العدد 379 - الجمعة 19 سبتمبر 2003م الموافق 23 رجب 1424هـ

التقريب بين المذاهب الإسلامية ضرورة ملحّة لمستقبل أفضل

في مناسبة انعقاد مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية

فريد المفتاح comments [at] alwasatnews.com

.

اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه أن يجعل الناس مختلفين في ألوانهم ومداركهم، ولكن الله عز شأنه لم يرد أن يكون هذا الاختلاف بين الناس مدعاة إلى النزاع والشقاق، بل جعله دافعا إلى التآلف والوئام. وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» (الحجرات: 31). فهذه الآية الكريمة تلفت نظر الناس جميعا إلى حقيقة ثابتة لا جدال فيها وهي وحدة الأصل الإنساني، ثم بين القرآن أن الله أراد أن يجعل من ذرية آدم شعوبا وجماعات مختلفة: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم» (هود: 811). ولكن هذا الاختلاف الذي هو حقيقة واقعة لاشك فيها ينبغي أن يكون محركا للناس نحو التعاون والتآلف والتقارب والتعايش، كما تشير الآية الكريمة «لتعارفوا». وهذا التعارف من شأنه أن يكون مبنيا على الاحترام المتبادل والفهم المتقارب ومؤديا إلى التعايش المشترك فيما فيه خير الجميع.

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة إلى الناس - كل الناس - على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأديانهم وحضاراتهم، فمن باب أولى أن يكون ذلك شأن الأمة الإسلامية التي ينبغي عليها أن تضع ذلك في اعتبارها، وفي مقدمة أولوياتها. فقد أراد الله تعالى لها أن تكون أمة واحدة: «إن هذه أمّتكم أمّة واحدة» (الأنبياء: 29). تضم تحت جناحها مختلف الشعوب التي تدين بالإسلام على رغم تنائي الديار واختلاف الألسنة والألوان. فهذه أمة لها أهداف واحدة، تعبد ربا واحدا، ولها قرآن واحد، لم يختلف عليه أحد من أبنائها، ولها قبلة واحدة، يتجه المسلمون جميعا إليها في صلواتهم، وتهفو إليها أرواحهم في حجهم إلى بيت الله الحرام، وفضلا عن ذلك فالجميع متفقون في أصول الإيمان وأركان الإسلام، وفي كل ما علم من الدين بالضرورة.

ولكن طبيعة الأمور تُبَيِّنُ أن لكل فرد ذاتيته وشخصيته المستقلة، والناس - كما سبق أن أشرنا - مختلفون في نواحٍ ظاهرية خفية ومن هنا تختلف وجهات النظر فيما بينهم. وهذا أمر لا بأس به طالما ظل هذا الاختلاف محصورا وفي إطار الأمور الفرعية القابلة للاجتهاد المشروع، ولا يجوز لمثل هذا الاختلاف أن تكون له آثار سلبية تتسرب إلى قلوب المسلمين فتفسد تآلفها، وتزرع فيها التناحر والتخاصم، وإلا أصبح الخلاف شرا. وهذا ما حذّر منه النبي (ص)، حين قال: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، ومن هنا ينبغي على المسلمين أن يجتمعوا على ما اتفقوا عليه، وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه.

وإذا كان اختلاف وجهات النظر في الأمور الفرعية أمرا جائزا في إطار مبدأ الاجتهاد الإسلامي المشروع فليس هناك مبرر على الإطلاق أن تصبح هذه الاختلافات الفرعية عقبة كأداء في طريق تحقيق وحدة الأمة الإسلامية، فقد أمرنا الله المولى عزّ وجل أن نعتصم بحبله المتين: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا» (آل عمران: 301)، ونهانا عن أن نبدد جهودنا وطاقاتنا، لأن هذا لن يخدم إلا أعداء الإسلام: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» (الأنفال: 64).

وليس هناك مسلم مخلص لدينه يقبل أن يكون عنصرا يخدم أعداء الدين، ومن هنا ينبغي على عقلاء الأمة وعلمائها أن يعملوا على توحيد الكلمة، ورصّ الصفوف، وبذل الجهود المتواصلة في سبيل إزالة العقبات التي تعترض طريق الأمة نحو التقدم والازدهار.

ومن هذه العقبات تلك الآثار السلبية للخلافات المذهبية بين طوائف المسلمين من سنة وشيعة وأباضية وغيرها، هذا ناهيك عن الخلافات المذهبية والحزبية والفكرية المعاصرة داخل إطار كل طائفة من طوائف المسلمين، وقد آن الأوان لأن تختفي مظاهر هذا الخلاف التاريخي، وتزول عوامل النزاع والشقاق والتفرق، ولسنا نقصد بذلك أن يتغلب مذهب على مذهب أو أن ينتصر فريق على آخر، فالقضية أكبر من ذلك بكثير. إنها بالدرجة الأولى قضية الإسلام باعتباره دينا عالميا، «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء: 701)، وقضية الأمة الإسلامية التي: «تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، كما تنبأ بذلك رسول الله (ص)، وكما هو واقع أمام أعيننا في عالم اليوم، فحقوق المسلمين في كل مكان مهضومة، وحريتهم مصادرة، وأعراضهم في مناطق عدة منتهكة ومهدورة، وأراضيهم مغتصبة، ودماؤهم تراق ليل نهار ظلما وعدوانا، وهم عاجزون عن فعل شيء غير الشجب والاستنكار والإدانة، بل حتى هذه الألفاظ ما عادوا يستخدمونها، واكتفوا بالتزام الصمت المطبق، خشية أن تدور الدائرة عليهم!

ومن هنا فإن المسلمين اليوم في أشد الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى توحيد كلمتهم، ورصِّ صفوفهم، وتنسيق جهودهم، ودفن خلافاتهم، على جميع الأصعدة، لأن قضيتهم في عصرنا الحاضر قضية مصيرية، هي أن يكونوا أو لا يكونوا.

وفي هذا الوقت الذي ألمحنا إلى ما يحمله للمسلمين من أخطار وأهوال، يسعدنا، ويبعث الأمل فينا أن نرى سعيا مشكورا، وجهودا جبارة عظيمة تبذل لاحتواء هذه القضية المصيرية المهمة، من جانب عدة دول، كجمهورية مصر العربية وجمهورية إيران الإسلامية، وأخيرا مملكة البحرين التي يقام فيها هذه الأيام مؤتمر التقريب بين المذاهب الاسلامية، برعاية سامية من شخص ملكها حفـظه الله ورعاه، الذي دعا إلى عقد هذا المؤتمر المهم، والذي ينبئ ويشير إلى إصرار وعزم مملكة البحرين قيادة وشعبا على الإسهام والمشاركة ووضع الاستراتيجيات الفعالة لمعالجة هذه المعضلة، التي تهدد كيان الأمة الاسلامية، إن لم تُتَدارك وتحتوى، ألا وهي أزمة الخلاف الطائفي بين جماعات وطوائف المسلمين.

حتى نثبت للعالم أن بإمكان مجتمع البحرين على اختلاف أطيافه وطوائفه ومذاهبه، أن يُقدّم بوصفه نموذجا فذا، ومثالا فريدا من نوعه يحتذى به، في تعاون أفراده وتكاتفهم وتعاضدهم، وقدرتهم على التعايش تحت وطن واحد، وأنهم يملكون من الوعي والإدراك ما يجعلهم يتغلبون على مصالحهم الشخصية، ويتجاوزون خلافاتهم وانتماءاتهم المذهبية، ليعيشوا وينشغلوا من أجل ما هو أهم وأعظم من ذلك، ألا وهو وحدة الأمة الاسلامية، وتماسك المجتمع، ووحدة الوطن، والعمل من أجل مصير واحد، وهمٍّ واحد، ومصالح مشتركة، يعود نفعها على الجميع.

وما يميز هذا المؤتمر استضافته عددا كبيرا من الشخصيات العلمية المرموقة والمعروفة على مستوى العالم، من مختلف الطوائف والمذاهب الاسلامية الشهيرة، ذات الاهلية العالية، والكفاءة العالية، من سنة وشيعة وأباضية، يجتمعون لبحث جوانب ومحاور هذا الموضوع الحيوي المهم. ومن هنا فإننا نثمن هذه الجهود المخلصة، ونحيي دعوة التقريب بين مذاهب المسلمين. لأن هذا من شأنه أن يجدد الأمل في النفوس فتنطلق همم المسلمين لتتغلب على خلافاتها، لنصل بأمتنا إلى بر الامان وشاطئ السلام، وإلى ما فيه عزها ومجدها، وإحياء الآمال في إعادة بناء وحدة الأمة، وبذلك نشد من أزر بعضنا بعضا، ونقوي أواصر الاخوة والقربى والتلاحم فيما بيننا: «فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، كما أخبر بذلك خير البرية.

ولكي نستطيع أن نُفَعِّل مثل هذه المؤتمرات، وأن نخرج منها بنتائج ايجابية، تؤتي ثمارا يانعة طيبة، يعود نفعها على الجميع، لابد من إفساح المجال أمام الشباب، للمشاركة في حضور فعاليات وندوات هذه المؤتمرات، لأنهم هم المعنيون بالدرجة الأولى بالاطلاع على هذا الموضوع المهم، وفهم أفكاره واستيعاب جوانبه، فمن المهم أن تؤخذ رؤاهم وتصوراتهم، وأن يترك المجال أمامهم للحوار والنقاش، لذلك ينبغي ألا يُقتصر في حضور هذه المؤتمرات على ذوي الشأن من المختصين والعلماء والمفكرين فقط، وإنما يجب دعوة قطاعات من المجتمع وخصوصا الشباب والشابات كي تشارك، وتقول كلمتها، بكل وضوح وشفافية، وانه من الأهمية بمكان أن يجد الشباب والشابات القلوب الكبيرة والصدور الواسعة لسماع رأيهم، وتفهم قناعاتهم، ومناقشتها ومحاورتها، حتى يحصل لهم الإدراك والوعي بهذا الموضوع الخطير، وبذلك نستطيع أن نخطو بهذه المؤتمرات خطوات جادة وجريئة نحو تحقيق أهداف الأمة والوطن في العزة والرقي والتقدم والتحضر والازدهار، ليتحقق لنا الوعد الإلهي الذي تعبر عنه الآية الكريمة: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا» (النور:55).

العدد 379 - الجمعة 19 سبتمبر 2003م الموافق 23 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً