الصحافة ليست خبراً أو تحقيقاً. وما دامت كذلك، فهي أيضاً ليست مقال رأي أو مجرَّد «فضيحة جنسية». قد تكون تلك الأشياء من أدواتها ومعالمها وفنونها، إلاَّ أنها ليست ذلك وحسب، بل إن أصل وجودها قد تطوَّر من «الإعلام بالشيء» إلى جعل ذلك الشيء «مشكِّلاً للرأي العام» الذي بدوره يقول كلمته كونه سلطةً معنويةً، تُحاسِب السلطات المادية، القائمة في جسَد الدولة.
وعندما تتحوَّل الصحافة إلى «رأي عام» و»سلطة معنوية» تمارس رقابةً على التنفيذ والتشريع والقضاء، فذلك يعني أنها شريك أساسي في تطوُّر الناس ومشروعاتهم. وبالتالي، فهي ليست رقماً أو وزناً زائداً على الحمولة. كما أنها ضمن هذا الاعتبار، تقوم بمقام الحواس، التي بها نبصِر ونسمع ونشم ونتذوق ونتلمس. وعندما تغيب هذه الحواس، نفقد السيطرة على الأمور.
من أكثر الأشياء تشويهاً للصحافة، هو إبعادها عن مسيرة التجارب السياسية.
فهذا التَّسْيَار السياسي، إذا لم يكن مقترناً بالصحافة الحرَّة، فلن يكون هناك صَدَى للإصلاح مطلقاً، لأن الوظيفة الأساسية للصحافة، في تطوُّر العمل السياسي، هي أن تضع علامات المسير، وتؤشر إلى منعطفاته الحادة، وتكشف عن مَنْ يريد أن يُؤخّر ذلك المسير الجماعي، أمام السائرين فيه. بل هي تتجاوز حتى مرحلة إصلاح النظم، لتبقى ملازمةً لعمل الدولة، حتى في حالة استقرارها.
عندما نرجع إلى التجارب السياسية عبر الزمن، سنجد أن الصحافة كانت سبباً رئيسياً في التصويب، والحَثِّ على ما يجب فعله. بل وفي أحيانٍ لا تُعَد، كانت وسيلةً لاستثارة الهِمَم ضد الديكتاتوريات السياسية. فعند الإغريق، كانت كتابات سوفوكليس، وبلوتارخ، وأيسوب. وعند الرومان، كانت كتابات شيشرون، وماركوس أوريليوس، مداخل مهمَّة للإصلاح السياسي حينها.
أما في التجربة الأوروبية، فقد ارتبطت الصحافة بأسمى العلوم الفلسفية والسياسية، لتؤثر على أشكال النقاش الذي كان يتولَّد نتيجة الصراعات السياسية باتجاه الإصلاح، وإخراج تجارب الدولة من المطلق إلى المحدَّد، ومن الشعار إلى الشعور. فظهر فرانسيس بيكون وبول فاليري وغوتولد لسينغ وجورج سانتايانا، وجوزيف أديسون وآرثر كلارك، وفولتير وألبير كامو.
وعندما ندرك أن أولئك النفر (وغيرهم كُثُر) لم يكونوا أفراداً عاديين في مجتمعاتهم، فهذا يعني أن مكانة ما كانوا فيه لم يكن أمراً عادياً.
بالتأكيد، ليست العبرة في كونهم كتّاباً أو صحافيين أو شعراء، بقدر ما هو انسجامٌ ما بين الفرد وسلوكه. فقد يكون كاتبٌ وصحافيٌ لكنه معينٌ للشر كموسوليني، أو فيلسوف لكنه مشايعٌ للسلطة المطلقة كلويس دو بونال أو دو شاتوبريان.
في كل الأحوال، فقد بقِيَت الصحافة، العنوان الأبرز لأوروبا. فقبل 543 عاماً، ظهرت الصحافة اليومية في ألمانيا. وقبل 383 عاماً صدرت أول صحيفة في فرنسا. ورغم أنها كانت تخدم القصر، إلاَّ أنها كانت المدخل للتطورات التي أشعلت الثورة. وقبل 311 عاماً بدأت الصحافة في إنجلترا تظهر. أما في الولايات المتحدة، فإن عهدها بالصحافة، قد سبق حتى استقلالها، حيث ظهرت فيها صحيفة «بوسطن نيوزليتر» قبل 310 أعوام، وكانت سبباً في حرب الاستقلال عن إنجلترا. وربما كانت قضية الناشر الصحافي جون ثيتر زينتر، إحدى أهم علامات ذلك التأثير الصحافي.
أسوأ ما يتخيَّله المرء، هو أن تتحوَّل الصحافة، من موقع «الدفع»
بالتحديث السياسي والتشجيع عليه، إلى وظيفة «الشَّد العكسي» للإبقاء على تخلُّف الدولة والنظام، والإبقاء على كلّ معالم التمييز، والاستئثار بالثروة وغياب العدالة الاجتماعية والسياسية، والمحافظة على ما هو كائنٌ من زَيْف بيروقراطي متخلف، ليسجِّلوا على أنفسهم أنهم كانوا شركاء في «الجريمة».
إن هؤلاء ليسوا من الصحافة في شيء، بقدر ما هم إحدى وظائف السلطة، التي تستعين بهم كما تستعين بالفتوى الدينية لتعزيز مكانتها الاجتماعية، أو بالطوائف للاستقواء على المطالبات بالإصلاح.
نعم، هذه ليست صحفاً، وهؤلاء ليسوا بصحافيين، حتى ولو تعلّموا تقنيات الصحافة؛ لأنهم لم يعودوا قادرين، على جعلها ومهنتها في حالة انسجام طبيعي، هذا الانسجام الواجب تحققه في كل مهنة وفكرة وسلوك، لكي يتناسب الشعار مع الشعور به.
لقد كان الألماني جوزيف منغيل طبيباً حاذقاً، وعالماً بلا منازع في مجاله، لكنه اليوم غائبٌ عن ذاكرة الطب العالمي وإسهاماته. والسبب، أنه كان أداةً في يد الفوهرر والنازية ومخيلتها، ونظرتها للأشياء، ومن ضمنها ممارسة الطب.
لا يُمكن أن يُقال، أن منغيل، كان عليماً بالزراعة الجينية، دون أن يغفل المؤرّخون، ما فعله في معسكرات الغاز، التي راح ضحيتها الملايين من الناس، وأيضاً التجارب القاسية التي أجراها على الأطفال الألمان وأعضائهم، للوصول إلى نتائج محددة، تخدم نظرية «أفضلية»
الجرمانية ضد غيرها من الأعراق، وفقاً للعقيدة النازية المتجبِّرة.
أكثر من ذلك، فإن بعض «أدعياء الصحافة» ذهبوا أبعد من «الشَّد العكسي» في السياسة، لينتقلوا إلى العبث بأنوية المجتمع وتناقضاته، وبثّ الكراهية العرقية والطائفية بين الناس، وأبناء الوطن الواحد، وكأنهم يعيدون تجربة صحيفة «دير ستورمر» إبان عهد هتلر، والتي كانت تحرِّض على الأعراق، وتضعهم في مراتب متباينة، طبقاً لهوى الرايخ الثالث، في الاعتداد بالعرق الآري، ضد أغياره من الأعراق الأخرى، فكانت تخصص الملاحق تلو الملاحق لضرب الوحدة الاجتماعية والتئامها، وبالتحديد لضرب الاجتماع اليهودي المسيحي، عند كل عيد فصح سنوي في ألمانيا.
خلاصة القول، إن الإصلاح السياسي متعدد الاتجاهات، والتي تعتبر الصحافة أحد تلك الاتجاهات «الضرورية»، بالضبط كما هو حال الاقتصاد والصناعة والاجتماع. وإذا ما اختلَّت هذه المعادلة، فمن الطبيعي أن يهتز الإصلاح السياسي ويتعثِّر؛ كونه سيفقد أحد حواسِّه الأساسية، التي بها يستطيع أن يقيس حركة تطوره، ومواطِن القصور فيها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3782 - الأحد 13 يناير 2013م الموافق 01 ربيع الاول 1434هـ
هذه ليست صحف
هذه ليست صحف وإنما مكاتيب ولاء يومي . ولولا وجود اسم الله في أخبارها لجعلناها سفرة للغذاء يوميا . أوفر لينا
نحن وهم
الصحافة الامريكية أسقطت رئيس البيت الأبيض بعد فضيحة أشرطة تنصت ونحن هناك تتعبد بالأسماء رغم فضائح القتل والسرقة!!!!!!
ما هكذا تورد يا سعد الإبل ,,
لقد نزعت يا أخ محمد الكثير من أوراق التوت كما يقال عن بعض الصحف والصحفيين وأنت تعطي أهمية لدور الصحافة المعنوي والرقابي، ودورها أيضاً في تطور الناس ، ووضع علامات المسير لبلوغ الهدف النبيل ، لنجد أنّ بعض الصحف ليس لها فقط دور شد الحبل العكسي والعبث غير المسؤول بأكبر شرائح المجتمع وذلك بما تطرحه من تكرار ساذج ينم عن عقلية ثقافية متدنية تساهم في مزيد من التجهيل والتغفيل لبعض القراء بما تكرس له من حقد دفين معروفة للجميع أسبابه ودوافعه .
الصحافة هي اداة لاطلاع العامة على ما يحصل
نوع من القاء الحجة على الناس ولكي تبرز القضية وتبرز حقيقتها ثم يمتحن الله عباده حسب موقفه من العلم الذي بلغه ووصل اليه فالصحافة رسالة مهمّة يجب ان تنقل الحقائق من دون خوف حتى تنقل للمجتمع ما عليه ابداء الرأي فيه لذلك يجب ان تكون حرّة ونزيهة وغير خاضعة للمال والجاه.
مسؤلية الكلمة عظيمة ومحاولة شراء ذمم الصحفيين اقبح ما يكون
يهان الشيعة او السنة في أعلامنا وصحافتنا
في الاعلام المقروء والمرئي و المسموع المحلي الرسمي او التابع لتيارات معينة اذا يهان السنة او الشيعة أو أي طائفة دينية و يشكك في عقائدهم ووطنيتهم فان هذا الإعلام شوفيني وقح