سئل أحد الحكماء: ما الفرق بين من يتلفظ بالحب ومن يعيشه؟ لكن الحكيم آثر ألا يجيب بالكلام بل بالتجربة، فدعا السائلين إلى وليمة ليبدأ بالذين لم يتجاوز الحب شفاههم ولم ينزلوه بعد إلى قلوبهم. جلس معهم إلى المائدة، ثم أحضر الحساء وسكبه لهم، وأحضر لكل واحد منهم ملعقةً بطول المتر، واشترط عليهم أن يحتسوه بهذه الملعقة!
حاول الجميع جاهدين لكنهم لم يفلحوا في تناول الحساء وإيصاله من هذه الملعقة إلى أفواههم من غير أن ينسكب على الأرض، فقاموا جائعين. ثم دعا الذين يحملون الحب داخل قلوبهم إلى نفس المائدة، وقدم إليهم نفس الملاعق الطويلة. فأخذ كلّ واحد منهم ملعقته وملأها بالحساء ثم مدّها إلى جاره الذي بجانبه، وبذلك شبعوا جميعهم، ثم حمدوا الله وقاموا شبعانين.
وقف الحكيم قائلاً: «من يفكّر على مائدة الحياة أن يُشبِع نفسه فقط فسيبقى جائعاً، ومن يفكّر أن يشبع أخاه سيشبع الإثنان معا».
هكذا هي الحياة؛ لا تستقيم إلا بالمحبة. المحبة التي تجعلك قادراً على التفكير بالآخر من دون أن تشعر بالخوف على نفسك. المحبة التي تنتظم بها الحياة وترتب بها الأقدار سعادتنا حين لا يكون للأنانية مكان بيننا، ولا يكون التفكير بالأنا هو الحاجز الأكبر الذي يحول بيننا وبين اقتسام موارد المعيشة في الحياة، وكأن هذه الموارد اللامتناهية قد تنتهي يوماً. المحبة التي تؤثث أيامنا بسعادة لا تخطئ طريقنا كلما مارسناها فعلاً، ونحن مدركون تماماً أن الله خلق من السعادة والمشاعر والموارد ما يكفي لكل البشر ويزيد.
لا يمكن أن يحيا المرء بكامل سعادته إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه، وآثر من يحب على نفسه حين يقتضي الأمر الاختيار بين مصلحته ومصلحتهم. فكثيرٌ منا اعتاد قول كلمات الحب من غير أن يعيشها بالفعل، ومن دون أن ينتبه أنه لا يعيش المحبة كما ينبغي، وبهذا فإنه خسر الكثير من لحظات السعادة الغامرة التي تنتشل المرء من همومه حين يشعر بأن من يحب سعيد لا ينقصه شيء كان بإمكانه تقديمه له وبخل به عليه.
حين يرى المرء أن السعادة لم تقف عنده بل تعدته لمن حوله وانتشرت في محيطه، يشعر بأنه قد أدى رسالة سامية، لا يرجو من ورائها شكراً ولا جزاءً سوى إحساسه بأنه لم يضن بما يملك على أحد، فما أجمل اقتسام السعادة بحب، إذ تتضاعف حينها المشاعر؛ ما إن تكون سعيداً وتجد الآخرين سعداء.
وبالعودة للذاكرة، فكم من الضحكات أطلقنا ونحن نسمع أحد الأطفال يضحك بصوت مجلجل، حتى وإن كان غريباً عنا لا نعرف اسمه أو عمره أو أي شيء عنه، وكل ما نعرفه هو شكل وجهه حين يكون سعيداً، ونبرة ضحكته؟ ألا يكفي هذا لمعرفة أن بذرة المحبة موجودة في قلوبنا بحاجةٍ للسقيا والأرض الخصبة لكي تنمو ولا أرض مناسبة إلا صفاء النفس وبياض الروح.
أعرف رجلاً يخرج من بيته صباحاً قبل موعد دوامه بساعة، فقط لكي يصل إلى بعض الباعة الجوالين كي يشتري منهم ربع ما يملكون ليسمع منهم دعاء: «الله يغنيك»، ويرى ابتساماتهم على وجوههم، فيأخذ ما اشترى ليوزّعه على زملائه في العمل كي يرى ابتساماتهم أيضاً.
فماذا لو قرّرنا أن نشعر بالآخر قبل شعورنا بأنفسنا؟ أن نتحسّس قلوبنا لحظة فرح الآخرين؟ أن نبتسم حين نجد أن بإمكاننا رسم ابتسامة على شفاه أحدهم، خصوصاً حين نعرف حاجته لهذه اللحظة؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3855 - الأربعاء 27 مارس 2013م الموافق 15 جمادى الأولى 1434هـ
مقال مميز
كثيرا ما تأخذنا العجلة فنأكل ونشرب بسرغة ولا نلتفت لتفاصيل الطبيعة والحياة وابصوت والصورة ثم لاندرك فيما بعد ماذا أكلنا وماذا فعلا فضلل عن الاستمتاع بالوقت الذي مضى من عمرنا. شكرا
ما هذا؟
تعليقات كلها مبالغ فيها.....هل المعلقون قروب...البعض يقول مقال يحتاج االى من يسبر اعماقه...والاخر يقول رجعت له الحياة...و...ماذا يجري..اتمنى التوفيق للجميع
الى السوسنة
هذه هي المرة الاولى التي اعلق فيها على مقال...
تستطيعين بفنك وجمال ادبك ان توصلي احاسيسكي.. وماتريه من جمال.. عبر كلماتك المتناثرة على الاوراق.. زرعت الحياة في كثير من الصحاري القاحلة.. ومن بين هذه الصحاري.."أنا".. تفاؤلك... واملك.. وسعادتك.. ونبض قلبك الذي اقرأه في كل مقال.. يولدني من جديد.. حتى وان كنت قد اصبت بآلام وهموم.. وغموم.. شكرا لله الذي سخرك.. ثم شكرا لقلبك.. ورقة كلامك.. وشكرا لأنك.. "أنت"..
السعادة والتعاسة والنحاسة بين البؤس والشقاء
قد لا تكون المودة والرحمة التي جعلها الله بين الناس موجودة لكن ألسرور والفرح والمرح وقد نسرح ولا نفرح وهذا لا عني السعادة. فقد يفرح الطفل عند ما تهديه لعبة ويفرح الكبير متى حصل على هدية أو حتى اذا ما اشترى شيء جديد. وقد نسر متى ما التقينا بمن نرتاح للحديث معهم أو من يوافقونا في الطباع أو نشترك معهم في الحياة العامة أو الخاصة مثل الاولاد والزوة والاخوة والاصدقاء.
أين السعادة؟ وهل أكون سعيداً عند ما أرى غيري حزين ويتألم؟
مقال جميل
أدخلتي السعادة على قلوبنا بمقالك الرائع شكرا لك
الشاعر والمشاعر
الشعوروالمشاعر والشعر والاحساس والحواس الخمس من النعم لكنها تحتاج الى من يرويها ويراعاها ولا يرعيها. لكن متى ما أهمل الانسان نفسه بات أقرب الى طغيان الظلام شبه الدامس على القلب وقد لا يعرف هذا الانسان فتاح للسعادة أو طريق لكونه إم تائه أو أضاع طريق السعادة أو ان في باله مفهوم مغلوط عن السعادة. فلا يوجد حب في القلب يعني خارج القلب لن يعطيك ما خلا منه القلب.
فهل قلوب أغلقت أقفالها أم المفتاح ضاع في الطريق؟
ولاتيأسوا من روح الله
ذلك يحتاج إلى إيمان وثقة وحسن ظن بالله سبحانه وتعالى والرضا بالقضاء والقدر.. قال الله تعالى : ( ولاتيأسوا من روح الله انه لاييأس من روح الله الا القوم الكافرون ).. لأن المؤمن بالله على خير يرجوه عند البلاء ويشكره في الرخاء . وقلب السوسنة هذا يحمل كل هذه المقومات، فهنيئا لك أختي سوسن هذا القلب الثري المعطاء ودمت بخير وحب.. أحبك في الله غاليتي
حب وحاجة وضرورة لا تبيحا المحضورة
من المثير والاثارة والايثار والاستئثار عكسان وقد يشبها الاسد والاستئساد. بدون استئذان. فمن لا يحس بالاخر يعيش حالة أنا عليا قد تكون خربانة وتحتاج صيانة بين الحين والاخر. لكن مسألة الخيانة في خائنة الاعين والاسد ما عنده غير الحسد ، وإلا لم فسدت أخلاقه وإعتدى على الغزالة وأكلها؟
أووا ليس أفضل أن تحب لنفسك ما تحب لغيرك؟
قفشه ابو متر
صار خاطري اشوف القفشه الا طولها متر ههه
عموما مقال ممتاز
مقال جميل
شكرا لكم على هذه المقالات ومن اخلاقيات الاسلام ايضا: حب لاخيك ما تحبه لنفسك
كلمة حق
تسلم يدك زائر 1 وشكراً أخت سوسن لمقالكي
كلمة حق
تسلم يدك زائر 1 وشكراً أخت سوسن لمقالكي
مقال يلامس القلب
كم جميل أن نعطي من غير مقابل، هذا عطاء السعادة.. شكراً يا مبدعة
لو اننا عشنا الحب
رائع جداً ان يعيش الانسان الحب مع الجميع ويقتسم ما يملك مع كل من يحتاج يا سوسن بكتاباتك تشعريننا ان الدنيا جميلة جداً لو ان كل انسان استمع لعقله وقلبه وفطرته النقية. كم اتمنى ان اتعرف عليك شخصيا لاتعلم منك كل اسلوب حياتك فانت منبع الامل والصبر فانا لو كنت مكنك وتوفي زوجي لما عشت لحظة بعده لخوفي من الاتي فكيف انت تنجحين وتوزعين المحبة والتفائل للناس . شكراً لكم سيدتي الانيقة
،،،،،،
كلام رائع اختي صباح السعادة للججميع
شذرات
الجمال يحتاج الى من يسبر اغواره كى ينعم به . حروفك شذرات شاهقة مزخرفة بالجمال الحقيقى ...بالربيع المتدفق زهوا ...كتاباتك تشبهك دائما تشبه جوهرك الجميل ...
متتبع
ختام مسك لحالنا في البحرين لو نظر كل من يدعي ان افكاره واطروحته تمثل الشعب فهل اجازه الشعب بالكلام نيابة عنهم ربما تعشموا خيرا حين صوتوا له ولكنهم سرعان ماعادوا لايثقون به مما يرون من تبعيته احيانا وخروجه لنصرة جماعات خارج الوطن واقحام نفسه في امور لاتخص الوطن بل انها من فيض عقيدته