عندما أتحدث عن استثمار صغير في السياسة الخارجية في الولايات المتحدة نفسها، فأنا أعني ذلك بالضبط. فمنذ وقت ليس ببعيد، أجرى أحدهم استطلاعًا للشعب الأميركي، وسأل: «ما هو حجم ميزانيتنا للشؤون الدولية؟» قدّر معظمهم نسبة هذه الموازنة بمقدار 25 بالمئة من ميزانيتنا القومية، وظنوا أنه ينبغي تقليصها إلى عشرة في المئة من ميزانيتنا القومية.
دعوني أقول لكم إنني أتمنى لو كان ذلك صحيحًا. ولكنني سأقبل بنسبة 10 بالمئة من ميزانيتنا القومية الآن للتو، أيها الزملاء؛ لأن نسبة عشرة بالمئة هي بالضبط عشرة أضعاف ما نستثمره في جهودنا لحماية أميركا حول العالم.
ففي الواقع، تزيد ميزانيتنا الإجمالية للسياسة الخارجية قليلاً عن نسبة واحد بالمئة من ميزانيتنا القومية. فكروا في ذلك قليلاً. أكثر من واحد بالمئة، أكثر قليلاً من واحد بالمئة، يمول جميع جهودنا في الشؤون المدنية والخارجية - كل سفارة من سفاراتنا، وكل برنامج ينقذ طفلاً من مياه شرب غير نظيفة أو من مرض الإيدز أو يمد اليد لبناء قرية ويُظهر القيم الأميركية، وكل فرد. إننا لا نتحدث حول سنتات من الدولار، إننا نتحدث عن سنت واحد زائد قليلاً من كل دولار.
إذن، من أين برزت الفكرة القائلة بأننا ننفق نسبة 25 بالمئة من ميزانيتنا؟ حسنًا، سوف أقول لكم من أين. إنها مسألة بسيطة جدًا. وكسياسي في طور النقاهة، أستطيع أن أقول لكم بأن ما من شيء يجعل الجماهير تصفق بسرعة أكبر في العديد من الأماكن، من القول، «إنني ذاهب إلى واشنطن لجعلهم يتوقفون عن إنفاق كل تلك الأموال هناك في الخارج». وأحيانًا يتحدثون بشكل أكثر تحديدًا.
فإذا كنتم تبحثون عن كلام يستدرّ التصفيق، فإن هذا الكلام يضمن لكم أكثر ما يمكنكم الحصول عليه من التصفيق. ولكن تذكّروا أن ذلك لن يجدي نفعًا أبدًا لضمان أمننا. فهو لا يضمن جعل بلدنا أكثر قوة. وهو لا يضمن لنا اقتصادًا أكثر سلامة ولا سوق عمل أكثر استقرارًا. لا يضمن لنا المصلحة الفضلى لبلادنا. ولا يضمن لنا عدم ذهاب شاب أو شابة أميركيين لخسارة حياتهما لأننا لم نكن على استعداد لبذل الاستثمارات الصحيحة هنا في المقام الأول.
ينبغي علينا أن نقول لا للسياسة القائمة على القاسم المشترك الأدنى وعلى الشعارات التبسيطية، والبدء في اتخاذ خيارات حقيقية تحمي مصالح بلادنا. وهذا أمر إلزامي لنا.
وللأسف، فإن وزارة الخارجية ليس لديها غروفر نوركويست خاص بها يسعى ويناضل لتقديم تعهد بحمايتها. وليس لدينا ملايين كبار السن المنتمين إلى الجمعية الأميركية للمتقاعدين (AARP) الذين يرسلون مستحقاتهم ويتجمعون للمطالبة بحماية الاستثمارات الأميركية في الخارج. فالأطفال الذين نساعد في إنقاذ حياتهم من الإيدز، والنساء اللواتي نحررهن من ويلات الاتجار بالجنس، والطلاب الذين نمكّنهم للمرة الأولى من اختيار دخول المدرسة بدلاً من الانخراط في الحياة القصيرة للإرهاب – هؤلاء، يكون أقوى المدافعين عنهم هم الأميركيون النادرون الذين يلتزمون بالوقوف إلى جانبهم ويناصرون بذل الموارد التي نحتاج إليها لمساعدتهم. وأملي في أن يشمل ذلك كل واحد منكم هنا والعديد من الآخرين الذين يستمعون إلينا.
إنكم تفهمون السبب. ففي كل مرة يلوح في الأفق خيار مالي صعب، فإن أسهل مكان لتوجيه أصابع الاتهام إليه يكون المساعدات الخارجية.
وكما قال الرئيس رونالد ريغان، تعاني المساعدات الخارجية من نقص المناصرين لها في دوائر الناخبين الأميركيين، وهذا جزء من السبب الذي يجعل الجميع يعتقدون بأنها تكلف أكثر بكثير مما تكلفه بالفعل. ولذا يتعين علينا تغيير ذلك. وأنا أرفض قبول الحجة القائلة بأن الأميركيين هم ببساطة لا يهتمون بما يجري خارج مجال رؤيتهم المباشرة.
ولا أعتقد ذلك بالنسبة لأي واحد منكم الجالسين هنا، ولا أعتقد ذلك بالنسبة لجميع الأميركيين.
ففي الواقع، إن أعداد الناخبين الأميركيين المناصرين لما نقوم به، حين يتمكن الناس من رؤية النقاط على الحروف وإدراك ما نقوم به بمقياسه الكامل، هي أعداد كبيرة بالفعل. إنهم الـ314 مليون أميركي الذين تتحسن حياتهم إلى الأفضل في كل يوم بسبب ما نقوم به، والذين في أعماقهم، عندما يتسنى لهم الوقت للتوقف والتفكير في الأمر، سيعرفون أن استثمارنا في الخارج يجعلهم في الواقع، كما يجعل دولتنا أكثر أمانًا.
والآن، يا أصدقائي، في هذا العصر، عندما يصطدم عالم تصغر المسافات بين بقاعه بالدعوة إلى تقليص الميزانيات - ونحن لسنا وحدنا في ذلك - يكون من واجبنا أن نضع النقاط على الحروف، وأن نبيّن للشعب الأميركي مدى الارتباط بين ما نصنعه هناك وتأثير ذلك هنا في الوطن، ونوضح لماذا قد يكون ثمن التخلي عن جهودنا العالمية باهظًا، ولماذا سيتم بسرعة ملء الفراغ الذي نتركه من خلال انكماشنا داخل أنفسنا، من جانب أولئك الذين تختلف مصالحهم بدرجة هائلة عن مصالحنا.
لقد تعلمنا ذلك الدرس في صحراء مالي أخيرًا، وفي جبال أفغانستان العام 2001، وفي المناطق القبلية في باكستان حتى اليوم. تذكروا إن طلاب السنة الأولى هنا في جامعة فيرجينيا كانوا يباشرون لتوهم السنة الثانية من دراستهم في المدرسة الابتدائية، عندما قامت عصبة صغيرة من الإرهابيين من الجهة الأخرى من العالم بتحطيم كل شعور لدينا بالأمن والاستقرار، ومزّقت أجواءنا.
إذن، أعرف أنكم بالتأكيد كنتم تدركون دائمًا أن الأمور السيئة التي تحدث هناك تهددنا هنا تمامًا.
ومع إدراككم لذلك، فالسؤال الآن هو: كيف يمكننا، سوية، أن نوضح أن العكس هو الصحيح أيضًا، بأننا إذا قمنا بالأشياء الصحيحة، والأشياء الجيدة، والأشياء الذكية هناك، فإن ذلك سوف يقوينا هنا في الوطن؟
دعوني أعطيكم جوابي: أعتقد بأنه يمكننا فعل ذلك بطريقتين. الأولى، بأن ننقل الأخبار حول كيف نقف للدفاع عن وظائف الأميركيين والشركات الأميركية - بصورة عملية جدًا، وبصورة مباشرة وواضحة، وحقيقية جدًا وعلى أساس يومي. والثانية، تتعلق بكيف ندافع عن قيمنا الأميركية، وهو الأمر الذي كان مميزًا لأميركا دومًا.
وأنا أتفق مع الرئيس أوباما بأنه لا يوجد شيء في هذه المعركة الحالية حول الميزانية ما يفرض علينا اتخاذ قرارات سيئة، أو يجبرنا على الانكماش أو التراجع عن مواقعنا. إن هذا الوقت يحتاج لمواصلة انخراطنا في العالم في سبيل السلامة والصحة الاقتصادية لبلادنا.
وهذا ليس أمرًا اختياريًا. بل إنه ضرورة. وكما أعتقد فالشعب الأميركي يفهم ذلك. وشركات الأعمال لدينا تفهم ذلك. إنه أمر بسيط. فبقدر ما تزداد مبيعاتهم في الخارج، بقدر ما يزداد التوظيف هنا في الوطن. وبما أن نسبة 95 بالمئة من العملاء في العالم يعيشون خارج بلادنا، فلا يمكننا قطع أوتار قدرتنا على المنافسة في تلك الأسواق المتنامية بدرجة متزايدة.
إن ولاية فيرجينيا تدرك ذلك كأي ولاية أخرى في الاتحاد. أعرف أن عضو مجلس الشيوخ كين، عندما كان حاكمًا، قام بكل تلك الرحلات لمحاولة جعل ذلك يتحقق. فالتجارة الدولية تدعم ما يزيد عن مليون وظيفة هنا في ولاية فرجينيا، أي أكثر من واحد من كل خمس وظائف في ولاية فرجينيا، وهذا في الواقع ما بات يمثل قصة أميركا اليوم.
هناك شركة بالقرب من منطقة دالَس (بولاية فيرجينيا) تدعى شركة العلوم المدارية (أوربيتال ساينس كوربوريشن).
وقد تمكنت من الفوز، بمساعدة المناصرين لها، المثابرين في سفارتنا في بانكوك، على المنافسين الفرنسيين والروس لبناء أحدث قمر صناعي في تايلاندا للبث الإذاعي. وقد شرعت شركة العلوم المدارية، الكائنة في ولاية فرجينيا، بمشاركة شركة في كاليفورنيا لتكنولوجيات استكشاف الفضاء تدعى «سبايس إكسبلوريشن تكنولوجيز» تصنع معدات الأقمار الصناعية. فهذه الصفقة التي ساعدت سفارتنا في تأمينها، والتي تبلغ قيمتها 160 مليون دولار، تعود فائدتها مباشرة على المجتمعات الأهلية الأميركية في طول البلاد وعرضها. هذا هو الفرق الذي تستطيع سفاراتنا في الخارج أن تصنعه في الواقع هنا في الوطن.
وقد غدت قصص هذه النجاحات تحدث في شراكات مع بلدان من جميع أنحاء العالم لأن الموارد التي نشرناها جلبت الأعمال وفرص العمل إلى أميركا. هذه الاستثمارات، يا أصدقائي، تسدد تكاليفها، فنحن نولّد أكثر من 5 آلاف فرصة عمل لكل بليون دولار من السلع والخدمات التي نصدّرها. وبالتالي فإن آخر شيء يتعين علينا القيام به هو الاستسلام لهذا النوع من الضغط.
وهذه النجاحات تحدث أيضًا في كندا، إذ جعل مسئولون في وزارة الخارجية شركة سيارات محلية هناك تستثمر عشرات الملايين من الدولارات في ولاية ميشيغان، حيث تستعيد صناعة السيارات الأميركية عافيتها بصورة لافتة للنظر.
وفي إندونيسيا، وبفضل سفارتنا في جاكرتا، قدمت أكبر شركة طيران خاصة في البلاد طلبًا لشراء طائرات تجارية، وكان أكبر طلب حصلت عليه شركة بوينغ على الإطلاق. وفي هذه الأثناء، اشترت إدارة السكك الحديدية لدولة إندونيسيا قاطراتها من شركة جنرال إلكتريك. (يتبع).
إقرأ أيضا لـ "جون كيري"العدد 3828 - الخميس 28 فبراير 2013م الموافق 17 ربيع الثاني 1434هـ