العدد 3771 - الأربعاء 02 يناير 2013م الموافق 19 صفر 1434هـ

أم الثورات الكبرى

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الثورات ليست أحداثاً عابرةً في التاريخ، فكل ثورةٍ كبرى تتناسل منها ثورات أخرى، تستلهمها وتتلمس خطاها، لتعيد صياغة تاريخ البشرية من جديد.

وجدنا ذلك في فجر الإسلام، وفي ثورات العصر الحديث، الفرنسية والأميركية والروسية، وما اختتم به القرن الماضي وابتدأ به القرن الجديد من ثورات. كل ثورةٍ تتوالد منها ثوراتٌ أخرى.

والثورة ليست هوايةً ولا شغفاً بالمغامرات، ولن تجد شعباً أو مجموعةً بشريةً نامت واستيقظت صباحاً لتعلن الثورة من باب الترفيه عن النفس، وإنّما هي الملجأ الأخير حين يفيض الكأس بطعم الحنظل. فالثورة درب آلامٍ ونزفٍ وجراح، طلباً للكرامة، ورفضاً للظلم والقهر والتمييز والاستئثار.

في مثل هذا اليوم، الأربعين من صفر، يزحف كلّ عامٍ ملايين البشر نحو كربلاء، بقعة من الأرض احتضنت قبل أربعة عشر قرناً، ثلةً من الثوار النبلاء. عددهم يتراوح بين مئةٍ ومئةٍ وخمسين لا أكثر، لكنهم تركوا في الدنيا دويّاً ظل يتردد عبر القرون. قبورهم في الأرض كساها عشّاقهم بسبائك الذهب، وأسماؤهم معلّقةٌ بالملكوت الأعلى.

إنها الثورات التي تعيد صناعة التاريخ. بعضها ثورات فكرٍ قادها مفكرون مصلحون، وبعضها ثورات كفاح ضد الاستعباد قادها المستَعبَدُون، وأعلاها شأناً ثورات قادها أنبياء وأبناء الأنبياء، ومن هذا النوع كانت كربلاء.

لم يعد التاريخ الإسلامي بعد كربلاء كما كان قبلها، فقد غيّرت كربلاء مسار هذا التاريخ، ومنعت أن تتحول الرسالة الخاتمة إلى امبراطوريةٍ تغطي سوءاتها بأثواب الكهنوت.

المفارقة الكبرى أنه بعد نصف قرنٍ من رحيل صاحب الرسالة؛ استطاعت قوى الثورة المضادة استرجاع نفوذها، والعودة إلى قمة الهرم السياسي. تؤيّدها في ذلك طبقةٌ نهِمَةٌ من رجال الدنيا والدين، التي تستبيح كل محرّمٍ من أجل الأعطيات.

الثورة فجّرت هذا الواقع، وأعادت رسم معالم الطريق من جديد. لم يمضِ عامٌ إلا وقد بدأت تتفجّر الثورات في أنحاء الدولة الاسلامية، بدءًا بالحجاز، حيث أرسل الخليفة جيشه مرّتين لإخمادها، فاستباح حرمة مكة المكرمة وضرب الكعبة بالمنجنيق، واستباح في الثانية دُور الأنصار في المدينة المنورة، وهتك أعراضهم، وفرض عليهم البيعة بأن يكونوا عبيداً للخليفة الأموي.

كان متوقعاً أن تُعمّر الامبراطورية الأموية، باندفاعتها وعنفوانها، قروناً، لكنها ارتكبت تلك الخطيئة القاتلة. فلم تهدأ الأرض تحت أقدامها، وظلت تعاني من الاضطرابات والثورات، التي كان يسمّيها المؤرخ الرسمي القديم بـ «الفتن». ثوراتٌ أخذت تتوالد في أطراف الدولة وفي قلبها، ومن يقرأ كتاب «مقاتل الطالبيين»، يدرك مدى اتساع الرقعة الجغرافية التي اجتاحتها هذه الثورات. هذا ولم يكن الكاتب أبوالفرج الاصفهاني شيعيّاً ولا علويّاً، بل أموي النسب، ولد في أصفهان ونشأ وتعلّم في بغداد، وجدّه هو آخر خلفائهم، مروان بن محمد الملقب بالحمار.

الامبراطورية التي كان مقدّراً لها أن تعيش قروناً، كما حدث لاحقاً مع العباسيين والعثمانيين، لم تكمِل قرنها الأول، فسقطت وهي لم تبلغ تسعين عاماً. بينما الثورة التي حاولوا سحقها، تعالت شعلتها حتى عمّت مختلف أرجاء الأمبراطورية، فلم يطلع القرن الثالث حتى كانت هناك عدة دول تتبنى طروحات أهل البيت النبوي، كالحمدانيين والبويهيين في الجزيرة والعراق، والزيدية في اليمن، والعلوية في الديلم وطبرستان، والفاطميين في مصر وشمال إفريقيا، والأدارسة في المغرب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3771 - الأربعاء 02 يناير 2013م الموافق 19 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 2:54 ص

      من تايلند

      مادام هناك مطالب لن يضيق الحق المسلوب ولكن يتطلب دفع ثمن غالي وهو التضحيه بدم والروح والعرض كما حدث في واقعة كربلاء المقدسه لاستحقاق الحق وهذا مايدفعه شعب البحرين اليوم لاسترجاع حقه.

    • زائر 11 | 2:09 ص

      من كربلاء المقدسة

      ملهم الاحرار الامام الحسين لا يقتصر علي لون او دين او مذهب. فالتاريخ يشهد كم من عظماء التحرر في شتى بقاع الارض في العصر الحديث استلهم من ثورة الحسين فنتصر .

    • زائر 10 | 1:50 ص

      هكذا هو الحسين عليه السلام

      ثورة الحق باقية تزلزل عرش الطغاة ولهذا هي محاربة تارة باسم محاربة الارهاب وتارة بمسمى محاربة الفتنة وعناوين براقة لكنها كلها محاولة من المستكبر كي يمييع ويجيير ويغوي لمصلحة الحكم الجائر .. وقد قالوا ما قالوا عن ثورة الحسين . . وبقيت هي الخالدة وما دونها سراب ، فعطش البشرية للحقيقة والانسانية ظل هو الهاجس الذي يدفعهم لسبر ثورة الحسين حتى يومنا هذا .

    • زائر 9 | 12:59 ص

      عظم الله اجورنا واجوركم

      سلام الله على عيونك حبيبي ياحسين
      ونحن للموت عشاق الحسين

    • زائر 8 | 12:45 ص

      حتى لا يسكت عن الحاكم الظالم وان كان مسلما جاءت ثورة الحسين لهذا الهدف

      رسالات السماء تكشف النفاق وتكشف زيف وفبركات الحكام ايا كانوا وبعد ان حاول البعض ايجاد مبرر للحاكم ان يظلم باسم الاسلام جاءت ثورة الحسين لتقول لا.
      لا لن يكون هناك ظلم باسم الاسلام من يظلم يتحمل تبعات ظلمه ولا يحاول الصاقه بدين ولا مذهب.
      الامويون كانوا يحاولون تعمية المسلمين عن معرفة الباطل فيحاولون التلبيس عليهم وبذلك تختلط امور المسلمين عليهم فلا يعرف الحق من الباطل وثورة الحسين اوضحت الحق والباطل جيدا وفصلت بينهم حتى لا يعمّى على الملسلمين

    • زائر 7 | 12:26 ص

      ليس الصبح ببعيد

      وعد الله ستملئ الارض عدل كما ملئت جورا .

    • زائر 16 زائر 7 | 1:36 م

      في الصميم

      نعم أخي العزيز عدلاً كما في الجمهورية الاسلامية الايرانية

    • زائر 5 | 11:58 م

      الحسين ثورة للاصلاح

      ثورة الامام الحسين تجسدت فيها اسمى معاني الاخلاص والتضحية في سبيل كرامة الانسان وتجلى من خلالها مدى بشاعة الظلم والجبروت لذلك ماحيينا لن نرضى بغير الكرامة طريق

    • زائر 2 | 11:03 م

      راية الحق

      ستبقى راية الحق خفاقه رغم انوف البغاة والظالمين وان الله منجز وعده ولن تبقى لظالم رايه وهذه راية الحسين االتي هي راية جده (ص) ستبقى وتسلم الى صاحبها مهما حاول الظالمين في كل زمان ان يكسروها وان راية الحق ستعلوا وتبقى خفاقه حتى يرث الله الارض ومن عليها

اقرأ ايضاً