إن إقامة مؤتمر للتقريب بين المذاهب الاسلامية في البحرين في الفترة ما بين 02 و22 سبتمبر/ ايلول خطوة جميلة هي بلا شك في الاتجاه الصحيح، ونتمنى أن تكون بادرة وحدوية وتفعل في مؤتمرات ايضا في دولنا العربية فلا يوجد أجمل من الوحدة الاسلامية وأفضل منها، خصوصا اذا كانت خالية من الرتوش.
فنحن في مرحلة حساسة بحاجة إلى احتضان العقل ونبذ كل صور التطرف والتكفير وإلغاء الآخر بحجج احتكار الجنة وفردية توزيع الصكوك وامتلاك الحقيقة المطلقة في الاجتهادات الجزئية.
وللإمام حسن البنا كلمة رائدة في ذلك إذ قال: «علينا ان نتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه».
وكانت هناك دعوات كبرى لأئمة كثيرين امثال الشيخ المظفر ومغنية وشلتوت ممن حملوا على عاتقهم دعوات التقريب بعيدا عن لغة الاقصاء والتكفير.
ولعل كتاب الشيخ القرضاوي «الصحوة الاسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم» - طبعة دار الشرق - من خير ما كتب في ذلك.
المتتبع لكتب المذاهب الفقهية للمسلمين يجد فروقا كبيرة في العبادات والمعاملات في الاحكام الفرعية والاجتهادية، وفي المذهب الواحد يوجد أكثر من اختلاف وهذا يدل على التنوع والعطاء وعبقرية البحث، وهو ظاهرة ثقافية صحية، فكما جاء في «أسهل المدارك» و«القوانين الفقهية» وغيرهما من كتب الفقه السني امثال «كشف القناع» نجد الاختلاف بين المذاهب الاربعة في احكام فقهية كما في تفسير «او لامستم النساء» أو في احكام الاعتكاف وشروط صحته ما بين المذاهب الشافعي والحنبلي والمالكي، وغيره وهو دليل قوة وليس ضعفا، فالاختلاف الفقهي موجود في كل المذاهب والديانات.
كذلك نجد الاختلاف ذاته في الرسائل العملية ما بين الشيعة انفسهم كما في رسالة الامام الخميني «تحرير الوسيلة» و«منهاج الصالحين» للسيد الخوئي و«فقه الشريعة» للسيد محمد حسين فضل الله.
هذا على المستوى النظري. وما نحتاج إليه باعتبارنا دولا اسلامية ومنظمات واحزابا هو تطبيق الوحدة على الارض عمليا وذلك بنبذ كل تمييز طائفي اثني والتطلع إلى مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة تماما كما هو معمول به غربيا في تطبيق مبدأ المساواة على مستوى الادارات والوظائف، فكل دولة عربية بحاجة إلى بعض آليات الغرب في نبذ العنصرية وترسيخ المواطنة بما يتلاءم مع الدين الاسلامي.
ففي بريطانيا يمتلك مجلس العموم لجنة مساواة (CRE) وهي تراقب مختلف الامور للتأكد من انه لا توجد تقسيمات اثنية بين المواطنين، كما توجد ايضا لجنة تساوي الفرص (EOC) وهي تراقب التعيينات في الحياة العامة وفي الشركات وفي المجالات المختلفة للتأكد من ان فرص التوظيف تتوافر لجميع المواطنين على اسس المساواة.
فإذا اكتمل الوجهان بين مؤتمرات تثقيفية تنظر إلى التقريب وآليات مراقبة تدعو إلى تكافؤ الفرص، تثبت الصدقية وبذلك يبدأ تحلل كل كرات الثلج الاثنية التي حالت دون ترسيخ مواطنة حقيقية ولا يبقى حالنا كمن يصرخ في «خربة» وينفخ في «قربة مقطوعة».
بذلك تتعزز صدقية ما يطرح من شعارات، فمؤتمر التقريب مؤتمر يستحق المدح والثناء وهو خطوة في الاتجاه الصحيح ونتمنى على برلماننا ان يكمل مثل هذه الخطوات بتأسيس آليات كآليات مجلس العموم.
العدد 377 - الأربعاء 17 سبتمبر 2003م الموافق 21 رجب 1424هـ