«الحلم البحريني» لا ينزل من السماء ولا يتحقق بالشعارات البراقة أو الانفعالات الآنية أو الخطوات المرتجلة وإنما يحتاج فيما يحتاج إلى مشروعات مدروسة تخطط لها عقول منفتحة وقلوب نظيفة تجمع ولا تفرق وتبني ولا تهدم.
والإصلاح عملية معقدة يسبقها تشخيص ومصارحة ثم جرأة في التصحيح بأساليب هادئة وأدوات فعالة.
والصحافة أكثر هذه الأدوات فاعلية بشرط أن تلتزم بالدقة والموضوعية بعيدا عن الانتقائية والمزاجية. وهذه الشروط تنطبق أيضا على المؤسسات والجمعيات الأهلية والدولة بالتأكيد لأنها هي التي تضع السياسات فعليها أن تتقبل المساءلة والنقد.
أقول ذلك تجاوبا (مع بعض التعليق) مع دعوة الكاتب غسان الشهابي في مقاله المنشور يوم الثلثاء الفائت بتاريخ 61/ 9/ 3002.
فغاية دعوة الكاتب كانت أن يلتزم الجميع أفرادا وجماعاتٍ، مسئولين ومواطنين، شعبا وحكومة مبدأ الحيادية في النقد وتغليب مصلحة الوطن فوق أية مصلحة بلا شعارات ولا أقنعة فئوية كانت أو طائفية.
وهذه دعوة نبيلة يستحق عليها الشكر والتقدير ولن يختلف معه أي عاقل أو مخلص يريد لهذا الوطن التقدم والازدهار والأمن والاستقرار.
لكني - وأنا من الكارهين لهذا الاستدراك - لاحظت أن الكاتب نجح في إثارة الدعوة واخطأ في التطبيق فوقع - من دون قصد - في الفخ نفسه الذي حذر منه.
فقد طالب الجميع بالإنصاف والحيادية لكن قلمه - ربما خانه - حين اختار الأمثلة.
فقد ذكر الكاتب في مقاله - مستدلا على عدم الإنصاف - أن الكثير من الجهات الحقوقية والمطالبين بالشفافية قامت خلال السنة الماضية «بطرق كل من جامعة البحرين ووزارة التربية والتعليم طرقا ساخنا بمطارق ثقيلة من الحديد مشككة في حركات وسكنات وتصريحات هاتين الجهتين بوصفهما معقلين للتمييز الطائفي».
ثم استطرد مادحا قيام التربية والجامعة بقطع الطريق على من اسماهم بـ «المتصيدين والمتحفزين» حين أعلنت الأولى أسماء ونسب الحاصلين على البعثات وأعلنت الثانية أسماء ونسب المقبولين في الجامعة فسكتت في رأيه «فجأة كل الأصوات ولم تبادر إلا الجمعية البحرينية للشفافية «شاكرة الجامعة ومباركة نهجها الشفاف» فيما لم يغادر الشك جمعية الجامعيين في الأسس التي تم عليها منح بعض الطلبة بعثات وزارة التربية ومعدلاتهم اقل من غيرهم».
وهنا مربط الفرس، فما يهمني - بحكم كوني رئيس مجلس إدارة الجامعيين - هو اتهام الجمعية خلافا للواقع والحقيقة بالتصيد والانتقائية في النقد.
ولأن الجمعية لم تتعرض للجامعة أو المعهد لا سلبا ولا إيجابا، لا السنة الماضية ولا هذه السنة فسأقصر كلامي على النقطة المتعلقة بـ «التربية» هذه السنة.
وأقول أولا إن الجمعية وفي سبيل تحقيق أهدافها - على رغم قناعتنا بأن هناك من المتنفذين من لا يتسع صدره حتى للسؤال - لها سياسة هادئة لا تستفز ولا تحرج بل تحاور بنفس طويل، لاسيما أنها جمعية وليدة وأولوياتها خدمة الطالب وليس من استراتيجيتها استعراض العضلات وإثارة المشكلات، وسجلها لمن يتابع شاهد على ذلك.
ولذلك لم نستخدم « المطارق» ولا «المناشير» وإنما قمنا باتصالات متكررة مع التربية أثمرت عن ندوة مفتوحة عقدت في جمعية المهندسين بتاريخ 9/6/3002 قدم فيها مدير إدارة البعثات عبدالله المطوع - مشكورا - خطة البعثات، وطالبنا خلالها بالحضور في غرفة التحكم لمراقبة عملية توزيع البعثات فلا يمكن أن يطمئن أولياء الأمور على مستقبل أبنائهم من دون حضور جهات مستقلة في الوقت الذي تتواتر فيه القصص عن التلاعب في بعثات الأعوام الماضية.
وحضرنا حين وافقت التربية وتابعنا العملية يوما بيوم وكانت لدينا ملاحظات أعلناها حينها في الصحف اليومية بصورة عقلانية منصفة.
ثانيا، ان الجمعية البحرينية للجامعيين ليست جمعية سياسية ولا جبهة معارضة بل هي صوت الجامعيين كل الجامعيين، من كل فئة ولون، يطمح أن يعبر عن آلامهم وآمالهم ويسعى بقدر الإمكان إلى أن يرفع عنهم أي ظلم يقع عليهم سواء في البعثات أوالجامعات.
لكن هذا الصوت، بالمقابل «لا يبخس الناس أشياءهم» بل يشد على أياديهم ويشكر - بلا مكابرة ولا عناد - إذا ما وجد آذانا صاغية وحلولا منصفة لمشكلات الطلبة.
ومن هذا المنطلق، طالبنا وزارة التربية والتعليم - التزاما بالشفافية وليس لأي شي آخر - بنشر أسماء الطلبة ونسبهم وبعثاتهم تبديدا للشكوك والظنون وحين استجابت كنا أول الشاكرين والمباركين ودعوناها للاستمرار في ترسيخ هذا النهج السليم («الوسط» 71/6/3002)، «الأيام» تاريخ 72/6/3002).
فهل يغادر الشك بعد ذلك الاخ غسان في «الجامعيين»؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل خليل"العدد 384 - الأربعاء 24 سبتمبر 2003م الموافق 28 رجب 1424هـ