الإعاقة حاجزاً أمام إبداعاتهم. الحاج حسن علي أبو تاكي رجل فقد ابنه بصره بسبب مرض الجدري، ليفقد هو الآخر بصره من بعده فيتلوهما بصر زوجته، فعاش الثلاثة في البيت نفسه، من غير أن يحتاجوا لأحد أو يمدّوا أيديهم إلى أحد طلباً للمعونة.

هذا الرجل شارك في معرض الحرف اليدوية بنادي مدينة عيسى وحصل على جائزةٍ على عمله. كان بارعاً في صنع أقفاص الدجاج والحصائر وسلال الرطب، و«مرحلة» السمك، والسفرة المصنوعة من خوص النخيل ومصائد الفئران.

رجلٌ لم تمنعه إعاقته من العيش معتمداً على نفسه وما تصنعه يداه، هو وابنه الذي كان يمتلك دكاناً صغيراً، وزوجته التي كانت تساعده في الأعمال اليدوية التي أتقنها.

عاش أبو تاكي أكثر من 115 عاماً، لم يشتكِ خلالها مرضاً مزمناً أو ضعفاً في الذاكرة، حتى بعد أن توفيت زوجته، وابنه الذي فارق الحياة في حادثةٍ غريبةٍ كأنها من بنات أفكار السينما، فقد توفي وهو في المقبرة أثناء دفن شخص يحمل نفس اسمه.

أبو تاكي واحدٌ من ذوي الإعاقة المتميزين ممن لم تعرف وسائل الإعلام الناس بهم، لبساطته ولكونه بعيداً عن دائرة الإعلاميين، وهو وجهٌ مشرّفٌ لكل بحريني يجد في عصاميته فخراً، وفي كرامته قدوة. هو واحدٌ من ذوي الإعاقة ككثيرين غيره يقف المرء لهم إجلالاً لما يقدمونه في المجتمع من خدمات، ربما لو قام بها غيرهم لما نجح كنجاحهم، أو أتقنها كإتقانهم لها.

ذكّرتني حياة هذا الرجل بزوجي المرحوم حسين الأمير، الشاب الذي وُلد كفيفاً، فكان كفّ بصره سبباً رئيسياً في تميّزه، أراد أن يقهر إعاقته بتميزه وكان له ما أراد. فكل من عرفه عرفه بلباقته وحكمته وثقافته التي كانت تأسر من يناقشه. كان محباً للقراءة، يهوى حضور المنتديات والمحاضرات على اختلاف مجالاتها. وكان عازفاً ماهراً، ومحكّماً في مهرجانات الأنشودة الإسلامية داخل وخارج البحرين.

كان يحلم أن يقرأ العالم عن طريق الدخول إلى الانترنت، وحين توفّر له الجهاز ببرنامجه الناطق، أنشأ مدوّنةً إلكترونيةً ضمت ما يكتبه من مقالات وأشعار، وشارك في الكثير من المنتديات وحقّق حلمه بقراءة الصحف اليومية كل صباح، حتى اعتبر كثيرون موته المفاجئ خسارةً للوطن قبل أن يكون خسارةً لذويه وأصدقائه ومن عرفه، فكان تشييعه مهيباً وحضر حفل تأبينه الكثير من المحبين على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم ومراكزهم الاجتماعية، في وقتٍ كانت البلاد تمرّ بأزمةٍ طائفيةٍ قلّما نجد هذا المزيج من الناس في مكان واحد.

هؤلاء الأشخاص ممن هم كهذين المثالين، قدوةٌ للأصحاء ممن لا يعانون إعاقات جسدية أو عقلية، ومثالٌ يجعل من لا يطوّر ذاته وهو لا يعاني ما عانوه يخجل من نفسه حين ييأس أو يدع الفشل يسيطر عليه.

قصص هؤلاء تؤكّد لنا أن مجتمعنا يزخر بالكثير من الشخصيات التي بها ينهض، وبتجاربها تكون الحياة أبسط وأجمل.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3862 - الأربعاء 03 أبريل 2013م الموافق 22 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:34 ص

      دينامو

      لو حاولت أن أبحث عن المشترك في كتاباتك المتنوعة والمتميزة وكلها تزخر بالمفاجآت والإدهاش لوجدت أنه التحدي والحب والإصرار على الحياة والبحث عن لباب الأشياء الجميلة والإيجابية والنفَس الخلاق الذي يبعث في الآخرين الدافعية الحيوية للعطاء.. فشكرا لك

    • زائر 4 | 8:37 ص

      جميل جداً

      مقال رائع

    • زائر 3 | 7:21 ص

      مبدعون

      أبدا معاذ الله أن نطلق عليهم ذوو الاعاقة بل ذوو الاحتياجات الخاصة _ فهم الاصحاء الذين يجب ان نقتدي بهم ونتأسى بصبرهم وعزيمتهم _ والامثلة كثيرة ومتعددة ف بلدنا وفي الخارج ، وما ذلك الشاب الصابر الاستاذ أمير الا احد النماذج المشرفة التي نفخر بها - وقطعا تأثر برحيله وغيابه حتى الذي لم يعرفه او يسمع عنه
      شكرا استاذتنا على هذا المقال الرائع

    • زائر 2 | 2:00 ص

      أحسنتم الطرح ..

      احسنتم الطرح ام قيس بارك الله فيكم والابناء وحفظكم ..
      صباحك ورد منثور كرياحين جنان ابو قيس ان شاء الله ...
      لكم مودتي ...

    • زائر 1 | 12:16 ص

      مقال رائع وامثلة جميلة

      رحم الله ابا قيس لم يكن رجلاً عادياً ابداً

اقرأ ايضاً