العدد 379 - الجمعة 19 سبتمبر 2003م الموافق 23 رجب 1424هـ

من نضالات الشعب البحريني -الأربعينات حتى السبعينات

بمناسبة 23 عاما على الاستقلال (2)

المنامة - عبدالله العباسي 

19 سبتمبر 2003

في الحلقة الأولى مررنا بعدد من المحطات المهمة التي مرت بحياة الشعب البحريني النضالية، وذلك بمناسبة مرور 23 عاما على بدء الاستقلال الذي يؤرخ بـ 41 أغسطس/ آب 1791م من خلال ندوة تاريخية فكرية أقامتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، والتي شارك فيها كل من: خالد هجرس وعباس عواجي الذي تحدث عن الحركة العمالية، وسنستكمل الجزء الثاني من محاضرة هجرس، ونرجئ أطروحة عواجي إلى حلقة ثالثة.

يقول هجرس عن محطة مرحلة الأربعينات: لقد تميزت فترة الأربعينات بتشكيل الكثير من الأندية والجمعيات بمبادرة أساسية من الشباب، وتطورت بسرعة إلى مراكز للفكر السياسي لتبادل الأفكار والآراء، وعلى رغم تأثير الحرب العالمية الثانية على المنطقة حيث كان الناس يتابعون أخبار الحرب مشدودين لمن ستكون الغلبة، إلا أن تلك الفترة لم تخل من الاضطرابات والمظاهرات، وبالذات التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق ضد التقسيم في سنة 7491م، وضد قيام الكيان الصهيوني في العام 8491م، وتميزت تلك الفترة بصدور العديد من المجلات بدءا من صحيفة البحرين التي صدرت في العام 9391م، والتي رأس تحريرها عبدالله الزايد، مرورا بصدور المجلة الشهرية (صوت البحرين) في أواخر العام 9491م، ثم (القافلة) التي تحول اسمها إلى (الوطن) وكان رئيس تحريرها علي سيار، والميزان والخميلة في الخمسينات.

وكانت هذه الصحف والمجلات في معظمها ذات توجهات وطنية، وذات حس قومي عروبي.

ثم انتقل المحاضر إلى إحدى المحطات الكبرى في حياة الشعب البحريني، والتي شهدت تلاحما واضحا بين كل القوى الوطنية بعيدا عن الهاجس الطائفي، وهي محطة هيئة الاتحاد الوطني إذ قال:

«كان الوضع السياسي في حال غليان والناس مشدودة تتابع ثورة يوليو/ تموز 2591م في مصر، وكان هناك شعور يتزايد بالامتعاض من دور الوصاية الذي يلعبه المستشار بلغريف. وحدثت خلال تلك الفترة حوادث طائفية عدة في البلاد تم على اثرها التداعي لاجتماع في مأتم بن خميس في السنابس يوم الثالث عشر من أكتوبر/ تشرين أول 4591م حضره المئات من أبناء الطائفتين، وتم تأسيس جمعية عامة من مئة وعشرين عضوا يمثلون الطائفتين في البلاد عرفت باسم «الهيئة التنفيذية العليا» كما تم اختيار لجنة تنفيذية مكونة من ثمانية أشخاص يمثلون الطائفتين بالتساوي واختير عبدالرحمن الباكر أمينا عاما للهيئة التنفيذية العليا، أما أعضاؤها فهم علي بن إبراهيم، محسن التاجر، إبراهيم بن موسى، عبدالله أبو ذيب، عبد علي العليوات، عبدالعزيز الشملان، إبراهيم فخرو وعبدالرحمن الباكر، وقد غيرت اسمها لاحقا إلى «هيئة الاتحاد الوطني»، وكانت مطالبها كالآتي:

تأسيس مجلس تشريعي، وضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني، السماح بتأليف نقابة للعمال، تأسيس محكمة عليا للنقض والإبرام.

ومنذ تأسيسها في 31 أكتوبر العام 4591 حتى تاريخ القضاء عليها في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 6591م، كانت الهيئة في قلب الحوادث، وعملت على معالجة القضايا الملحة ووحدت الطائفتين بصورة أقوى وأفضل من أعوام الثلاثينات واستطاعت التصدي وبشجاعة للمستعمر البريطاني وإحباط مخططاته الطائفية والعنصرية، لذلك التفت حولها الجماهير الشعبية ودعمت مواقفها، كما استطاعت تشكيل نقابة للعمال وكشافة خاصة بالهيئة.

إلا أن المستعمر البريطاني استغل العدوان الثلاثي على مصر والذي كان فيه طرفا مع الأطراف الأخرى، فرنسا و«إسرائيل»، ضد ثورة الضباط الأحرار بزعامة جمال عبدالناصر إذ هبت الجماهير في البحرين، ونظمت تظاهرات حاشدة ضد العدوان، فتم اعتقال قادة الهيئة وصدر حكم صوري ضدهم وتم نفي كل من: عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان وعبدعلي العليوات إلى جزيرة سانت هيلانية، وسجن كل من إبراهيم فخرو وإبراهيم موسى، عشرة أعوام وتم نفي وتشريد الكثير من أعضاء الهيئة.

وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى إحدى أهم المحطات النضالية في حياة الشعب البحريني إذ تحدث عن إنتفاضة (مارس/ آذار 5691م) فقال:

«اندلعت في شهر مارس 5691م انتفاضة لم تشهد البحرين لها مثيل بسبب تسريح شركة بابكو لنحو ألف وخمسمئة عامل بحريني، لقد كانت هذه الانتفاضة تعبيرا عن رفض ما تعرض له العمال من فصل تعسفي وتضامنا معهم ومع عائلاتهم، دامت هذه الانتفاضة قرابة الثلاثة أشهر سقط فيها الكثير من الشهداء والجرحى وتعرض الكثير للسجون والمنافي.

لقد جسدت هذه الانتفاضة المجيدة التلاحم الشعبي الحقيقي بين الجماهير والقوى الوطنية، إذ تم تنسيق فصائل الحركة الوطنية البحرينية من خلال جبهة القوى القومية وجبهة القوى التقدمية فيما بعد. وأعطت المستعمر درسا لن ينساه عن استعداد الناس للعطاء والتضحية من أجل مطالبهم العادلة.

ومن بين المحطات التي ذكرها عند الحديث عن فصل من فصول المقاومة الوطنية ضد جهاز الأمن الذي تمادى في إساءته للشعب البحريني تحدث عن حادث تفجير سيارتي رئيس جهاز المخابرات ومساعده آنذاك فقال:

توعدت جبهة التحرير الوطني بالرد والانتقام ممن عذّب وتسبب في سقوط الشهداء إبان انتفاضة مارس 5691 المجيدة، وفعلا في مارس 6691م وبمناسبة الذكرى الأولى لانتفاضة مارس أعلنت جبهة التحرير مسئوليتها عن حادثي تفجير سيارتي ضابطي الاستخبارات البريطاني «بوب» والأردني «أحمد محسن».

وفي 8691م نظمت جبهة التحرير الوطني حملة إضرابات مسيرات عمالية وطلابية كبيرة وشنت حملة ضخمة، من أجل طرد المستعمر وبناء الوطن الحر الديمقراطي بعيدا عن أي أشكال الوصاية، وتعرضت على اثرها لضربة قاسية إذ تم اعتقال الكثير من المناضلين، وكان من ضمنهم المناضل مجيد مرهون الذي حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة تفجير المدعو أحمد حسن ضابط الاستخبارات آنذاك.

بعدها انتقل المحاضر إلى عدة موضوعات من خلال محطات صغيرة مثل محاولة تشكيل اتحاد إمارات الخليج والمطالبة الإيرانية بالبحرين ثم عن حصول البحرين على الاستقلال.

وبالنسبة إلى اتحاد إمارات الخليج قال المحاضر:

إبان التفاوض بشأن استقلال دول المنطقة كانت هناك محاولة لخلق اتحاد بين الإمارات في المنطقة إلا أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب الخلاف على العاصمة وبالذات بين أبوظبي والمنامة والدوحة، وكذلك الخلاف بشأن رسم الحدود، لذلك استقلت البحرين وقطر وتوحدت إمارات الساحل العماني لتشكل دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبالنسبة إلى المطالبة الإيرانية بالبحرين قال:

يذكر أنه بعد إعلان الحكومة العمالية عن نيتها الانسحاب من الخليج في العام 8691م في فترة أقصاها ديسمبر/كانون الأول 1791م، شددت الإمبراطورية الإيرانية بمطالبتها بالسيادة على البحرين، فبعثت الأمم المتحدة مندوبين لها لعمل استفتاء عن رغبة الشعب البحريني، وفعلا قدم مندوبو الأمم المتحدة في بداية مارس 1791م ليطلعوا على حقيقة الوضع ومكثوا في البحرين لمدة 12 يوما، بعد زيارتهم للكثير من الفعاليات السياسية والدينية والمؤسسات والأندية وأماكن تجمع الناس، رفع مندوبوا الأمم المتحدة تقريرهم للأمين العام مؤكدين الرغبة الساحقة لشعب البحرين في الحصول على الاستقلال وتأكيد عروبة البلد، كما يذكر أن الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة قد زار آية الله السيد محسن الحكيم في النجف كي يطمئن أبناء الطائفة الشيعية بأنه سيبقي على حرية ممارسة الشعائر الدينية لهم ويحفظ حقوقهم كمواطنين.

وانتهى المشوار بالحديث عن العوامل المؤثرة للمساعدة على استقلال دول المنطقة ومن بينها دولة البحرين.

وقد لعبت الكثير من التطورات في تسريع الحصول على الاستقلال، نذكر منها على الصعيد المحلي: تراكمات النضال وخصوصا هيئة الاتحاد الوطني في منتصف الخمسينات وانتفاضة مارس 5691م، والتحركات العمالية والطلابية في 8691م، وتزايد النضال المنظم.

وعلى الصعيد الإقليمي: طرد الاستعمار من اليمن الجنوبي على يد الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن، حصول الكويت على الاستقلال في العام 2691م، تصاعد الثورة العمانية في ظفار والخوف من انتشارها.

وعلى الصعيد العالمي لعب المد الجارف لحركات التحرر وتحقيق الانتصارات في مواقع عدة من العالم الدور الحاسم في انهيار منظومة الاستعمار بشكلها القديم.

غير أن المحاضر تناسى في هذا المجال أحد الروافد الرئيسية لتأجيج الحركات الوطنية ضد الوجود البريطاني في منطقة الخليج والبلاد العربية، هذا الرافد الذي يعد - حسب اعتقادي - حجر الرحى في قيام هذه الحركات وهو ثورة 32 يوليو برئاسة جمال عبدالناصر الذي كان له الدور الأبرز والأهم في احتضان هذه الحركات، ودعمها إعلاميا وحتى ماديا ومعنويا.

ثم أنهى هجرس محاضرته بحديث يفتح شهية أصحاب الفضول للتعرف على من كانوا يلبسون طاقية الإخفاء، ويعملون بالسر ممن كان لهم دور فاعل في إزعاج الإنجليز مما دعاهم إلى الخروج، وإنهاء وجودهم العسكري ليبقوا مسيطرين على مقدرات الاقتصاد من دون استفزاز شعوب المنطقة بتواجدهم العسكري إذ تحدث عن الحركات السرية إبان حكم الاستعمار، وقد أسمى المحطة الأخيرة في محاضرته بالحركات السرية في البحرين، فبدأ بالحديث عن الحركة الأولى، وهي جبهة التحرير الوطني البحرينية التي تأسست في فبراير/ شباط 5591م إذ قال:

«لقد تأسست جبهة التحرير الوطني في الخامس عشر من فبراير العام 5591م وكأول حزب يساري تقدمي في البحرين والخليج يحمل مفاهيم بناء مجتمع جديد خال من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، واختير الاسم تيمنا بجبهة التحرير الوطني في الجزائر وجاء تأسيسها في غمرة النضال الوطني التي كانت تخوضه حركة هيئة الاتحاد الوطني ضد الاستعمار البريطاني، إذ شارك الكثير من مناضلي جبهة التحرير في أنشطة وفعاليات الهيئة، ورفعوا الشعارات الوطنية المناهضة للاستعمار البريطاني للمطالبة بالتغيير الاجتماعي والحرية والاستقلال الوطني».

انعقد المؤتمر الأول لجبهة التحرير في داخل البحرين وانتخب قيادة في العام 9591م، واستطاع أن يضع أول برنامج وطني من خمسة عشر هدفا، وكان عنوانه برنامج الحرية والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي والديمقراطي، صدر في العام 2691م، ولعبت نشرته السرية (الجماهير) دورا بارزا في تحريض الجماهير ضد الاستعمار البريطاني، والمطالبة بالحرية والاستقلال والديمقراطية، كما كان للجبهة دور كبير وهام في انتفاضة مارس العام 5691، جنبا إلى جنب مع فصائل القوى الوطنية البحرينية التي رفعت شعارات معادية للاستعمار البريطاني وشركة بابكو.

ثم تحدث ضمن الحركات السرية عن حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب فقال:

«في العام 8591 تم تأسيس فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في البحرين، كما تم تأسيس فرع لحركة القوميين العرب في البحرين العام 9591م، إثر عودة بعض الطلبة البحرينيين الدارسين في بيروت، والذين كانت لهم علاقات تنظيمية مع أعضاء الحزب والحركة في خارج البحرين».

بالإضافة إلى هذه التنظيمات كانت هناك الكثير من التنظيمات الصغيرة ذات الطابع القومي التي كانت منتشرة خصوصا في أوساط الطلاب مثل جبهة تحرير الخليج وجبهة الخليج وجبهة تحرير شرق الجزيرة العربية والحركة الثورية في عمان والخليج العربي.

وبعد هزيمة 7691م حدثت تحولات فكرية في صفوف حركة القوميين العرب نحو اليسار في الوطن العربي وكذلك الحال بالنسبة إلى البحرين وباقي الخليج العربي إذ توحدت في أواخر الستينات وبداية السبعينات الكثير من المنظمات القومية في إطار الحركة الثورية في عمان والخليج العربي، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي وفي العام 4791 تم الانفصال عن الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، لتعرف باسم الجبهة الشعبية في البحرين.

وهناك كتابان مهمان كان من الواجب ذكرهما ضمن المراجع التي استشهد بها المحاضر هما: دراسات في تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر لعباس الخصوصي، وتطور الاستراتيجية الأميركية في الخليج العربي لفؤاد شهاب.

الصــور مأخـــوذة من كتـــاب الشــيخـــة مي آل خليفة «تشارلز بلجريف السيرة والمذكرات».

العدد 379 - الجمعة 19 سبتمبر 2003م الموافق 23 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً