مازلنا نطالب بالجلوس على طاولة المفاوضات، لكننا نخشى أن جلوسنا في كل مرة ينتهي كأول مرة، حتى يأتي اليوم الذي نجلس فيه بحق، لا نجد شيئاً نتفق عليه بعد أن أدمى بعضنا البعض.
الحوار بين الفرقاء أمر مطلوب، وهو في حد ذاته وسيلة للوصول إلى غاية محددة، وهو سلامة الوطن ورقيه بعدالته ونموه، ولكن هل كل حوار يُراد به ذلك؟ وماذا يريد المتحاورون من الحوار؟ أهو وسيلة أم حيلة؟ فالحوار هو في حد ذاته طريقة من طرق التواصل، هدفه الوصول إلى الطريق الأكثر صواباً، لذا لابد من توافر الرؤية الواضحة عند المتحاورين مع الحفاظ على الهدف الاستراتيجي وخصوصاً المتعلقة بمصير الجماعات ومنبت الخلاف وأساس التوتر.
المعارضة لم يكن دخولها بالأمر السهل، نظراً لأن الوضع مبهم لها، لذا أعلنت دخولها مستوضحةً بعض الأمور التي رأتها آليات وإجراءات مهمة للانخراط في حوارٍ مجدٍ ومؤثر، وخصوصاً تلك المتعلقة بمفهوم الحوار، وتكون السلطة طرفاً رئيسياً في الحوار، والجدول الزمني بحيث لا يكون الحوار مفتوحاً دون سقف زمني معين، مع إمكانية صياغة نتائج الحوار كصيغ دستورية وقانونية لا مبادئ عامة وتوصيات، وتوضيحات لأجندة الحوار وآلياته، ومرونة عقد لقاءات جماعية أو ثنائية بين أطراف الحوار، والتمثيل المتكافئ للأطراف، ومشاركة الجمعيات في الإشراف على تنفيذ نتائج الحوار، مع تأكيدها عدم اتخاذها قراراً نهائياً بالاستمرار في الحوار من عدمه، ويعتمد قرارها النهائي على سير الحوار.
المعارضة استخدمت في رسالتها إلى وزير العدل لفظة «مفاوضات»، وفسّرت الحوار لديها بأنه يعني تفاوضاً بين الأطراف المختلفة، بغية الوصول إلى تسوية نهائية، دون انتقاص حق أي مواطن أو فئة. فالتفاوض يعرف في العلاقات الدولية على أنه كيفية التوصل إلى قرارات توفيقية أو حلول وسط للمواقف الصراعية في صيغة تسويات سياسية.
أما الحكومة فقد أسمته بحوار التوافق، وأشارت في موقع الحوار التوافقي الالكتروني إلى أن الهدف منه هو «الوصول إلى حالة التوافق، وهي الحالة التي تمثل مخرجات الحوار، بحيث يكون هناك اتفاق عام على القضايا محل النقاش السياسي». هذه النقطة تتطلب طرح الفرق بين الحوار والمفاوضات، ففي المفاوضات غالباً ما تكون هناك أطراف خاسرة وأخرى رابحة لأن هناك طرفاً واحداً يقدّم التنازلات لإحداث حالة الاتفاق. في حين أن الحوار لا يكون فيه طرف خاسر، بل تتم العملية بنقاش موسع بين جميع الأطراف، ويتم التوافق على حالة توفيقية بين الآراء المتعددة، بحيث يقدم كل طرف حداً معيناً من التنازل في موقفه ورأيه السياسي سعياً للوصول إلى حالة التوافق. وبالتالي فإن المفاوضات تنتهي بالاتفاق، أما الحوار فينتهي بالتوافق.
التفاوض لا يعني وجود طرف خاسر وآخر رابح، بل إن الكسب والخسارة لطرف هي نفسها للطرف الآخر، ثانياً ما هو الفرق بين التوافق والاتفاق؟ التوافق يعني أن هناك تفاهماً ضمنياً، وهي مشتقة من الفعل الثلاثي «وفق»، ومصدرها وفاق بمعنى المواءمة، والتوافق يعني لغةً الاتفاق، ووفق الشيء أي لاءمه ووافقه موافقةً ووفاقاً، واتفق معه توافقاً، يعني الثاني لا يخرج من جلباب الأول، لكننا نخشى أن يخرج لنا بتصريح مفاده «إن التوافق بات متعذراً، ولا يمكن التوصل إلى حل إلا بالاتفاق»، حيث ان الاتفاق كما فسّر انه على طرف واحد يقدم التنازلات لإحداث حالة الاتفاق، فمن هو الطرف؟ من يمثل الثمانية أم التسعة عشر الذين فاقوا على اخوة يوسف عدداً، لكنهم في حلمه كانوا له ساجدين.
الفكرة في جوهرها هنا، انه ينبغي أن تسبق الجوانب العملية لحياتنا السياسية الجوانب الفكرية والأيديولوجية. فالمؤكد أننا مختلفون في الحلول العملية السياسية للوطن، لكننا متفقون ان الحل بأيدينا، ومن الإمكان الوصول إلى بر الأمان لمن أراد لهذا البلد خيراً.
الناس هنا غير متفائلة، وكأن الحوار بضاعة عرضت بأبخس الأثمان، الناس قلقة لأن التمثيل غير متناسب، فكفة الحكومة هي الراجحة، الناس قلقة من أن الحوار لا يعدو كونه مشاورات تفضي لتوصيات. هم قلقون لمشاركة الحكومة بوزراء لا يتعاطون بالشأن السياسي كتمثيل حكومي. هم خائفون من عدم جدية السلطة في التعاطي مع آليات وأجندة الحوار التي تريدها المعارضة، لذا هم يتوقعون ألا يطول جلوس المعارضة في غرفة الحوار، فمن يكسب الرهان؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 3812 - الثلثاء 12 فبراير 2013م الموافق 01 ربيع الثاني 1434هـ