إن أي منصف يتصدى لتوثيق الفترة التي تعيشها بحريننا العزيزة اليوم، يجد الصورة مغايرة لما سبقها بدرجة كبيرة جدا، بحيث لا يمكن نكران الصورة الراهنة أو إغفالها أو التقليل من شأنها.
فالخطوات الإيجابية المتعددة الصور والألوان والمرامي التي خطتها قيادة هذا البلد، والتي تكرر الحديث عنها، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، تظهر بوضوح الرغبة الصادقة لدى هذه القيادة في التغيير نحو الأفضل والأكمل، والكمال لله وحده.
صحيح أن لدى شعبنا آمالا وطموحات كثيرة وكبيرة... وصحيح أيضا ان هذه الطموحات ليست غائبة عن وعي القيادة الحكيمة، غير أن العاقل يرى أن مثل هذه الآمال لا يمكن الوصول إليها بين عشية وضحاها، ولكن مادمنا قد وعينا أهدافنا وسرنا على الطريق الصحيح نحوها، فالوصول إلى تلك الأهداف حتمي ومؤكد بإذن الله، بعد أن بنينا - شعبا وحكومة - جسور الثقة للعمل المشترك من أجل ولادة بحرين جديدة قائمة على قواعد الأمان والعدل والاحترام المتبادل كما هو بين الآباء والأمهات والإخوة والأخوات في الأسرة الواحدة.
بعد هذه المقدمة القصيرة، نعود إلى الخطوة الرائدة الكبيرة التي خطاها - بشجاعته المعهودة - عاهل البلاد حفظه الله، بتوجيهاته السامية نحو إنشاء معهد ديني في البحرين لتدريس ودراسة الفقه الجعفري، على غرار المعهد الديني القائم حاليا. إنها لخطوة كبيرة تستحق كل تقدير وثناء، لما لها من أثر بالغ في تلاحم أبناء الوطن الواحد، ولأن هذه الخطوة كانت - إلى عهد قريب جدا - مجرد حلم لدى الكثيرين من أبناء الطائفتين الكريمتين، إلى أن جاءت خطوة عظمة الملك، ليتحول الحلم إلى حقيقة والخيال إلى واقع، كما قال الشاعر المصري عزيز أباظة:
كان حلما فخاطرا فاحتمالا
ثم أضحى حقيقة لا محالا
لقد سرّنا حقا - شعب البحرين الكريم - ما أقدم عليه مليكنا من خطوة لن ينساها التاريخ، كونها حلقة بارزة وعظيمة من سلسلة الخطوات الخيرة الساعية إلى الانتقال بالبحرين من مرحلة الأقوال والتمنيات إلى مرحلة الأفعال والانجازات «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» التوبة: 105.
هذه وقفة... بعدها نعود إلى مناهج التربية الدينية في مدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية، فنطالب بإعادة النظر و(تطوير) الكثير من موضوعات هذه المادة ليتماشى مع واقع هذه المدارس التي تحتضن بين جدرانها طلابا وطالبات ليسوا - ولسن - على مذهب واحد، وإن كانوا جميعا يستظلون بظل الإسلام الحنيف إخوة متحابين.
أجل... إن معظم هذه المناهج فيها إغفال وتجاهل شريحة كبير جدا من الطلاب و الطالبات الذين فرضت عليهم دراسة موضوعات تصب في اتجاه واحد دونما اعتبار للاتجاه الآخر، ومثال على ذلك: العقائد والعبادات والسير، وغيرها كثير.
فقد دأب طلابنا وطالباتنا في المراحل الدراسية الثلاث على دراسة شخصيات معينة تتكرر في معظم المناهج، مع إغفال شخصيات أخرى لا تقل أهمية.
فما المانع ونحن ندرس سيرة الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم أجمعين) وهم شخصيات مؤثرة في التاريخ الإسلامي، ما المانع من أن ندرس إلى جانبهم سيرة الإمام الصادق والباقر والإمام المنتظر، أو أي إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام؟
وفي الوقت الذي ندرس فيه شخصية صلاح الدين وخالد بن الوليد، وهما ممن لا تنكر جهودهما على الصعيد الإسلامي، فما المانع من أن ندرس إلى جانبهما سيرة عمّار بن ياسر والمقداد ومالك الأشتر وغيرهم من أبطال التاريخ؟
وفي الوقت الذي ندرس فيه شخصية السيدة عائشة وأسماء ذات النطاقين (رضي الله عنهما)، لماذا لا ندرس سيرة فاطمة الزهراء وابنتها زينب الحوراء عليهما السلام وغيرهما من رائدات الإسلام؟
ثم... ألا يمكننا ان نُضمِّن مناهج التربية الدينية دراسة لشخصيات فقهاء المسلمين من الطائفتين، المتقدمين منهم والمتأخرين وهم ولله الحمد كثيرون على امتداد الساحة الإسلامية؟
ومن جانب آخر لماذا لا تشتمل مناهجنا الدينية على موضوعات يجهلها الكثيرون من أبنائنا المسلمين - حتى بعض الشيعة - مثل العصمة والشفاعة وزيارة القبور والسجود على التربة الحسينية والجمع بين الصلاتين وغيرها، مما يثار حوله الجدل في كثير من الأحيان.
لقد جاء الوقت الذي يجب فيه على المسلمين في كل مكان أن ينفتحوا على بعضهم بعضا، ويعرف بعضهم عقائد بعض معرفة علمية قائمة على الدراسة والفهم البعيد عن التعصب، وما أحوجنا إلى ذلك الآن، بل في كل آن.
وبهذا نكون قد بدأنا الاتجاه الصحيح نحو بناء أمة واحدة عظيمة، قادرة على استعادة أمجادها من جديد تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وتحت شعار «الله أكبر والعزة للإسلام».
كاتب من أسرة «الوسط
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 38 - الأحد 13 أكتوبر 2002م الموافق 06 شعبان 1423هـ