مما يؤخذ على كثير من أنظمتنا التعليمية في الوطن العربي أنها مصنع لإنتاج «العقول المعلَّبة». ربما الحالة هنا أشبه ما تكون بالسلع والمواد الغذائية الفاسدة التي تنتهي فترة صلاحيتها في غضون عام أو عامين مثلاً. إلا أن الخطورة تتمثل في جعل عقول الطلبة معلبة ومجمَّدة ومنتهية الصلاحية مدة اثني عشر عاماً (أي مدة المراحل التعليمية لكل طالب).
إن مظاهر الفساد متنوعة، إلا أننا سنقتصر على بعض منها، أولاً، خلو المناهج التعليمية من القيم الأخلاقية: فمسئولية تنمية الوعي بالقيم الأخلاقية وتضمينها في المناهج التعليمية بجميع المراحل الدراسية إنما تقع على عاتق المؤسسات التعليمية، ونجد ذلك جلياً في اهتمام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بتنفيذ بعض المشاريع ذات الصلة كتعليم الاحترام للجميع؛ بقصد تعزيز التسامح ومكافحة التمييز العنصري والعِرقي والتعلّم من أجل العيش المشترك داخل المدارس، وهو تعلم يعوِّد الطالب على كيفية العيش مع الآخرين والانفتاح عليهم وتجنُّب العنف والتنافس وليس الصراع وإلغاء الآخر.
تبقى الممارسة هي المحك في الحكم على فاعلية القيم الأخلاقية في الفضاء المدرسي، وذلك بإكساب الطلبة سمات وعادات شخصية مرغوباً فيها، والاهتمام بالقيم العالمية مثل تقدير حقوق الإنسان وحوار الحضارات ومعارضة سباق التسلح وانتشار السلاح النووي وغير ذلك.
ثانياً: القيود على حرية التعبير لدى المعلم والمتعلم: فالنظام التعليمي الذي يحترم حرية التعبير لدى كل من المعلم والمتعلم إنما يعكس في الحقيقة توجُّه الدولة ورؤيتها لمسألة الحريات العامة والديمقراطية. وعندما يغيب مفهوم «الحرية الأكاديمية» فإن ذلك مؤشر على وجود انتهاك صارخ لحق أصيل من حقوق الإنسان، ألا وهو «حق التعبير عن الرأي».
لاشك أن تلك القيود ستفرز لنا ما بات يُعرف بـ «التعليم البنكي» (Banking Learning) الذي أشار إليه الكاتب البرازيلي باولو فريري في كتابه «تعليم المقهورين»، وبالتالي بقاء الحال على هو عليه في مدارسنا من تكريسٍ للحفظ والتلقين، والابتعاد عن مهارات التفكير العليا والتفكير الناقد الذي يشجّع الطلبة على ثقافة الإبداع وليس الإيداع!
ثالثاً: ضعف «اللغة الأم» في المناهج: فـ «اللغات تمثلنا نحن البشر، وحماية اللغات هي بمثابة حماية لأنفسنا». هكذا تحدثت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في رسالتها بمناسبة اليوم الدولي للغة الأم للعام 2012، الذي يحتفل به العالم يوم 21 فبراير/ شباط من كل عام.
إن الدعوة إلى التعدد اللغوي لا تتعارض أصلاً مع الاحتفاظ باللغة الأم، وإنما يضمن للجميع التعليم الجيد وليس التقليل من شأن اللغة الأم. وربما كان التعليم باللغة الأم واللغات المتعددة هو المفتاح للحد من التمييز، وتعزيز الاندماج وتحسين نتائج التعليم للجميع كما ورد في كلمة السيدة بوكوفا.
رابعاً: التنجيح الآلي مظهر من مظاهر الفساد: قد تعكس مخرجات التعليم في بعض الأحيان وجود فساد في العملية التعليمية/التعلّمية، فعندما تتبنى المدارس والجامعات ممارسات خاطئة كـ «التنجيح الآلي»، فإننا نجد فئةً من الطلبة يتخرجون من المدارس وهم لا يمتلكون أدنى المهارات الأساسية، أعني (القراءة والكتابة والتحدث) بشكل صحيح، لذا فإنهم لا يقرأون ولا يكتبون؛ لأنهم نجحوا وتخرّجوا عن طريق توصية أو منحة أو مكرمة حكومية أو حالة استثنائية أو واسطة ومحسوبية وما إلى ذلك.
خامساً: بيع الأسئلة الامتحانية وتسريبها: يلجأ بعض المعلمين ـ وللأسف الشديد ـ إلى تسريب أسئلة الامتحانات. هذا التسريب قد يكون لأسئلة الامتحان بالكامل، أو تلميح المعلم وتوقعاته بورود بعض الأسئلة في الامتحانات.
مهما تكن الدوافع والأسباب، فإن تسريب أوراق الامتحانات أو بيعها أو التلميح بورود بعض الأسئلة في الامتحانات كلها تندرج تحت مظاهر الفساد التي يجب التصدي لها.
سابعاً: بيع المذكرات (الملازم): آن الوقت لوقف مهزلة بيع «الملازم أو المذكرات» الدراسية بالمكتبات والأسواق في الوطن العربي. فهذه الملازم غالباً ما يلجأ إليها الكثيرون من الطلبة في فترة الامتحانات ويعتمدون عليها اعتماداً كلياً باعتبارها سهلة وملخصة.
إن استمرار هذه الظاهرة يعني تعليب عقول الطلبة واعتمادهم على الحفظ والتكرار، وهو ما يؤشر على وجود فساد في العملية التعليمية. وعلى الرغم من وجود تلك المظاهر وغيرها، إلا أننا متفائلون بأن الوضع القائم لن يظل كما هو عليه، حتى وإن شابه بعض البطء أو التعثّر. على سبيل المثال، سبق وأن أشرنا في مقالٍ بعنوان «المذكرات الدراسية... فساد تعليمي»، إلى ما ورد في جدول المخالفات والجزاءات باللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية في مملكة البحرين الصادر بالمرسوم رقم 48 لسنة 2010، في المخالفات ذات الصلة بالتعليم، رقم (56) والمتعلق بـ «التربُّح من خلال إعداد وطبع المذكرات وبيعها على الطلبة»، بحيث يصل الجزاء - حسب اللائحة - إلى الفصل من الخدمة.
*من دراسة نشرت في الكتاب السنوي «كتّاب ضد الفساد» من إصدار جمعية الشفافية الكويتية 2012م.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3816 - السبت 16 فبراير 2013م الموافق 05 ربيع الثاني 1434هـ
فكره
هل تعلم اخي فاضل ان وضع الجامعات الخاصة بلغ ادنى مستواة في البحرين وخاصة عندما يصبح هدف المالك غرف المال وعمل مجالس أمنائها الرقص على رنين دنانيرها....وماذا تتوقع من بيئه فن تزييف المؤهل اصبح مهارةز
ملاحظة
كيف يتم تسريب أسئلة الامتحانات النهائية وهي تأتي من وزارة التربية والتعليم للمرحلتين الإعدادية والثانوية؟ من الممكن أ، تحدث هذه الظاهرة في المدارس الإبتدائية ولكنها صعبة للمراحل الأخرى.
كما يوجد قرار من وزارة التربية يمنع بيع المذكرات وأما ما يحدث خارج المدارس فهو من مسؤولية وزارة الأعلام.
والأخطر هو وضع الجامعات الخاصة
هل تعلم اخي فاضل ان وضع الجامعات الخاصة بلغ ادنى مستواة في البحرين وخاصة عندما يصبح هدف المالك غرف المال وعمل مجالس أمنائها الرقص على رنين دنانيرها....وماذا تتوقع من بيئه فن تزييف المؤهل اصبح مهارةز