لعل أفضل مدخل حقيقي للتقريب بين مذاهب وطوائف العالم الإسلامي في هذه الظروف العصيبة من عالم اليوم هوما قاله مستشار الشئون القضائية والدينية بديوان سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة سيد علي بن السيد عبد الرحمن الهاشمي حين بدأ كلمته - المطبوعة - بهذه العبارة (الحمد لله وحده لا شريك له والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله تبارك وتعالى عن الصحابة والتابعين)...

فاللجوء إلى استخدام الفاصلة ذات الدلالة الكبيرة معنى وواقعا في اللغة العربية أدى الغرض المطلوب في دحض إشكال الصلاة على رسول الأمة والعالم أجمعين. فالوحدة الإسلامية الحقيقية تأتي أولا من فهم معنى قول الرسول الكريم للمسلمين كافة (لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء)... ثم في البحث عن جذور الالتقاء المذهبي عبر الإيمان بالقرآن الموحِّد والرسول المنقذ للبشرية جمعاء وليس لفريق من دون آخر، ومن شطب عبارات وصفات (التكفير) بين الأفراد المسلمين أولا قبل الجماعات والطوائف ثانيا... لان أصل التجمع ومبادئه جاء في الأساس من الفرد وليس من الجماعة.

وبين الاستراحات وجلسات العمل ووجبات العشاء يمكن إيراد بعض مظاهر مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية الذي يعقد في البحرين وقد أعدت له أوراق ودبجت كلمات وسالت أحبار وأهدرت أوراق شتى من أجل إيصال الرأي والرأي الآخر الذي صار من أساسيات قاموس الشعب البحريني الوفي.

ولكن للأسف... وأقولها هنا بكل مرارة وحسرة وصدق، اننا نجد في بعض أوراق هذا المؤتمر المهم جدا والذي ليس من العدل ولا البحث عن الحقيقة وجذور الوحدة أن يلجأ معدوها إلى اجترار معلومات وبحوث سابقة قرأناها في مؤتمرات شتى متنوعة حول العالم الإسلامي والمسلمين أوعدم التمحيص في أحاديث تعتبر من الأخطاء الشائعة وألفت في دحضها وتبيان ضعف السند فيها مئات البحوث، وإيرادها هنا في المؤتمر وكأنها من المسلّمات، فحصول هذا ونحن نبحث عن طريق الوحدة المذهبية لا معنى له.

مظهر آخر من المظاهر التي لفتت الانتباه في هذا المؤتمر في يوميه الأول والثاني هو تكرار الأخطاء نفسها في إدارة الجلسات الحوارية، كثرة من الأوراق والبحوث وضيق في وقت النقاش... وإلا كيف يمكن في موضوع الدين بالذات لأي باحث أوعالم أوشيخ أن يردّ على إحدى النقاط المثارة في الجلسات الحوارية في غضون دقيقة أوخمس. ألا يمكن في مثل هذه الحال فهم التعليق خطأ ما يسبب سوء فهم عام ودائم يزيد معه الطين بلة بدلا من تقريب البعيد. ثم لماذا الإصرار على أن يكون التجمع في قاعة واحدة محدودة المساحة لمناقشة الأوراق والقضايا في زمن محدود جدا ومهما طال فهو لن يتعدى 84 ساعة إذا استثنيت الاستراحات وأوقات الصلاة ووجبات العشاء والاستقبال والتوديع والكم الهائل من القبلات والمجاملات!

أهل يكفي لخلافات مذهبية امتدت إلى عصور متواصلة منذ قيام الدولة الإسلامية الأولى وأحرقت الأخضر واليابس وأهرقت فيها دماء وأحبار وأحرقت كراريس ومجلدات هنا وهناك... أن تحسم أوحتى يبدأ في أولى خطوات حسمها في 84 ساعة فقط؟

والسؤال الملح هنا، هو: هل عقد مثل هذه المؤتمرات هو فقط لإزاحة المسئولية عن كاهل المسئولين عن المواقع الدينية والمذهبية بالذات في عالمنا الإسلامي أو ان القرار السياسي (اذهبوا واجتمعوا لتوحيد المذاهب في اليوم والمكان الفلاني) هو فوق قرار التقريب والوحدة الحقيقية التي يجب أن تنبع من إيمان الأفراد قبل إيمان الجماعات لأنني كما قلت ان الخطأ وسبب التفرق بدأ من رأي الفرد ومن الاجتهاد الفردي الخاطئ الذي تبعته الجماعات بعد ذلك إلى يومنا هذا ونشأ التعصب له على مدى الدهور.

المظهر الثالث أن معظم أوراق المؤتمر في يوميه الأول والثاني تطرقت بشكل أوبآخر إلى أن الدولة الإسلامية الأولى التي تولاها عدد معروف من الصحابة في بادئ الأمر بعد الرسول الأعظم (ص) وساروا بها حسبما يعتقد كل منهم في طريقة الحكم، جاءت السياسة وفعلت فعلها فيها ، فعادت العصبيات إلى سابق عهدها فتعددت الأحزاب والفرق والطوائف وكثرت الخلافات والمسائل الجدلية، وترامى المسلمون بالتهم وساءت بينهم الظنون إلى حد التكفير والتكفير المضاد (ورقة وجوب العمل على وحدة الأمة ونبذ الفرقة والخلاف للمستشار عبدلله بن السعيد محمد تقي). اذن مادام الحال كذلك... وبما أن السياسة والسياسيين وطمع الدنيا واللهاث وراء المادة وتراكماتها هي أساس الفرقة... فالدعوة التالية يجب أن توجه علانية وبكل شفافية ولتكن إحدى توصيات المؤتمر أيضا إلى رؤساء الدول الإسلامية لعقد «مؤتمر للتقريب بين المذاهب السياسية لتحقيق الوحدة الكبرى»، وإن حدث هذا فذلك لعمري هو أهم ما سيسفر عنه هذا المؤتمر وإن ظلت هذه الدعوى كمثل سراب الماء في الصحراء.

أخيرا... ربما أهم إيجابية لمثل هذه المؤتمرات هواللقاءات المباشرة وجها لوجه، كتفا بكتف، نفسا بنفس، كلمة بكلمة ، وحرفا بحرف بين من يمثل الطوائف الإسلامية ومذاهبها في مكان واحد وتحت سقف واحد بعيدا عن السباب والشتائم واللعنات... وما أجمل أن يشرب الجميع من ماء أرض دلمون الطهور ومن كأس واحدة في الاستراحات وبين الصلوات وعلى موائد العشاء في هذه الأرض الطيبة. فإن نجحنا في هذا الهدف بحق... فالتالي يبشر ببعض الخير في هذا الطريق، طريق الحق الذي يقل سالكوه لكثرة الشوك به!