يخطئ من يعتقد ان كل الأمور التي تحيط بأوضاعنا الداخلية تسير من دون بوصلة أو هدف. ففي دروب السياسة الملتوية فإن الأفعال قرينة بأهداف يسعى السياسيون للوصول إليها وفق فترة زمنية موضوعة.
في هذا المقال وقبل التطرق إلى وضعنا المحلي من المفيد استعراض مقاربة لذلك الفيلم الوثائقي «حراس البوابة» الذي وضعه المخرج الاسرائيلي درور موريه والذي جمع فيه ستة رؤساء سابقين لجهاز الأمن الداخلي في «إسرائيل» المعروف باسم الشين بيت، حيث تحدث الستة في هذا الفيلم كمجموعة واحدة لأول مرة وأعربوا عن خوفهم على مستقبل «إسرائيل» كدولة يهودية ديمقراطية بحسب قولهم، بعد أن كان خوفهم عليها في مواقعهم السابقة من خطر الإرهاب.
وفي لقاء أجرته الإعلامية أماندا بور في قناة «سي إن إن» مع مخرج الفيلم أفصح موريه أن الرؤساء الستة الذين يدركون متطلبات الأمن الإسرائيلي أكثر من غيرهم، قد اتفقوا على أن احتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية يشكل خطراً على دولة «إسرائيل». وقال أكبر الرؤساء سناً فيهم وهو افراهام شالوم ان «إسرائيل» فقدت الصلة بأسلوب التعايش مع الفلسطينيين بعد حرب الأيام الستة. وقد أجمعوا على أن التطرف هو العائق الرئيسي أمام تبلور استراتيجية سليمة للدولة العبرية. كما اتفقوا جميعهم على فكرة الفيلم الوثائقي وهي أن دولة «إسرائيل» تمتلك تكتيكات بارعة ولكنها تفتقر لاستراتيجية بعيدة. فجهازها الأمني قادر على التعامل مع الإرهاب بحسب قولهم، إلا أن فشل الجهاز الأمني في دعم تسوية سلمية يجعل من قوة التكتيك عديمة الجدوى.
ويقول موريه إنه عبّر عن دهشته لتشبيه شالوم احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية بالاحتلال النازي لأوروبا. وأن شالوم المولود في فيينا والذي عاش فترة اضطهاد اليهود في تلك الحقبة قال في الفيلم الوثائقي إنه يدرك المأساة في حياة إنسان يعيش في دولة عنصرية. ويشير موريه في مقابلته مع أماندا بور إلى التطرف الذي يمثله نتنياهو الذي يحول بينه وبين الاستماع إلى ستة رؤساء سابقين لجهاز مسئول عن أمن «إسرائيل».
ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا الفيلم الوثائقي؟ انها دروس متعددة نكتفي منها بما يلي:
أولاً: إن عامل القوة والتطرف الذي تبنته «إسرائيل» قد أصابها بعقدة العظمة وأنساها فضيلة الإنصات للنصيحة حتى من أقرب الأصدقاء والحلفاء.
وهذا السلوك غير العقلاني جعل أقرب حلفائها ينفرون منها ويوجهون الانتقادات اللاذعة لها في العلن بعد أن كانوا يترددون في ذلك حتى وقت قريب. وهكذا يصبح التطرف عاملاً في عزل وتقويض صاحبه قبل غيره.
ثانياً: إن ممارسات «إسرائيل» العنصرية حذت برئيس جهاز أمنها الوطني الذي عاش وعانى من الحقبة النازية في فيينا، الى أن يعبّر الآن عن قلقه على مستقبل الدولة اليهودية بسبب تطرفها العنصري، ما يعني أن عصرنا الحاضر لم يعد يحتمل ممارسات بغيضة كهذه من أية جهة مهما بلغت من القوة والنفوذ.
ثالثاً: إن التكتيك ليس بديلاً عن الاستراتيجية الرشيدة. فالتعامل الأمني كتكتيك ليس بوسعه وحده خلق وطن آمن واستقرار مستدام ما لم يكن هذا التكتيك الأمني عجلة في ترس لاستراتيجية عقلانية. فسياسة الاستيطان الاسرائيلية القائمة على جلب اليهود من مختلف أنحاء العالم وبناء مستوطنات بشرية لهم تحيط بالقرى الفلسطينية، هي تنفيذ لاستراتيجية تذويب العنصر الفلسطيني وذلك من خلال العبث بالتركيبة الديموغرافية. إلا أن تنفيذ هذه الاستراتيجية انعكس سلباً عليها سواءً على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، وتمثّل ذلك في فضيحة محاولة دسّ مواد العقم للمستوطنين من أصول افريقية في محاولة للحد من تكاثرهم، ما يدلل على فشل هذه الاستراتيجية العنصرية التي تغلبت فيها مصالح الانتماء الاثني على الانتماء الديني.
إننا في مملكة البحرين نعمل الآن على استكمال مرحلة من الحوار البناء الذي من المفترض أن ترسم مخرجاته مستقبل بلادنا ليخرجنا من مرحلة معيبة إلى مرحلة نتوق إليها جميعاً لتحقّق لنا ولأجيالنا حياةً آمنةً ومستقرةً قوامها العدل والتعايش والعمل المنتج. في هذه المرحلة الحرجة بالذات علينا التأمل في تجارب الآخرين لنتعلم منها ما يفيدنا ونتخلى عن كل ما يسيء لنا، ومن أهم ما يمكننا تعلمه هو ضرورة تبني تكتيكات عقلانية تتناغم مع استراتيجية جديدة نرسمها لتصوغ مستقبل بلادنا على أرضية بعيدة كل البعد عن كل ما صاغته أية تقارير معيبة أجبرتنا على تبني تكتيكات أساءت لنا جميعاً بمخرجاتها التي نعيش اليوم على إرهاصاتها.
إن عقلاء البحرين الذين غاب الكثيرون منهم عن الساحة لقادرون على التفكير الجيد الرزين، وذلك خلافاً لعناصر التطرف والتأزيم. فعقلاء القوم هم أقدر على صياغة مستقبل وطننا.
نرجو من الله أن يكلل جهود المجتمعين في العرين بالتوفيق والسؤدد، وأن يمنحهم مزيداً من الحكمة والصبر والبصيرة وبعد النظر، وأن يجعلوا تجارب الآخرين نصب أعينهم.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ
مثال جدا ممتاز 10 على 10 ولكن
كما تفضلت الدوله الاسرائيليه عندها من الحكمه اكثر بكثير ما عند الاعرب ولشى بسيط جدا انهم يؤمنون بحريه و بحياه المواطن الاسرائيلى كما يشاهد العالم كيف تتعامل شرطه العدو مع المتظاهرين حتى لو اسقطوا الرئيس الاسرائيلى من منصبه هاده ديمقراطيه يجب على حكام العرب ان يفهموها لم يقتل اى متظاهر صغيرا ام كبير امراه او شابه
تصحيح .
اسم الصحفية كريستيان أمان بور .. و ليس أماندا بور ؟؟!!!
فعلاً أين العقلاء منا؟
شكرًا من القلب لهذا المقال المهدئ المتزن الذي يغلب مصلحة الوطن ا د شكرًا لك أستاذ على هذا المقال الرزين الذي يغلب مصلحة الوطن أولاً... اين هم العقلاء منا ؟ نبحث عنهم فلا نجد غير التحريض والشتم والحقد الذي يرشح من مقالات صحفيينا على اختلاف توجهاتهم ... سلمت يداك