إلى المجتمعين على طاولة الحوار، إن كنتم مازلتم هناك، عذراً لإشغالكم عن هموم الوطن بهموم المواطن، لكني مضطر أن أطلب منكم على هامش الحوار عند استراحة الشاي الأخضر أن تفكّروا أيضاً بهذا السؤال البريء: ما الذي يجمع هؤلاء الثلاثة في ساحة الوطن العربي: طارق الطيب محمد البوعزيزي، خالد محمد سعيد، علي عبدالهادي مشيمع؟ للوهلة الأولى ستقولون انهم السبب غير المباشر في تفجير الثورات الربيعية العربية بين عامي 2010 - 2011. فأولهم طارق الطيب البوعزيزي، شاب تونسي قام يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية «سيدي بوزيد»، احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في المدينة لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي، التي صفعته أمام الملأ وقالت له بالفرنسية (Dégage) أي «ارحل»، ولكن من رحل كان الرئيس التونسي السابق بينما توفي البوعزيزي وبقي الشعب التونسي. ولسوء حظ الرؤساء الذين سقطوا واحداً تلو الآخر بين تونس ومصر وليبيا واليمن؛ فقد كانت هذه الكلمة (ارحل) هي المفتاح السحري وشعار الثورات العربية المتلاحقة، إلا في حراك البحرين الذي مازالت مطالبه أدنى بكثير من مثيلاتها العربية حتى اليوم، ومع ذلك لم يتحقق منها شيء، فهل تحققها مائدة حواركم بعد الاستراحة؟ اما المواطن المصري الشاب خالد محمد سعيد، فقد قُتل تعذيباً على يد استخبارات شرطة نظام مبارك في الإسكندرية يوم 6 يونيو/ حزيران 2010، ما أثار احتجاجات واسعة دون أن يصدر الحكم في القضية التي أثارت جدلاً كبيراً، وشكلت دوراً تمهيدياً مهماً لاندلاع الثورة. وكذا حالات التعذيب والاعتقال التعسفي والقتل التي ذكرها تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين لم تجد من يأخذ بحقها ممن فعل ذلك حتى اللحظة، فهل سيفعلها المتحاورون بعد الاستراحة؟ أما المواطن البحريني الشاب علي عبدالهادي مشيمع، فقد أصيب بحسب التقرير الطبي بطلقات «سلاح الرش» إثر تصويبها إليه من مسافة قصيرة على يد قوات الأمن خلال الاحتجاجات البحرينية في 14 فبراير/ شباط 2011، توفي على إثرها في المستشفى. وكما ذكر وقتها الحقوقي المغيَّب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، نبيل رجب، أن علي مشيمع كان يحتج من أجل حقوق الإنسان في قرية الديه، بالقرب من المنامة. وقد وعد وزير الداخلية وقتها بإجراء تحقيق في القضية لتحديد الأسباب التي أدت إلى استخدام السلاح بشكل قانوني أم لا!

فهل حدث؟

لكن ما يفوتكم أيها الداعون والمتجمعون حول المائدة، أن الرابط الحقيقي بين هذه الأسماء الثلاثة من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه، أنهم من الشباب الذي باستشهاده وهب روحه لحياة شعبه، والتغيير الذي يطمح إليه، وبعضه حدث وهو لم يعد يعلم به. إنهم أعمار الزهور ووقود الثورات العربية.

إذاً الشباب وليس غيرهم رموز حركات الربيع العربي ضد الظلم والمطالبة بحقوق الإنسان البسيطة التي يمثل هرمها هؤلاء الشباب. حقوق كانت في بدايتها لا تتعدى سكناً عادياً ولقمة عيش تحفظ بني آدم من الموت والتشرد، وحقوقاً متساوية مع أهل الحكم والنخبة السياسية، وعندما لم يُستجب للبسيط تبلورت للأهم حتى غدت مطالبات ضد التوريث وضد احتكار السلطة والتمييز وكل أشكال الغبن والوحشية والاستئثار بمقدرات الشعوب من قبل فئات محددة بعينها، وكأنها بقايا نظرية التفويض الإلهي من مجاهل العصور الوسطي. وتوجت تلك المطالب بتقديرٍ حضاري للرأي يحفظ به الشباب كرامته من الإهانات على يد إنسان مثله، ولكنه فقط يملك قوة السلاح وليس الحجة للسيطرة بينما الشباب لا يملكونها.

لذا كان من أسهل الطرق لوأد أحلام الشباب هو اللجوء للحل الأمني والقتل مع سبق الإصرار والترصد. وهنا مربط الفرس ولب القضية، هل من العقل والحكمة مواجهة الشباب المتحمس المثابر الغيور وما يحملونه من فكر وقضايا وهموم المواطن والوطن الذي يحلمون به... بأداةٍ ناريةٍ وفكرٍ عجائزي متصلب لا يلين؟ لذا، نقترح أن يضاف لمائدة حواركم مناقشة هذه القضايا الشبابية بدل المحاصصة الطائفية التي يلعب على وترها بعض من يحاوركم. هلا أضفتم لمائدة حواركم طبقاً به ورقة تبين كيفية الاستجابة لتطلعات الشباب في الشارع حولكم، ولو أنهم غيّبوكم بعيداً عنهم، وهم ليسوا معكم على المائدة؛ ففي حل مشاكلهم الاقتصادية أولاً بأن الثروة للجميع، ثم السياسية ثانياً بمبدأ المشاركة، ثم الاجتماعية والفكرية ثالثاً، وبهذا يمكنكم الإمساك بخيوط الأزمة والعمل على نسج ثوب حلها البحريني الأصيل بشكل صحيح وبلا خيوط غريبة تتشابك معه فتشوّه جماله ومنظره الخليجي الذي عُرف به منذ الأزمنة الأولى.

فالمسألة يا سادة المائدة، أعظم من كرسي في البرلمان، ومن أشخاص في وزارة ما يعينون أو يعزلون، ومن إزالة حاجز أمن هنا وهناك، ومن تأسيس جمعية أو تجمع ما أو حزب بترخيص أو بدون. القضية يعرفها تماماً من يستطيع إجابة السؤال المحوري الحالي: لماذا ثار الشباب في الشوارع على كل منظومات السياسة القديمة ومعظمهم ممن هم خارج الجمعيات والأحزاب والمؤسسات النقابية؟ ما هو الخلل في تلك المنظومات وما الفارق النفسي والزمني بينها وبين تفكير الشباب في القرن الواحد والعشرين؟ ما هو الخلل السلوكي والتربوي والسياسي والاجتماعي والثقافي في عقول الكبار وعواجيز السياسة أدى للابتعاد عن تطلعات الشباب وعدم تفهم مطالبهم في الحالة الشبابية العربية مع أنهم هم الفئة الغالبة في المجتمع العربي، والبحريني جزء منه.

لماذا لم تستطع المنظومة السياسية العربية استيعابها ولا إيجاد الحلول الناجعة للتعامل معها إلا من خلال الاستعانة بصديق، على نسق من سيربح المليون، والأغرب أن هذا الصديق لا هو من نسيجنا ولا من دمنا ولا من تاريخنا. فهذا الصديق هو ذاته المارد الغربي الذي ما فتئ يتربص بنا فتلجأ المنظومة السياسية العربية مطالبته بإيجاد حلول للتعامل مع شبابنا العربي، لذا فهو يرسل لنا حلولاً لا تتجاوز مصالحه المتعددة في هذا الوطن. فهل أنتم فاعلون يا أصحاب المائدة وللنقاط التسع منفذون ولصوت الشباب سامعون ولبحرين الغد بلا تمييز تتطلعون؟ أم تمنينا ما لا يتمنى بعضكم ولا عذر لهم.