تجشَّمت وزيرة الخارجية الأميركية عناء النهوض من التجلط الدموي، والداء المعوي. جاءت صباح الأربعاء، إلى الكونغرس لتردَّ على أسئلة أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ خلال جلسة استماع حامية الوطيس، بشأن موضوعات عديدة، تخص هندسة العلاقات الخارجية، للولايات المتحدة الأميركية، أهمها هو موقف تلك السياسة من الأوضاع في العالم العربي.
بعد أن أخذت كلينتون مكانها في المجلس بَكَتْ! سالَت دمعتها بعد أن ذَكَرَت لحظة تواجدها في قاعدة سانت أندروز العسكرية بجانب رئيسها باراك أوباما حين «عانقت أمهات وآباء وشقيقات وأشقاء وأبناء وبنات وزوجات تُرِكُوا لوحدهم لكي يُرَبُّوا أولاد الضحايا». وهي تقصد بذلك ضحايا البعثة الدبلوماسية في بنغازي، التي تعرضت لهجوم إرهابي أودى بحياة السفير الأميركي في ليبيا كريستوفر ستيفنز وأربعة دبلوماسيين أميركيين كانوا معه، في 11 سبتمبر/ ايلول من العام الماضي.
لكنها لاحقًا قالت كلامًا غير لائق، بحق العرب. فقد ذكرت أن «ثورات الربيع العربي، وسقوط الأنظمة في دول شمال افريقيا، أدى إلى حالة من الارتباك، وغياب الأمن، وزيادة التطرف المسلح في منطقة الشمال الافريقي، ما زاد من نطاق عمل المتطرفين ومستوى تسليحهم، إضافة إلى وصول قادة إلى السلطة ليست لهم خبرة في إدارة الدول وإقرار الأمن وتحقيق الديمقراطية». وهذه الجملة الأخيرة هي الأهم، لأنها تنطوي على استهجان بوعي الشعوب العربية، وبقدراتها السياسية والفكرية والإدارية.
فهذا الكلام لا يمكن أن نقبل بوصفه دون تفصيل. فالولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تتحدث بهذه الطريقة، وكأنها تقوم بدور «شريف روما». فهذا الموقف سلبي. صحيح، أن هناك ارتباكًا وزعزعة أمنية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد في البلدان التي سقطت فيها الأنظمة الدكتاتورية «التاريخية» (كما سمَّتها هي) لكن الحال يقتضي منا البحث عن موقع الأميركان من تلك الفوضى، والتساؤل عن موقفهم ودورهم مما يحصل في عالمنا منذ سنين بعيدة.
لذا فإننا نقول: بالتأكيد ستكون هناك فوضى لأن الأميركيين، ظلوا عشرات السنين، يدعمون أنظمة فاشلة، وقمعية، واستئثارية، وغاشمة، شاركوها في فسادها، وصفقات سلاحها، وارتشفوا معها دماء شعوبها، ثم تحالفوا معها في تفتيت مجتمعاتها، والقضاء على طبقاتها الوسطى، التي تم تدميرها بشكل ممنهَج، ومحوها من الحراك السياسي والاجتماعي، بغية تجهيل الناس وتضليلهم، وجعلهم يعتمدون على الغَث، لإنتاج مشاريع سياسية وثقافية متخلفة.
بالتأكيد ستكون هناك فوضى لأن الأميركيين، هم الذين صنعوا التطرُّف في أفغانستان، وآووه، وسلَّحوه. وعندما جاءت أحداث 11 سبتمبر، قلنا ان هذا سيكون درسًا لهم، لكنهم اليوم، يمارسون الخطأ ذاته في سورية بتدميرهم ثورتها الحقيقية، عبر دعمهم جماعات متطرفة هوجاء دهماء، تستبيح دماء الأقليات وترهبها، وتهدم دور عبادتها، وتقضي على التعايش الأهلي فيها، لذا، عليهم اليوم ألاَّ يهزوا كتفًا إن رأوا الجماعات ذاتها، تعبث بالأمن والديمقراطية التي يريدونها!
بالتأكيد ستكون هناك فوضى لأن الأميركيين، دخلوا على خط الصراعات الداخلية في بلداننا، فانتصروا وغالبوا وحايَدُوا الشعوب طبقًا لمصالحهم وفقط. عليهم أن يدركوا، أن هذه الشعوب ليست فرق عملة، لكي يساووها بالدولار، أو ببرميل النفط، لذا، فإنهم يصنعون السياسات التي هم يريدون مكافحتها اليوم، لأنهم يقتلون الثقة والاعتدال لدى هذه الشعوب، لتحل محلها العدمية السياسية، والشعور بالغبن، الذي لا يُوقِف جموحه أيُّ كابح، مهما علا كعبه.
اليوم، تعيِّرنا السيدة كلينتون، بأن الربيع العربي جاء بأشخاص ليسوا أكفاء ولا ديمقراطيين! ونحن نسألهم: هل كانت الانقلابات الدموية التي كانت تدعمها واشنطن في العالم العربي واللاتيني والآسيوي، قد جاءت بأشخاص يؤمنون بالديمقراطية والحرية، أم كانوا ببزاتهم العسكرية، وبثقافتهم الجاهليَّة؟! هل الأنظمة العربية المتخلفة، التي لا تعرف الفرق بين الهرِّ والبر، والتي دعمتموها ومازلتم يا معالي الوزيرة، واعتبرتموها وازنة للمعادلات الإقليمية والدولية، هي أنظمة ديمقراطية، برلمانية، تداولية، متسامحة، متطورة؟!
هل كان حلفاؤكم من رجال الانقلابات في العراق وسورية ولبنان وتركيا وإيران ومناطق أخرى من العالم، يؤمنون بأبسط مبادئ حقوق الإنسان، والخبرة السياسية؟ أم انهم أسالوا من الدماء الكثير، وملأوا السجون، ويتَّموا الأطفال، ورمَّلوا النساء، وقضوا على ألف ربيع عربي متواضع، لم يكن يطالب أكثر من حرية تعبير، ومحاكمات عادلة، وبمكافحة الفساد لا أكثر!
ونذكرهم كما ذكَّرناهم في السابق: هل كان صديقكم أوغستو بينوشيه طاغوت تشيلي ديمقراطيًا وخبيرًا في الحكم؟! وهل كان رفيقكم سوهارتو في إندونيسيا قامة في الحكم الرشيد؟! وهل كان حليفكم شاه إيران محمد رضا بهلوي رجل تحرُّر؟! وهل كان ربيبكم ماركوس في الفلبين وفرانسوا دوفالييه في هايتي وشون دوهوان في كوريا الجنوبية وموبوتو سيسيسيكو في الكونغو أصحاب خبرة سياسية، وفلاسفة في الديمقراطية، أم أنهم كانوا ظَلَمَة وقساة؟!
ومع شديد الأسف، الأميركيون مازالوا مستمرين في دعم أشباه أولئك الحكَّام. وبالتالي عليهم أن يتقبلوا حجم هذه الفوضى، ونفور الشعوب العربية منهم (التي كانوا يستفيدون من كوادر أبنائها في ناسا ومهابط الطب المتقدم)، وإيمانها العميق بعدم جدارتهم إلاَّ في الحفاظ على مصالحهم. وعليهم أن يفهموا، أن أيَّ تغيير قادم، لن يكون بمثل ما يطمحون، لأنهم لم يكونوا أكثر من راعٍ ضد ذلك التغيير، حتى وإن زعقوا في الإعلام بنفاق فَجٍّ أنهم يدعمونه، لأنه لم يَزِدْ عن خنجر من الخلف.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3794 - الجمعة 25 يناير 2013م الموافق 13 ربيع الاول 1434هـ
العرب بها كفار بالديمقراطية
المتطرفون و المنخدعين بهم الين يعتقدون انهم بتوع ربنا والبلطجية والفاسدون هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية و يعتبرونها اشد من أعياد الميلاد في بدعيتها فلابد و يجب و يتحتم مقاومتها و تطبيق شرع ربنا زي ما تطبق طالبان وشباب الصومال وبكى حرام شرع ربنا
هذا ما صنعته أيديهم
أشكر الأستاذ الكريم على مقالاته الرائعة
حقأ اللوم يقع علينا
نحن من يهرول وراء الدول الكبرى تارتأ يرفعوك عاليا وفجئتأ ترى نفسك فى الحظيظ بعد ان استفرو كل ما بى جعبتك سوريا مثال جيد لمادا هناك من اصوات المماليك مازال يصر على تسليح المعارضه الغبيثه الغير شرعيه التى لأيتكلم عنها احد جبهه النصره وما شابه نحن لسنا مع اى نظام فاشى كل الأنظمه العربيه متشابه الى حد بعيد منطق الرصاص هو الجواب والرد السريع لئ مطلب محق يطلبه الشعب العربى الأنسه كلينتون محقه جدأ العتب لا يقع على الأداره الأمريكيه ولكن على رؤساء ومماليك العرب
أحسنت
الشعوب العربية والاسلامية أثبتت جدارتها في مقارعة المستعمرين الذين وللأسف الشديد مشى فى دربهم العديد من فاقدي الصواب.
لقد نجحت الدول الاستعمارية في جلب المسلحين المعادين لها الى سوريا ليقتتلوا مع النظام السوري ويضربوا عصفوريين بحجر واحد. ولكن ها نحن نرى أن السحر انقلب على الساحر و بعد الغفلة ستتضح الحقيقة وسيكون المتحاربين في سوريا الآن قوة واحدة في وجه الاستعمار ومتحدين لمحاربة الصهاينة ربيبة الاستعمار.