في مطلع ستينات القرن الماضي، وفي أحد الاجتماعات التنظيمية لواحدة من خلايا تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي التي كانت تنشط سرّاً في عهد الحماية البريطانية إبان ذروة النشاط السياسي للتنظيمات الحزبية في البحرين، تفوه قائد الخلية بكلامٍ لاذعٍ يحط من مكانة المآتم الحسينية وينتقص من دورها، فما كان من ذلك الشاب الذي كان يدرج في سنوات المراهقة إلا أن جمّد انتماءه الحزبي إلى الأبد، محتفظاً بحرارة الحس الوطني بعيداً عن الأطر الحزبية.
كان ذلك في أحد أيام صيف 1965. ظلت الكلمات التي تفوّه بها ذلك «الرفيق» تستفز ذاكرة عبدالله آل سيف لسنوات، حتى قرّر في تسعينات القرن الماضي بعد حوالى ثلاثة عقود، أن يعمد إلى كتابة تاريخ المآتم في البحرين، كأول دراسة توثيقية عن ظاهرة المؤسسة الحسينية في البحرين!
لأسرة آل سيف بصمات واضحة في التاريخ الديني والاجتماعي سواءً في البحرين أو في المنطقة الشرقية، فللأسرة تواجدٌ مهمٌّ في الإحساء والقطيف، ولهم امتداد في الرياض بإقليم نجد، وغيرها من المناطق العربية. وكغيرها من الأسر البحرينية التي انتشرت في الخليج مثل عائلة الجشي والخنيزي وآل نصرالله وآل المحروس وآل البلادي وآل حاجي وآل مرهون؛ فإن لآل سيف جذوراً ضاربةً في أوال (البحرين)، وفروعها تصل إلى المنطقة الشرقية. أما انتماءاتهم المذهبية فهم ينشطرون بين الشيعة والسنة، حيث أهالي البحرين والقطيف والأحساء إمامية، وأهالي الرياض من آل سيف سنة.
ويرجع نسب آل سيف إلى عشيرة سبيع، التي تنحدر من عبدالقيس، القبيلة العربية التي تسيّدت إقليم البحرين حتى عرف بها فقيل سكان البحرين عبدالقيس. وقد انحدرت أسرة آل سيف من منطقة النعيم، وكانت تُعرف المنطقة التي بالنعيم التحتية «الشرقية» مقابل النعيم الفوقية «الغربية»، وكانت تعمل في تجارة اللؤلؤ قبل أن تكسد، فاتجهوا بعدها إلى العمل في المواد الغذائية. أما أبناء خؤولتهم آل مرهون، فكانت تجارتهم في المواد التي تحتاج إليها سفن البحر، وكذلك في الحواجة «عطارين»، ويبرز اليوم من آل سيف من علماء الدين في القطيف عددٌ وافرٌ من وجوه العائلة.
بدأ عبدالله آل سيف بكتابة سلسلة تحقيقات صحافية عن المآتم في البحرين، ونشرها تباعاً في مجلة «المواقف» البحرينية التي تأسست في (24 سبتمبر/أيلول 1973)، وكانت المجلة مهتمة بالشأن الديني والاجتماعي. لم يكن آل سيف يفكّر في أن تتحوّل سلسلة تحقيقاته إلى كتاب توثيقي، لكن اقتراحاً من الصحافي إبراهيم بشمي الذي امتدح الجهد الميداني المبذول في هذه التحقيقات؛ جعل من المقترح فكرةً تكبر في عقل آل سيف، إلى أن صدر الجزء الأول من الكتاب العام 1995. وبعد النجاح الكبير للكتاب الذي تلقفه القارئ البحريني باعتباره يناقش مسألة لم يولِها الباحثون والمهتمون العناية الكافية بالدراسة والتوثيق، ولم يلبث مؤلف «المأتم في البحرين» إلا أن شمّر عن ساعد الجد ليستكمل مشروعه بجزءٍ ثانٍ للكتاب صدر العام 2004.
يؤكد آل سيف أنه لا يهتم في كتابه «المأتم في البحرين» بالتأريخ لهذه المؤسسة فحسب، بل يتسع مجال الاشتغال والهمِّ إلى التوثيق للحياة الاجتماعية في كل قرية، وأبرز المشكلات التي تواجهها، والشخصيات التي تركت بصمات بارزة في مجرى أحداث كل قرية. فـ «المأتم يشكّل المدخل لتاريخ القرية البحرينية» كما يرى.
وضمن هذا الفهم والسياق، يمضي آل سيف في مشروعه التوثيقي ليصدر في العام الماضي (2012) كتابه «مدن وقرى من بلادي» الذي نشرت مواده في الصحافة المحلية أيضاً على مدى أكثر من ثلاث سنوات، وقد استقى الباحث مادتها من أهالي تلك المناطق، ومن بعض الكتب والنشرات التي تصدرها منظمات المجتمع المدني. ولعل القيمة الأبرز لهذا الكتاب؛ أن الباحث لم يقتصر على المدن والقرى الحالية، بل درس في الفصل السادس والأخير القرى المندثرة، وأعطى معلومات تاريخية على جانب كبير من الأهمية عن نزوح السكان منها وأسباب وتاريخ الاندثار. ومن هذه القرى التي شملها بالدراسة: الغريفة، الفارسية، هرته/ هلته، بربورة، الناصفة، وسبسب.
عرفت الأستاذ عبدالله آل سيف كأحد أبرز الإعلاميين حرصاً على الاستزادة المعرفية، إن كان عبر قراءة الكتب والاطلاع الواسع عبر حقول ومجالات معرفية متعددة، أو عبر اهتماماته الجادة، وانشغاله بجمع نوادر الكتب والإصدارات، أو عبر توظيف علاقاته الاجتماعية الواسعة بالمثقفين والإعلاميين والطبقات الاجتماعية المختلفة في مناطق البحرين المختلفة.
وقد تعطينا سيرته الذاتية هذا الإحساس العالي بالتقدير لكفاءة بحرينية لم تشغلها الاهتمامات الوظيفية عن الاهتمامات الثقافية والأدبية، فقد عمل بوزارة التربية والتعليم طوال ثلاثة عقود ونصف العقد، شغل خلالها وظائف إدارية وقانونية، ولم يكتف بحصوله على ليسانس في الآداب ليعمل في مدارس البحرين كمعلم لمادة الاجتماعيات، بل حصل أيضاً على ليسانس في القانون ومارس المحاماة إلى جانب نشاطه الصحافي على مدى ثلاثة عقود لم تختم بعد، ولايزال في جعبته ما يعطيه.
وقد أصدر آل سيف مجموعةً من الكتب، لعل الخيط الجامع لها أنها تلامس الهم التاريخي والتراثي، ومن أبرز إصدارته إلى جانب ما ذكرناه: «كشكول آل سيف»، «طوائف ومعتقدات»، «أعلام صنعوا التاريخ»، «الإسلام والمسلمون»، و»الشجرة النبوية الشريفة».
الاستاذ عبدالله الذي يتعامل مع سنواته السبع والستين بحركية شابٍ في العشرين؛ لديه أحلامٌ كثيرة، بعضها تحقّق وبعضها ينتظر التحقق؛ لكنه في كل ذلك يشق طريقه المحفوف بالمعوقات والصعاب بروحية عامرة بالثقة والأمل والعزيمة.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3790 - الإثنين 21 يناير 2013م الموافق 09 ربيع الاول 1434هـ
معلومات الكتاب اكثرها غلط وتحتاج تعديل.. كتاب مثل هذا يحتاج الى بحث ومقابلة أصحاب المواتم والعائلات والقرى .. وليس إرتجال .
سوال عن انساب
وآل سيف من عشيرة فهل سبيع العبقسي او الهوازني
الكتاب فيه بعض المغالطات و المعلومات الغير دقيقه
و خصوصا بالنسبة لتاريخ مأتم رأس الرمان و أسماء العوائل في المنطقة فهو واضخ بأنه أستقى المعلومات من شخص واحد و ليس من أكثر من شخص لذا فهي غير دقيقه و تحتاج لتدقيق و تعديل
الجزء الثانى وما أدراك
ان اهتماماته فى الجزء الأول لعمل بحثى دقيق ويشكر عليه .
أما الجزء الثانى دخلت الأيادى المشبوهة وحولت ببعض من الاضافات وأخرج
هذا الكتاب القيم الى نوع من المهزلة ... والله يكون فى عونه
ما قصرت استاذ وسام
تسلم يدك على المقال الرائع ونتمنى منك مقالات أخرى عن تاريخ البلد
شكرا الى كل قلم يحفظ تراثنا العظيم
حبيبي اشكرك على هذا المقال الرائع جدا والى المزيد
بادرة طيبة
شكرا أخ وسام لقد نفضت الغبار عن كثير من الشخصيات المهمة ولايزال الكثير منهم توارى قسرا عن الحراك الثقافي و المجتمعي _ ارجو الاستمرار في تسليط الاضواء عن هذه الشخصيات الفاعلة
مقال اائع
مقال أقل ما يقال عنه أنه رائع ، شكرا لك أستاذ وسام.
مقال جميل جدا
مقال جميل جدا - نعم نحتاج الى توثيق تاريخنا وخاصة الجانب الاجتماعي والديني والمتعلق الشعائر الحسينية- بوركت اياد خطت مثل هذه الكلمات