(كلمة وزير الخارجية الأميركية جون كيري أمام طلاب السياسة الخارجية في 7 فبراير/ شباط 2013) شكراً جزيلاً لكم. كيف حالكم؟ كيف تسير أموركم؟ مرحباً بكم. علمتُ أن لدينا طلبة من مجموعة من الكليات والجامعات هنا، أليس كذلك؟ أو على الأقل عدد قليل منهم؟ لدينا بعض اللاعبين في فرق الهويا، والكولونيال، والبيسون، والباتريوت؟ من يلعب في فرقة الباتريوت هنا؟ إنني منحاز إلى فرقة باتريوت، لأسباب واضحة، ولكننا لم نحقق نجاحاً كبيراً هذا العام.
لقد رغبتُ في المجيء إلى هنا لقضاء بضعة دقائق معكم. وأعتذر لأنه لا يمكنني البقاء سوى لبضعة دقائق، ولأكون صادقاً معكم، أحب هذا النوع من الأخذ والرد المباشر وأتمنى لو كنت أستطيع البقاء. ومارك، إنكم هناك في أيدي عظيمة مع مارك نورمان، الذي سيتحدث إليكم عن الإرهاب ومكافحة الإرهاب اليوم. ولكن بالنسبة لي، فإن أفضل جزء لهذا النوع من العمل هو التمكن من التحدث مع الناس والإجابة على أسئلتهم، وإجراء حوارات جيدة، والتحدث حول ما يحدث في العالم، وسبب اتخاذنا بعض الخيارات، وربما لماذا كان علينا اتخاذ بعض الخيارات التي لم نتخذها. ويمكن أن تكونوا جميعاً مُطلعين على كل ذلك.
ولكن هذا وقت معقد للغاية في العالم، ويسعدني أنكم تشاركون في هذا الصف الدراسي حول السياسة الخارجية الذي تساهم فيه وزارة الخارجية، لمحاولة إشراككم بالفعل ومحاولة إعلامكم بالحقائق حول بعض الخيارات التي نتخذها كي تتمكنوا من أن تصبحوا سفراء، إذا صح التعبير، في مجتمعاتكم الأهلية، وفي مدارسكم، وفي بيوتكم، وأن تتمكنوا من شرح ما نقوم به ولماذا نقوم به.
أحد الأشياء الأكثر إثارة للاهتمام حول السياسة الخارجية الأميركية هي بعض الأمور المجهولة، وبعض الأشياء التي لا يستوعبها الناس تلقائياً. وسأعطيكم مثالاً حول ذلك. لو سألت أي أحد موجود هنا، «كم واحد منكم يعتقد أن النسبة المئوية المخصصة للشؤون الخارجية ووزارة الخارجية من ميزانية الولايات المتحدة هي 15 أو 20 في المئة؟» هل يعتقد أي واحد هنا أنها بهذا المستوى؟ خمسة في المئة، أربعة في المئة؟ إنكم مثقفون وتعلمون ذلك. (ضحك) الحقيقة هي أن هناك أعدادًا كبيرة من الناس ممن يعتقدون بأننا ننفق نحو 50 في المئة من موازنتنا، أو 30 أو 40 في المئة من موازنتنا، على ما نقوم به للتواصل مع بقية العالم. وبما أنني أعتقد أنكم تعلمون، وقد عرفتُ ذلك من طريقة ردكم، فإننا لا ننفق أكثر من نحو واحد في المئة. إذا استبعدتم المساعدات الأميركية والجزء المتعلق بالمعونات من هذه الحصة، واستبعدتم كذلك ما يُنفق لتسيير شئون وزارة الخارجية وما إلى ذلك، فإن ما ننفقه يبلغ نحو واحد في المئة. وترتفع هذه النسبة قليلاً إذ أخذتم في الحسبان العناصر الأخرى.
ولكنني سأخبركم عن العائد الذي نجنيه من هذا الاستثمار، ولا أدعوه إنفاقًا. إنه استثمار. إنه استثمار بصورة مطلقة. وهناك عائد على هذا الاستثمار، ومن الصعب جدًا تحديد حجم ذلك العائد بصورة كاملة. ولكنني أستطيع أن أقول لكم انه يمكنكم تحديد كميته في القوات التي لن نحتاج إلى إرسالها إلى مكان ما، والأرواح التي لن نفقدها، لأنكم تمكنتم من إقامة علاقة مع بلد يحل مشاكله بطريقة سلمية ولا تمتد إلى دولة أخرى، سواءً أكان ذلك في مالي أو المشاكل التي نراها الآن في مصر أو سورية. إن القدرة على مساعدة الناس لتمكينهم من القيام بعملية انتقالية سلمية والمضي قدمًا باقتصاداتهم لتصبح اقتصادات منفتحة خاضعة للمساءلة تنخرط مع بقية العالم هي قدرة تحدث فرقًا في حياة الناس في ذلك البلد وجميع المحيطين بهم.
ولذا، انظروا إلى المشاكل التي نواجهها مع كوريا الشمالية في الوقت الحالي، والمسائل المتعلقة ربما باختبار وشيك آخر، إطلاق المزيد من الصواريخ، وربما إجراء اختبار نووي. ما هو الهدف؟ أعني، أن كل ما سيحدث هو تزايد الاحتمالات بوقوع نزاعات. بينما شعب كوريا الشمالية يتضور جوعًا. إنهم بأمسّ الحاجة لأن يصبحوا أكثر انفتاحًا وتواصلا مع العالم بدلا من إيواء بعض أسوأ معسكرات الاعتقال في العالم حيث يتعرض الناس للتعذيب والعمل القسري.
ولذلك، فإن لدينا تأثيرا من خلال ما نختار القيام به فيما يتعلق بتلك الأمور. لقد أنقذ برنامج خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الأيدز (بيبفار)، الذي انخرطنا فيه لمحاولة منع انتشار الايدز، أرواح ربما 5 ملايين طفل، وبالقدر نفسه من الأهمية ساعدنا في بناء البنى التحتية للرعاية الصحية في جميع أنحاء افريقيا وفي أجزاء أخرى من العالم حيث يمكننا الآن أن نتوقع نشوء جيل من الأطفال الذين لن ينتقل إليهم فيروس الايدز من أمهاتهم. إنها مكاسب مذهلة، أو الأشياء التي قمنا بها لمساعدة الناس على تلقي التعليم في مكان ما كي يتطلعوا، مثلكم، ليكونوا قادرين على العيش في ظل نظام ديمقراطي، وفهم ما يعنيه أن يكون الإنسان حرًا، وأن يكون قادرًا على إحداث فرق في حياة الناس الآخرين.
أقول لكم إن ذلك شيء استثنائي. وأحد الأشياء التي تعلمتها، وأنا مغالٍ في التعصب بشأنها، ولكنني لا أشعر بالتكبر حيالها، هي فضيلة النظام الموجود في بلادنا والذي يسمح لنا باتخاذ هذه الأنواع من الخيارات، وإعطائنا حرية لا مثيل لها، وأن نفتخر علنًا بقيمنا ونعتز بها، وندع الآخرين يقررون ما إذا كانوا يريدون اعتناقها والعيش بموجبها، فتمنحهم القوة والتمكين، أو إذا كانوا يريدون رفضها والسير في اتجاه مختلف.
لم تشهد أية دولة على هذا الكوكب في تاريخ البشرية على الإطلاق جيشها قادرًا على التوغل في أراضٍ خارجية ومقاومة الشر والإرهاب وغير ذلك، ثم تستدير لإعطاء تلك الأرض، تلك المنطقة، إلى أصحابها الشرعيين، الناس الذين يعيشون عليها، وتستدير لتقول لهم لقد حصلتم على الديمقراطية، وحصلتم على بلادكم، وحصلتم على حريتكم. تشاهدون اليوم دولة العراق وهي لاتزال تكافح، ولكن لديهم ذلك الخيار. وهذا هو الخيار الذي نحاول أن نمنحه لأفغانستان. وعندما يتساءل الناس، «حسنًا، لماذا؟ لماذا نحن؟ لماذا ينبغي أن نكون نحن من ينخرط في ذلك»، والجواب بسيط جدًا. لأن أميركا، طوال سنوات القرن العشرين والآن في هذا القرن الجديد، قد أثبتت مرارًا وتكرارًا أن هناك قدرة لا غنى عنها للمساعدة في إحلال السلام، وإيجاد طريق لحقوق الناس، وحقوق الإنسان الفردية لكي يتمكنوا من حماية أنفسهم وعيش حياة أفضل.
وهناك عدد لا يحصى من البلدان التي يمكن أن نشير إليها في العالم، حيث قمنا، كما أعتقد، بالمساعدة في إحداث ذلك النوع من الفرق. أنظروا إلى كوسوفو، والبوسنة، وصربيا، ذلك الجزء من العالم، حيث سادت فيه اضطرابات هائلة، واتخذ الرئيس كلينتون قرارًا شجاعًا وأحدثنا فرقًا. واتفاقات دايتون للسلام. ويمكنكم العودة إلى الوراء عبر التاريخ ورؤية كل ذلك.
ومع ذلك، فإننا لسنا كاملين. نحن نخطئ. وهناك العديد من الأمثلة حيث اننا لم نقم بالعمل الصحيح تمامًا، أو كما يجب. ولكن المبدأ الأساسي للاختيار الذي نتخذه ليس إخضاع الناس، وليس حرمان الناس من حقوقهم، بل محاولة مساعدة الناس لكي يصبحوا قادرين على التحرك في الاتجاه الصحيح.
والآن، إننا نعيش في عالم أكثر تعقيدًا. كان عالم الحرب العالمية الثانية عالمًا منقسمًا إلى قطبين، وكانت الولايات المتحدة تملك تلك القوة الهائلة التي وصفت بتلك العبارة القديمة؛ استيقاظ العملاق النائم. وهم قد أيقظوا العملاق النائم، فاستعرضنا عضلاتنا، وفي النهاية الحلفاء - وروسيا هي جزء من ذلك – وقد تكبدت روسيا خسائر هائلة في تلك الحرب، لكن الناس ينسون ذلك في بعض الأحيان. ولكننا خرجنا من تلك الحرب ونحن نتمتع باقتصاد قوي وروح قوية، ويكفي أننا قررنا في ظل رئاسة هاري ترومان المساعدة في إعادة بناء ألمانيا واليابان. وهو أفضل قرار اتخذناه على الإطلاق. هل تعرفون أن معظم الشعب الأميركي كان يعارض ذلك، لأسباب واضحة؟
هذه هي السياسة الخارجية، اتخاذ قرارات صعبة كهذه، ورؤية المستقبل، ومحاولة الاستعداد لهذا المستقبل. وهكذا، خلال سنوات الحرب الباردة، تمكنّا من الانتصار، في بعض النواحي، وبالتأكيد من الناحية الاقتصادية، لأننا كنا الاقتصاد الأقوى وكان الكثير من الشعوب الأخرى ينهض من مكان مختلف جدًا، إما من الدمار الذي خلفته الحرب أو من الفقر، ومن مكان مختلف تمامًا من الناحية الاقتصادية.
والآن، أيها الشباب، هذا هو العالم، الذي ينبغي عليكم معرفته. وسبب أهمية هذا الدرس، وأهمية تفكيركم في هذا الموضوع، هو أنه يتوجب عليكم أن تتصوروا كيف نقوم بذلك خلال القرن الواحد والعشرين، فالأمر ليس بهذه البساطة فيما يتعلق بالثنائية القطبية، بين الشرق والغرب، والشيوعية في مواجهة الغرب، وهكذا دواليك. إنه عدد أكبر من الكيانات المختلفة، وطاقة أكبر تنطلق للتحرر من نير الحكم الدكتاتوري الذي سيطر عليها لفترات طويلة، كحكم القذافي في ليبيا، على سبيل المثال. وهذا التاريخ لم ينته بعد.
وهكذا يستغرق العمل من أجل الديمقراطية كل ذلك الوقت. ففي عالم تتعدد فيه التكنولوجيات والأديان، ويسوده التطرف الديني الهائل، في عالم من الإرهابيين وما ينتهجونه من تطرف، وفي حالات عديدة استغلال الدين، نواجه تحديًا لم نواجه له مثيلاً في تاريخنا. ولذا فكروا بهذا. إنني متأكد من أنكم سوف تقومون بذلك. وهذا هو سبب وجودكم هنا.
إن اعتقادي الشخصي هو أنه يتعين علينا القيام بالمزيد من الجهود. وهذه هي النقطة التي تستوجب منا القيام بعمل هائل من أجل إقناع الكونغرس، لأننا ننظر إلى الخفض التلقائي في الإنفاق وننظر إلى العجز في الموازنة في الوقت عينه الذي يطلب العالم منا أن نكون قادرين على الانخراط بدرجة أكبر ومساعدتهم على إحداث فرق أكبر في حياتهم.
إذا نظرتم إلى مصر أو الأردن أو سورية أو إلى أي بلد من تلك البلدان، فإنني أستطيع القول إن لديهم ربما نسبة نحو 60 في المئة من السكان تحت سن الثلاثين، و50 في المئة من السكان تحت سن الواحد والعشرين، و40 في المئة من السكان تحت سن الثامنة عشرة. وإذا أصبحوا في سن 18 أو 21 ولم يكن لديهم وظائف، ولم يكن لديهم تعليم، ولا يرون ملامح مبشّرة للمستقبل، والحكم في بلدهم يقمع تطلعاتهم في عالم يمكنهم أن يتواصلوا فيه مع الجميع عبر مواقع التواصل على الإنترنت، فسوف ترون ما رأيتم في ميدان التحرير، وستشهدون مزيدًا من الطاقة تخرج من عقالها بهذه الطريقة.
وإنني أعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة لنا، بما لدينا من قيمنا وما نعرفه بشأن كيفية التطور، لنساعد هؤلاء الشباب للعثور على نوع الفرص التي سنحت لكم، والتي يسعى إليها الكثير من الناس في أجزاء مختلفة من العالم. فالتحدي الذي يواجهنا لا يكمن في التراجع والانكماش باتجاه الداخل وأن نقول، «آه، دعوهم يتدبرون أمورهم بأنفسهم، إن ذلك لن يحدث فرقًا». بلى، إنه يحدث كل الفرق في العالم، وكما رأينا في أفغانستان، حيث في حال إذا تركتم الناس وشأنهم، فإن كثيرًا من المتطرفين سيقومون بتنظيم صفوفهم وجعل الحياة بائسة للناس في مكان ما من العالم.
وهكذا، فهذا هو التحدي الذي يواجهنا. ويسعدني أن تكونوا هنا اليوم. وشكرًا لكم لمشاركتكم في هذا الدرس اليوم. أريدكم أن تنضموا إلى هذه المناقشة التي ينبغي أن تكون قوية وعميقة في جميع أنحاء بلادنا، وآمل أن نتخذ سوية القرارات الصحيحة. وشكرًا جزيلاً لكم.
إقرأ أيضا لـ "جون كيري"العدد 3817 - الأحد 17 فبراير 2013م الموافق 06 ربيع الثاني 1434هـ