وسط غابة من الشموع التي أضاءت الأحياء والشوارع والأزقة وأسطح المنازل والعمارات، شهدت قارات العالم وبلدانها المختلفة مساء السبت 23 مارس/ آذار الجاري وقفة تضامنية احتفالاً بساعة الأرض، رافقتها صيحات الأطفال وصرخات ونداءات نشطاء البيئة بوقف الأنشطة المدمرة للحياة على كوكب الأرض.
إنها اللحظة التاريخية والقيمة الحضارية، وهي اللحظة التي تحمل في جوهر مضامينها منظومة من المعاني الإنسانية لثقافة العلاقة الرشيدة مع كوكبنا.
إنها حقيقة الوعي بمخاطر الممارسات غير الرشيدة والسلوك غير القويم في العلاقة مع معالم نظامنا البيئي، وبمخاطر التدهور البيئي الذي صار يدك حصون كوكبنا ويهدد أمن ومصير بقاء المجتمعات البشرية.
انه القلق الذي يشير إلى مسئولياتنا المشتركة التي تضيء مفاهيم فكرنا البيئي، والتي تدعونا إلى التأمل والمراجعة المتعمقة والمتعقلة والحكيمة والجدية في تبين حقائق ما نحن فاعلوه، وما الذي ننتظره من خطر كارثي نتيجة ما نقوم به من أنشطة وممارسات غير واعية ونتيجة تبني سياسات تنموية وثقافة استهلاكية غير رشيدة للموارد الطبيعية.
تلك الحقائق تجبرنا على أن نتبصر ونفكّر ملياً ما الذي علينا فعله لإنقاذ كوكبنا من مخاطر التدمير، والعمل بجدية في إنجاز المهمات والأهداف التي جرى صناعتها وإنتاجها والتوافق عليها عالمياً وإقليمياً ووطنياً، للتمكن من تأكيد مصداقية مسئوليتنا في الالتزام بمبادئ العمل لصون الأمن البيئي لكوكب الأرض.
إحياء مناسبة ساعة الأرض ليس ترفاً فكرياً أو مظهراً احتفالياً واستعراضياً، كما أنها ليست محطة للدعاية والإعلان. إنها أكثر بعداً وعمقاً من هذا وذاك، انها تشير الى معاني الالتزام بقيم ومبادئ المسئوليات التي صنعناها وتوافقنا على الالتزام بها وتأكيدها واقعاً ملموساً، لماذا؟ المجتمع الدولي منذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية المنعقد في ستوكهولم في الفترة من 5 إلى 16 يونيو/ حزيران 1972، مروراً بقمة الأرض بشأن البيئة والتنمية في الفترة من 3 إلى 14 يونيو 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل، ومؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في الفترة من 26 أغسطس/ آب إلى 4 سبتمبر/ أيلول 2002 في جوهانسبرغ بجنوب افريقيا، ومؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20)، يونيو 2012 في ريو دي جانيرو بالبرازيل، بذل من جهود ملموسة وتمكن من صناعة منظومة متداخلة من المسئوليات والالتزامات والقيم والمبادئ الدولية المنظمة لنهج علاقة عناصر المجتمع الدولي مع معالم النظم البيئية واتجاهات العمل لصون الأمن البيئي لكوكب الأرض والمجتمعات البشرية.
ان منظومة المبادئ الدولية في الشأن البيئي تؤكد في مجموعها المسئولية المشتركة للدول في الالتزام بالعمل على تحقيق الأهداف الدولية لحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، ومن المبادئ التي ينبغي الإشارة إليها المبدأ 2 من إعلان ستوكهولم الذي يؤكد انه «يتعين الحفاظ لصالح الجيل الحاضر والأجيال المقبلة، على الموارد الطبيعية للأرض بما في ذلك الهواء والمياه والتربة والحيوانات والنباتات، وبالخصوص العينات النموذجية من النظم الايكولوجية الطبيعية، وذلك بواسطة التخطيط أو الإدارة بعناية، على النحو المناسب»؛ والمبدأ 7 من إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية، حيث يؤكد أن «تتعاون الدول، بروح من المشاركة العالمية في حفظ وحماية واستعادة صحة وسلامة النظام الايكولوجي للأرض. وبالنظر إلى المساهمات المختلفة في التدهور العالمي للبيئة، يقع على عاتق الدول مسئوليات مشتركة وإن كانت متباينة». ويشير المبدأ 3 من التزام جوهانسبرغ إلى أن الدول بوصفها ممثلة لشعوب العالم تتحمل مسئولية مشتركة عن تعزيز وتدعيم الأركان الثلاثة المترابطة المتمثلة في حماية البيئة والتنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، على المستويات المحلية والوطنية والاقليمية والعالمية.
وبالتوافق مع مبادئ العقد الدولي البيئي عملت الدول على وضع نظمها القانونية والإدارية وصياغة سياساتها واستراتيجياتها الوطنية في الشأن البيئي، كما سعى عدد من الدول في بناء شراكة للعمل البيئي مع مؤسسات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني، لتفعيل جهود العمل والارتقاء بمستوياته للتمكن من إنجاز المهمات الوطنية لحماية البيئة.
ومن الطبيعي أن ندرك الأهمية الاستراتيجية للإعلام في تحفيز المساهمات المجتمعية في الأنشطة البيئية وتعضيد قدرات مقومات العمل المؤسسي وترسيخ المفاهيم البيئية والسلوك الاجتماعي البيئي، وينبغي القول ان الإعلام صار يضطلع بدور تفاعلي مع الأنشطة البيئية، وخصصت العديد من الصحف صفحة أسبوعية تعنى بالشأن البيئي، وسعى عدد من المؤسسات البيئية في إصدار مجلات مختصة تعنى بمعالجة القضايا البيئية.
ليس هناك خلاف على أن النشاط البيئي يمثل ظاهرة ايجابية ينبغي الترحيب بها، وأن الاهتمام بالأنشطة البيئية صار ظاهرة مجتمعية نتيجة الوعي بحقيقة مخاطر التدهور البيئي، وضرورات العمل لتغيير الواقع البيئي المشهود إلى الأفضل، بيد أنه وفق هذه المعادلة ينبغي أيضاً أن يجري العمل بجدية للارتقاء بمستوى مناهج تنفيذ الأنشطة البيئية، وتجاوز حدود المظاهر الاستعراضية والدعائية في تنظيم المناشط البيئية، والتشديد على ضرورة أن يكون هناك فهم جوهري للمسئوليات والعمل بواقعية في تحفيز المساهمات المجتمعية والمؤسسية لإحداث التحول النوعي في صون الأمن البيئي لكوكب الأرض، والحفاظ على توازن النظام البيئي للدول وعدم المساس بمكوناته الرئيسية، وهنا يكمن البعد الاستراتيجي والحضاري للاحتفال بساعة الأرض.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 3852 - الأحد 24 مارس 2013م الموافق 12 جمادى الأولى 1434هـ
غدا فقط
ان غدا لناظره قريب