منذ احتدم الصراع الفلسطيني، بين حركتي فتح وحماس، وبلغ ذروته، بإقدام رئيس السلطة الفلسطينية، على إقالة حكومة إسماعيل هنية، وانفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، والحديث يجري بين فينة وأخرى، عن تحقيق المصالحة، ووحدة الشطرين.
ومؤخراً ارتفعت وتيرة الحديث عن مصالحة فلسطينية، برعاية مصرية. والسؤال الذي نحاول الإجابة عنه في هذا الحديث: هل نحن أمام مصالحة فلسطينية حقاً، أو أن ما يجري، هذه المرة، لا يختلف عن محاولات سابقة انتهت بفشل مرير؟ ليس من شك، في أن وحدة منظمات المقاومة، واتفاقها على برنامج سياسي، هي الطريق الأقصر، إلى تحرير فلسطين. وقد دفع الفلسطينيون أثماناً باهظة من جراء حالة الانقسام، كانت نتيجتها دماً وقهراً وذلاً. لقد أهدرت جهود كبيرة، لترتيب البيت الفلسطيني، كان الأجدر أن توجّه نحو هدف تحرير الأرض، وتحقيق الاستقلال.
الحديث عن المصالحة هذه المرة، يأتي في ظروف مغايرة، قد تسهم في تصليب موقفي فتح وحماس من موضوع المصالحة. وقراءة هذه المتغيرات بعمق، لا تشجع على التفاؤل، بإمكان حدوث مصالحة فلسطينية، في هذه الحقبة بالذات، رغم جو التفاؤل، باقتراب نهاية حالة الانقسام، نتيجة للقاء الذي جمع رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن مع رئيس حركة حماس، خالد مشعل، بالعاصمة المصرية.
وتكرر أيضاً، أن أطراف الصراع، ستتوصل إلى اتفاق على جدول زمني لبحث مسألة إقرار انتخابات المجلس الوطني، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي تآكل دوره السياسي، منذ قيام السلطة الفلسطينية، إثر اتفاق أوسلو1993، وفي سياق مناخات التفاؤل أيضاً، ذكر أن فتح وحماس، ستتفقان على حكومة وحدة فلسطينية، وأن تشكيلها سيعلن عنه مع بداية شهر مارس/آذار، الذي انقضى نصفه الأول من دون تباشير بالحل. وجرى الحديث أيضاً عن تفعيل لجنة الحريات والمصالحة، وانتهى اجتماع مشعل وأبو مازن دون حسم أي مسألة مما هو مدرج على جدول أعماله، وتبخرت الآمال التي راودت المتفائلين.
والمثير للاستغراب ما ورد عن انتخابات المجلس الوطني، الذي لا علاقة لحماس به، كونها لم تنضم تاريخياً، ومنذ تأسيسها إلى عضوية منظمة التحرير، وبالتالي لا علاقة لها بالمجلس الوطني، المظلة التي تنضوي تحت سقفها حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى.
والأغرب هو استحضار هذا المجلس، بعد أن اختفى عن الواجهة خلال العقدين الأخيرين، ولم يكن له دور سوى التصديق على قرارات التنازل، التي تبرمها السلطة مع الكيان الغاصب، وتسجيل الناخبين، عند كل دورة انتخابية .
في هذا السياق يربط المتشائمون إمكان التوصل إلى حل سياسي ينهي الانقسام الفلسطيني بين مصطلحي «عملية التسوية» و»عملية المصالحة». فالأول، يتعلق بالتوصل إلى حل سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومضت على إطلاقه قرابة أربعة عقود، منذ قرار منظمة التحرير، التخلي عن الكفاح المسلح واعتماد الحل السياسي، سبيلاًً إلى قيام الدولة المستقلة. والمعنى المضمر هو التخلي عن 80 في المئة من الأراضي الفلسطينية، وقد تآكلت الـ 20 في المئة المتبقية، بفعل استمرار بناء المستوطنات الصهيونية، والمعابر والجدران العازلة. أما
الثاني: مصطلح «عملية المصالحة»، فانتهى إلى ما انتهت إليه «عملية التسوية»، من حيث إن المفاوضات، التي استمرت برعاية مصرية في عهد النظام السابق، بإشراف اللواء عمر سليمان لم تفض إلى تقدم يستحق الذكر.
والنتيجة المنطقية، أن الانقسام الفلسطيني، سوف يتواصل ما لم تتغير موازين القوة الإقليمية والمحلية بشكل دراماتيكي، بما يفرض على المتصارعين التنازل لمصلحة الوحدة.
موازين القوة في هذه اللحظة بين حركتي فتح وحماس، لا تشير إلى تغير يستحق الذكر في مصلحة أحدهما على حساب الآخر. فالرئيس الفلسطيني أبو مازن، يملك ورقة الاعتراف الأممي بعضوية دولة فلسطين غير المكتملة بهيئة الأمم المتحدة. وهو إنجازٌ يعني اعتراف العالم، بدولة فلسطينية مستقلة، وإن لم تنل اعتراف المحتل الصهيوني. ويملك أيضاً، أنه الرئيس المعترف بمشروعية موقعه على الساحة الدولية. وهو أيضاً الرئيس الذي يحظى موقفه بتأييد معظم الأنظمة العربية. وخطه السياسي، الذي يعتمد على التسوية السلمية، هو ما يتسق مع ما أصبح متعارفاً عليه بالشرعية الدولية. وهو الرئيس المنتخب زعيماً لحركة فتح ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيساً للسلطة.
أما حركة حماس، فإن أوراقها القوية، تتمثل في انتصارها العسكري الأخير، على العدو الإسرائيلي. وتتمثل أيضاً في العمق الاستراتيجي الذي حصلت عليه، بوصول الإخوان المسلمين، وهي التي تشكل أحد فروعه، إلى السلطة في مصر، إثر فوزهم برئاسة الجمهورية، ومن قبل ذلك بأغلبية الأصوات في المجلس النيابي المنحل. لكن أوراق الطرفين، تحمّلهما أعباء إضافية، تنال من حصة كل منهما.
وقوة هذه الأوراق، تبدو محدودة جداً، وقابلة للنقصان، أكثر من قابليتها للزيادة. فاعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية منقوصة السيادة، سيكون من غير معنى، إن لم تتوقف عملية بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي من قبل الصهاينة. ولن يكون لهذا الاعتراف أي ثقل مادي إذا ما تآكلت مساحة الأرض التي يفترض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها. أما الثقل الاعتباري لحماس، نتيجة وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، فقد ارتد بالسلب عليها، بسبب اتهامها من قبل المعارضة المصرية، بالتورط في أنشطة مشبوهة لدعم حكم الإخوان، بل وبالتسبب في قتل عدد من الجنود المصريين في سيناء.
إن الاتفاق على حل عملي لأزمة الانقسام، شرطه اللازم الاتفاق على برنامج سياسي مرحلي يقبل به الجميع، برنامج يؤمن تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية. وبرنامج كهذا، ينبغي ألا يستبعد من أجنداته، مختلف السبل التي تؤدي إلى إنجاز حق الفلسطينيين في التحرر، بما في ذلك حق المقاومة المسلحة الذي كفلته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.
الحديث مجدداً عن تفعيل دور منظمة التحرير، سيبقى عدمياً، إن لم يتم على قاعدة الاتفاق على برنامج سياسي وكفاحي. وذلك ما لا يلوح في الأفق، بل إنه لم يطرح جدياً على طاولة الاجتماعات. لكل هذه الأسباب، تبدو احتمالات الحل بعيدة المنال، في ظل المناخات الإقليمية والمحلية الراهنة.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 3849 - الخميس 21 مارس 2013م الموافق 09 جمادى الأولى 1434هـ