العدد 3855 - الأربعاء 27 مارس 2013م الموافق 15 جمادى الأولى 1434هـ

هل من بديل لسياسة الحل الوسط؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يسجل التاريخ حلاً سلمياً لقضية تموضع كل طرف فيها في خندقه رافضاً لقاء الآخر في منتصف الطريق. فمثل هذا التموضع ينمّ عن جهل الأطراف المختلفة وفشلها في قراءة ما يخبئه المستقبل للوطن عندما يتمسك كل طرف بخيار الأسود أو الأبيض.

يتناول هذا المقال معوقات التحول الديمقراطي في مجتمع غير متوافق ومنقسم على نفسه. كما يتناول في المقابل مخاطر انحسار العدالة وتغييب دولة القانون الذي يقوّض استقرار المجتمع ويضعف من سلطة الدولة وشرعية نظامها ما يدلل في النهاية على أهمية الحلول الوسط في معالجة أية قضية سياسية بحجم قضية بلادنا البحرين.

من حق أي شعب الإجماع على اختيار نظامه السياسي، فخيار الديمقراطية مثلاً هو حق مشروع كفلته المواثيق والقوانين الدولية ودساتير دول العالم، ومن بينها دساتير دول تعيش تحت نظم شمولية. وفي وطننا البحرين هناك من يتمسك بخيار التحول الديمقراطي في حين يمتعض البعض من مجرد الحديث عن هذا الخيار، ما يتسبب في اتساع الهوة بين الطرفين.

ولو تأملنا بمعيار العقل والتحليل الخيارات الأخرى المتاحة، لتمكنا من إحراز توافق ينتشل بلادنا من مصير مجهول. فالديمقراطية بمفهومها الغربي مثلاً، هي ابن شرعي لحضارة وتقاليد وأديان مازالت بيننا وبينها مسافات ليست بالقصيرة. إلا أن ذلك لا يعني استحالة بلوغ مجتمعاتنا مرحلة متقدمة من الديمقراطية التي تمكّنت شعوب أخرى بلوغها على مراحل متدرجة بعد تجارب مريرة وأثمان باهظة.

والديمقراطية رغم عشقنا لها هي ليست قالباً جاهزاً مناسباً لجميع المقاسات بل هي مفاهيم وتطبيقات متفاوتة تحددها طبيعة المكونات الحضارية والثقافية والمؤثرات التاريخية وأنماط سلوك كل أمة. وهذه العوامل والمؤثرات لا يمكن لأية أمة القفز عليها عند تحديد خارطة نموها وتطورها. وموروثنا التاريخي والسياسي، الذي خبرته واستثمرته القوى المهيمنة الأجنبية التي صاغت طبيعة نظمنا السياسية، مازالت سلبياته ماثلة أمامنا متجسدة في طبيعة تكوين مجتمعاتنا العربية وأنماط إداراتها.

إن التطويع العصري لمثل هذه الموروثات التاريخية يتطلب جهداً ورؤى استراتيجية بعيدة المدى ترسمها أجيال متعاقبة ربما قدر لجيلنا الحاضر أن يبلور لبناتها. من هنا يعتبر القفز على هذه الحقائق مغامرةً لها أثمان باهظة علاوة على كونه غير مأمون العواقب.

صحيح أن العرب قد امتلكوا مشروعاً حضارياً إسلامياً عظيماً لا داعي للبحث فيه بغرض إثباته، إلا أننا الآن أمام واقع آخر مختلف. فثقافة التسامح والتعايش التي كانت سائدة في بعض من حقبات تاريخنا قد اضمحلت وتآكلت بشكل كبير حتى وصلت بنا إلى وضع حزين ومخجل. وحيث إن ثقافة التسامح والتعايش تعتبر مقوماً أساسياً لأي مجتمع ديمقراطي، فإن وضع العربة أمام الحصان كفيل بإلحاق الأذى بكليهما. كما إن مثل هذا التوجه هو بمثابة فتح مفاجئ لغطاء قنينة مليئة بالديدان متى ما خرجت يكون التحكم في مخرجاتها عملية في غاية الصعوبة. ولنا عبرة فيما يحدث من قتل وإرهاب ودمار في دول جوار حاولت إقحام الديمقراطية عنوةً في مجتمعات غير مؤهلة لها.

وإلى جانب هذا الموروث التاريخي، هناك موروثات اجتماعية وسياسية واقتصادية أخرى وجب التمعن في طريقة التعامل معها في رحلتنا للتحول التدريجي نحو الديمقراطية. فليس من الحكمة مثلاً إغفال طبيعة التكوين القبلي والفئوي والطائفي لمجتمعنا ولتلك المجتمعات المحيطة بنا. كما لا يمكننا إغفال عوامل أخرى خارجية رادعة تحول دون سياسة القفز على هذه المعوقات. فعلى المستوى المحلي نقف جميعاً أمام مجتمع منقسم سياسياً ومذهبياً وفئوياً بفعل عوامل كثيرة لا مجال هنا لذكرها.

الجانب الآخر في رحلة البحث عن بديل مناسب لأزمتنا هو الإيمان بأن أي نظام شمولي لا يمكن أن يصلح كبديلٍ لدولة العدالة والقانون التي تستند على مبادئ المساواة والمساءلة، وتوجب على كل مواطن الولاء للوطن واحترام الشرعية والنظام المتوافق عليه. ففي دولة القانون تصبح المساءلة واجبة على كل فرد سواءً كان مواطناً أو مسئولاً. ومن أجل تحقيق هذا الهدف وجب على جميع الأطراف العمل على تحقيق مزيد من الإصلاح اللازم لاستقرار الوطن وحماية مكتسباته بالبحث عن منزلة وسطى بين مواقف متباعدة تنتشلنا من مرحلة الحوار إلى مرحلة التفاوض التي تعني البحث المشترك عن حلول، بدلاً من البحث عن عوامل التأزيم.

إن المنزلة التي نعنيها هي الاعتراف والتطبيق الفعلي لمبدأ العدالة، وكذلك الاقتناع بأن إنقاص أو تجريد أي طرف من أية حقوق تحت أية ذريعة، هو أمرٌ غير مقبول، علاوةً على كونه فعلاً بغيضاً تمقته وتجرّمه الأديان السماوية وجميع المواثيق الدولية.

إنها منزلة تستند على مبدأ الوسطية والالتقاء في منتصف الطريق الآمن الذي يبعث الطمأنينة في قلوب الجميع، ولا يثير فزع أي طرف من الآخر. إنه الطريق الذي حثنا عليه ديننا العظيم قبل أن يكتشفه العلم الحديث. فهل يلبس الجميع ثوب الوسطية ويبتعدوا عن أسلوب تصلّب المواقف لكي يكتشفوا بأنه لا يوجد حل واحد مثالي لأية مشكلة بل توجد خيارات من حلول عدة تستند على مبدأ الأخذ والعطاء وجب البحث عنها بدلاً من تموضع كل طرف في خندقه المظلم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3855 - الأربعاء 27 مارس 2013م الموافق 15 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:59 ص

      لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والناري

      ليس فيه عدل المساومة على كرامة الانسان فهي ليست محل مساومة. فقد تساوم وتفاصل على البضائع والسلع لكن بين الحق العام لأي إنسان كان وبين مصلح شخصيه فئوية أوخارجية أو أجنبية فيحدها القانون برد الفعل وليس ببقاء الحال كما يحب البعض ويرضى جماعة وأخرى متضررة.
      فأي حلول مسطى هنا تصلح؟
      وأي الخيارات والخيار واحد لا غير فما يكون وكيف يكون هنا مسألة؟؟

    • زائر 1 | 3:48 ص

      اسمحلي أستاذ بوحسين على القتباس

      المنزلة التي نعنيها هي الاعتراف والتطبيق الفعلي لمبدأ العدالة، وكذلك الاقتناع بأن إنقاص أو تجريد أي طرف من أية حقوق تحت أية ذريعة، هو أمرٌ غير مقبول، علاوةً على كونه فعلاً بغيضاً تمقته وتجرّمه الأديان السماوية وجميع المواثيق الدولية.هذا هو الذي يطالب به الشعب البحريني ولا شي دون ذلك,فلماذا لأيحصل عليه.و اليسى كل مايطالب به الشعب هو الذي صوط عليه في الميثاق؟ومن وضع الميثاق؟لاتصيط.

اقرأ ايضاً