العدد 3852 - الأحد 24 مارس 2013م الموافق 12 جمادى الأولى 1434هـ

إلى أين نحن سائرون؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مئة وثلاثة وتسعون دولة في العالم. سبعة وخمسون دولة إسلامية. ثمان وعشرون دولة أوروبية. اثنان وعشرون دولة عربية. عالَم بوذي، وثانٍ هندوسي، وثالث مسيحي ورابع إسلامي. فضلاً عن التصنيفات السياسية الأخرى كبريكس وشنغهاي وأضرابهما.

لا تهم هذه التصنيفات كثيراً بقدر ما يهمنا ما يجري في تلك البلدان من أحداث. والأهم من ذلك المهم، هو ما تعيشه منطقتنا نحن العرب والمسلمين.

دققوا كثيراً في هذا المشهد. فأوضاع الدول تتبدل كما هي أوضاع الناس.

فبعض الدول تصاب بأسقام سياسية، وأخرى تتمتع بصحة جيدة، وأخرى تستثري، وأخرى تصاحب بالفقر والفاقة.

إيران ذلك الجار القابع في الشرق، والذي عنقه في الشمال وذيله في الجنوب لم يعد كما كان. جارٌ بدأ يفقد أوراقه في المنطقة تباعاً. سورية اليوم هي عبارة عن قاعٍ خاوٍ، تنعق على أرضها الغربان، وبالتالي لم تعد عملةً صعبةً لدى الإيرانيين، تفاوض بها ومن خلالها. الفلسطينيون ذاهبون إلى مصالحة، وبالتالي لا مجال للوقوف على تناقضاتهم.

أما في لبنان، الذي هو صدى لسورية والعكس، فلم يعد حلفاؤها بالقوة ذاتها التي كانوا عليها قبل أحداث سورية. ليس الموضوع مرتبطاً بقوة حزب الله العسكرية، وإنما بمدى قدرتهم على إقامة تعاضديات ثنائية، مع شركائهم في الأرض. وما انهيار حكومة ميقاتي إلاَّ إحدى تمظهرات ذلك الضعف، وإن بدا متعللاً بقانون الانتخاب المختَلَف عليه.

أعداؤها شيطنوها في إعلامهم بما فيه الكفاية، حتى أصبح البعض ينظر إليها بالمنظار ذاته الذي أسَّس له جورج بوش: محورٌ للشر. بينما آخرون من السُّذج، رأوا فيها فرصةً لتكفيرها دينياً، واعتبارها امتداداً للصفوية القديمة، تخالَطَ فيها السياسي بالديني. وكان هذا الأمر خطأً فادحاً قد يفتح الباب لحرب إقليمية إن لم تكن أوسع وأشد ضراوة.

لكن إيران على المستوى الداخلي، مَضَت في بناء قدراتها الذاتية بشكل جيد.

تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط وتهيئة كوادر علمية. وربما أصبح برنامجها النووي، هو الأبرز من بين كل ذلك. وهو مسلك قد يُغيِّر صورتها تماماً بعد عقد فقط.

العراق، يكابد للوقوف. فتجربة الاحتلال، والحرب الطائفية، واهتزاز نظامه السياسي لايزال يلقي بظلاله عليه. ابتعد العرب عنه فلتقفته إيران.

الأميركيون يريدون لتجربتهم فيه أن تنجح بأية وسيلة. وهم يحثون دول الخليج والأردن على التعاون معه. هم غادروه لكنهم أبقوا على عيونهم فيه.

خبراء، استشاريون، وأشكال أخرى من التسميات.

كان بإمكانه أن يتفادى كل هذا الاهتزاز، لو أن الساسة الجدد فعلوا ما ينبغي عليهم. لم يكن هناك داعٍ لمعاقبة ثمانية ملايين بعثي سابق. ولا الحجر على أموالهم، وعدم إعادة الكثيرين منهم إلى وظائفهم أو إحالته على التقاعد. لذا، ظهر منهم أعداءٌ كثيرون لأنهم موتورون. كان يُمكن إرضاء السُّنة بطريقةٍ عادلةٍ لكي يبنوا معهم الدولة لكنهم لم يفعلوا. أصيبوا باليأس بعد تجربة الانتخابات، واليوم هم في الشوارع يتظاهرون.

لكن العراق اليوم بدأ يتمدّد. الأردن وإيران وسورية ومصر والإمارات والبحرين بدأ ينسج معهم علاقات خاصة. وهو يسعى إلى وضع قدمٍ له في تونس وليبيا بعد التغيير. كما أنه يغازل الروس، والصينيين، ويلعب معهم لعبة المصالح. هذه الأشياء جيدة، لكنها لن تكون سليمة القوام مادام داخله مضطرباً، وهو ما يفرض عليه تسويات «ضرورة».

تركيا، بدأت في الصعود بقوة. أردوغان، بدأ يلعب ببراغماتية قصوى. دمَّر جاره السوري، الذي كان حائط صد بينه وبين أسفل الهلال الخصيب وجواره، ليتفشى نموذجه الديني الجديد، عبر بوابة الشام، باتجاه الأردن وفلسطين، وصولاً إلى منطقة الخليج العربي. وهو يخشى أن يفشل في إكمال ما بدأه، فيرتد ما كان يدفع به على الحدود إلى داخله، فتضطرب مدنه وقراه في العمق.

قوَّى من الاقتصاد التركي، واستولى على مراكز الدولة، مُزِيحاً شيئاً فشيئاً العلمانية الصلبة من الجيش والاستخبارات والولاة. يسعى اليوم إلى حلحلة المشكلة الكردية، وقد استطاع أن يفعل ما فشل فيه آخرون. هذه الأزمة التي أكلت من عمر تركيا 28 سنة، وأربعة تريليونات من الدولارات، بدأت في التسوية غير النهائية. المهم أنها بدأت.

هذا الأمر سيعني، أن الأتراك قادمون. والأكيد، أن عيونهم على الدور الديني للسعودية، ومصر. هم يريدون استيعاب الأحزاب الدينية التقليدية كالإخوان المسلمون، الذين يتحالفون معهم اليوم لأهداف محددة، تتعلق بمصر وسورية، وبعدها يتفاصلون.

الشمال الافريقي لايزال غير ناضج للقضم، لكنه بالتأكيد مهيأ للتشكيل.

بعد التغيير في ليبيا وتونس، تبدو الجزائر في خوفٍ من هذا الطوفان. لا النظام ولا الناس يريدون أن يبدأوا التغيير. النظام لا يريد أن يُغيِّر بنيته السياسية، التي مشى عليها منذ حقبة ما بعد الاستقلال، وتمتع الجيش فيها، بنفوذ واسع على الحياة السياسية والاقتصادية.

أما الجزائريون، فهم لايزالوا مهووسين بالعشرية الحمراء/ السوداء، التي مروا بها خلال عقد التسعينيات. هم يريدون أن يبرأوا من حمى النظام القديم، لكنهم لا يريدون لتلك الحمى أن تنقشع بوفاة الجسد كله. لم يستطيعوا بعد نسيان جمال زيتوني وحسن حطَّاب. لذا، هم يراقبون الأحوال دون أن يتحمسوا إلى تغيير يأتي عبر الجموح الشعبي. وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3852 - الأحد 24 مارس 2013م الموافق 12 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 4:39 م

      الأفتقار إلى بعد النظر

      الاحظ دائماً أن التعليقات على مقالات الأستاذ محمد تتسم في اغلبها بقصر النظر ، وكثير يطالبه بالكتابة في الشأن المحلي وكأن مالدينا غير كافي،و كأنه لم يكتب فيه من قبل . التحليلات اللتي يقدمها رأي قيم فيه بصيرة سواء اختلفنا معه ام اتفقنا. و ليس مثل الكتاب ذوي الأجندات اللذين يريدون إيصال رسالة بمقالاتهم بأي ثمن و على حساب الحيادية.
      الكثير يعيبون ايضاً على الأستاذ كلامه عن ايران و ينسون انها ليست لا ملاكاً و لا شيطان،هي جار كبير لنا و لدينا علاقات تاريخية و ازلية معهم ولا بد من التعايش بطريقة صحيحة

    • زائر 12 | 3:16 م

      حسن حيدر

      أنا معجب بمقالاتك يا استاذ ، لكن هل لك أن تشرح لنا هذه الفقرة أو تكتب مقالا عنها : ( تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط وتهيئة كوادر علمية. وربما أصبح برنامجها النووي، هو الأبرز من بين كل ذلك. ((( وهو مسلك قد يُغيِّر صورتها تماماً بعد عقد فقط.))) .... هل تشرح وتحلل لنا هذه العبارة وبالأخص الجملة الاخيرة ؟ أرجوك ... أرجوووووووووك

    • زائر 10 | 8:54 ص

      المصلي

      يلام الكاتب عن تناوله الشأن المحلي (ويشله بالبحر وهواله ورزق الله على السيف) خلوا محمد ياجماعة لاتورطونه بالشأن الداخلي ستروا عليه الله يستر عليكم على كل حال موضوعك يابو جاسم روعة وتحليلك للوضع السياسي الأقليمي والعالمي غاية في الدقه حيث وضعت النقاط على الحروف ولن يتغير حال الأمم الا بالرجوع الى الله وتحكيم العقول بترسيخ قيم العدل والمساواه ونشر قيم التسامح ونبذ الفرقة والأعتصام بحبل الله كما امرنا الله جلى وعلى في محكم كتابه المجيد حيث يقول ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا) صدق الله العلي

    • زائر 8 | 5:13 ص

      لماذا؟

      الاستاذ الفاضل من متابعتي الى مقالاتك لم ألاحظ في يوم من الايام بأنك مريت ولو مرور الكرام على بلدك وتقد م لهم على الاقل ولو بنصحه واحد او بلدك هو في الف خير وكل هذه المشاكل في البلدان الاخرى ونحن في نظرك بالف خير او انت متخصص في الشئون الخارجيه فقظ ولاتهمك الاء ايران؟ ياأخيناء اليوم ايران غير المس وهذه تجلس مع 5+1 وهل لو كانت ضعيفه يجلس معاها على طاوله مثل الولايات المتحدة القوي لايجلس الا مع القوي.

    • زائر 9 زائر 8 | 6:49 ص

      إلى الزائر

      أمريكا لم تجلس مع حزب الله فهل هذا يعني أن حزب الله ضعيف؟ وجلست مع النيجر فهل هذا يعني أنها قوية؟؟ مقارنتك غير دقيقة

    • زائر 6 | 3:57 ص

      طيب وين البحرين في كتاباتك

      عجل إيران تلقفت العراق و سيطرت عليها خوش كلام طيب و البحرين محد أحتلها و سيطر على قرارها و سيادتها. خاطري أقرأ لك موضوع عن الشأن المحلي لكن دون جدوى الظاهر مش من صوبك و تخصصك دولي و خصوصا مواضيع إيران التي تسيل لعابك

    • زائر 7 زائر 6 | 5:04 ص

      ارتاح

      صوب مقال الكاتب محمد عبدالله محمد مقال لكاتب ثاني وتحته مقال لكاتبة ثانية وفي الصفحة اليمن ثلاث مقالات أخرى وكلها عن البحرين روح إقرأها كلها يمكن يرتاح قلبك وتهدأ

    • زائر 5 | 1:51 ص

      عبد علي البصري

      هذا الكون بدقائقه وبدقاته وبدورانه السريع وبحركه الناس فيه والانعام والبحار والمحيطات تسير بدقه متناهيه فلا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر والليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون .... كل هذا لا تدري الى اين انت سائر؟؟؟!!
      عزيزي استنطق القرآن وحمله القرآن فأنهم معصومون كما هو الكون معصوم يخبروك الى اين انت سائر يا عزيزي .

    • زائر 4 | 1:23 ص

      عبد علي البصري هذا مثل قول الشاعر ايليا ابو ماضي

      جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرتُ قدامي طريقاً فمشيت
      ((انهم كالانعام بل اضل سبيل )) على الاقل الحمار يدري وين رايح وين جاي . والمؤمن على بصيره من امره لذلك يقول على الاكبر عليه السلام (( اذن لا نبالي اوقعنى على الموت ام الموت وقع علينا )) لانه يعلم الى اين هو سائر والى اين هو سيكون , و ههههه ههه هه وبنفس كلام على الاكبر يقوله المضيعون لانهم لا يعلمون لم هم هنا ومن اين هم والى اين هم

    • زائر 3 | 1:09 ص

      عبد علي البصري

      وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها **** تشقى كما يشقى الرجال وتسعد
      هذا الكون يا عزيزي يسير مخير ومقدر يسير حيث الانسان وما يريد ، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . فالتغيير من الله ولاكن عندما يغير الانسان اولا , لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم )هذه معادله الاهيه كونيه ، والعسر مع اليسر ولا تدرى نفس ماذا تكسب غدا ولا تدري نفس بأي ارض تموت ، ((تكمله....))

    • زائر 1 | 10:43 م

      كاتب متميز

      لقد اصبة الهدف شكرلكم{جعفرالخابوري]‏‎ ‎

اقرأ ايضاً