يقول أحد الخبراء الاقتصاديين المصريين عن الاقتصاد المصري الحالي في ظل قيادة الإخوان، وعن أداء الرئيس محمد مرسي من الناحية الاقتصادية: «الرئيس مرسي يتبع نفس السياسة الاقتصادية للنظام السابق، فقط الفرق الوحيد بينه وبين النظام السابق أنه ليس لصاً».
مع أنه كان من المتوقع من نظام يتحكم فيه الإخوان أن يتبنى فلسفةً سياسيةً تؤكّد الحاجة للبحث عن مظاهر الجور والظلم السياسي والاقتصادي في المجتمع ويجتثها؛ فالراديكاليون، إن كان الإخوان منهم، يبحثون عادةً عمّا يعتبرونه جذور الأخطاء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المجتمع ويطالبون بالتغييرات الفورية لإزالتها، لا أن يسيروا على نهج من سبقهم بالفساد وهم الثائرون عليه علناً ومبشرون بعالمٍ آخر تنتفي فيه كافة مظاهر وجذور الظلم في المجتمع.
فالراديكالية، وهي تعريب للكلمة الإنجليزية (Radicalism)، وتعني «أصل» أو «جذر»، فيقصد بها عموماً العودة إلى الأصول والجذور والتمسك بها والتصرف أو التكلم وفقها. كما وتصفها القواميس السياسية بأنها «كل مذهب محافظ متصلّب في موضوع المعتقد السياسي».
إذن... بما أن الرئيس ليس لصاً ولا راديكالياً متزمتاً، فلماذا لا تتعاون معه المعارضة في قيادة مصر نحو بر الأمان الديمقراطي الحديث؟ وكيف سيحكم الإسلاميون بلدانهم؟
يستند أحد المعارضين عند رفضه لجماعة الإخوان في توليها للحكم، إلى بعض المفاهيم السياسية الأكاديمية حين يقول: «إنهم تنظيم حديدي يقوم على الولاء والسمع والطاعة المطلقة، تماماً كالأحزاب الفاشية والنازية التي أنشأها موسوليني في إيطاليا وهتلر في ألمانيا. وفي حالة الإخوان فإن هذا الولاء المطلق الخالي من التفكير والمنطق، أكثر تشدداً بسبب ما يضفيه قادة الجماعة من بُعد ديني إلهي على منصب المرشد العام، والذي يتعاملون معه كأنه خليفة رسول الله (ص)، والمسئول عن إعادة مجد الأمة الإسلامية. ولذلك لا يتم انتخاب للمرشد، بل تتم البيعة له، وتكون مخالفة قراراته بمثابة الخروج عن تعاليم الله والإسلام»!
ورغم أن قيادة الإخوان تختلف عن الجماعات الإسلامية الأكثر تشدداً، وتحديداً تلك التي تؤمن باستخدام العنف، إلا أن تحالفهم مع السلفيين (حزب النور) الذين يؤمنون بذلك جعلهم أقرب إلى فلسفة الراديكالية الدينية، وهذا ما اتضح في الصدام مع المعارضين من الليبراليين وغيرهم، واللجوء إلى العنف ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في الأيام الماضية بين التصويتين على الدستور. كما بشرت الجماعة السلفية المتشددة جداً والتي تسمّى «حازمون»، بعودة دولة الخلافة الموعودة حين أطلقوا صيحات «واإسلاماه»، ونعوت التكفير والخروج من الملة ضد الصحافيين والمثقفين والفنانين، وليس ضد مغتصبي أرض فلسطين وداعميهم من الغرب.
في النسخة التركية، فإن المجتمع التركي منقسم بين مفهومين للإسلام، أحدهما «إسلام رسمي»، وآخر «إسلام شعبي» إن جاز التعبير.
الأوّل، سمته الأبرز أنه يحمل جرعة زائدة من القومية على حساب أممية دين محمد (ص)، وهذا ما يصبغ سياسة قادة النسخة التركية للإسلام اليوم ممثلةً في أردوغان وحلمه بعودة الإمبراطورية التركية العثمانية.
وتشترك هذه النسخة مع ما تؤمن به القيادات العربية الدينية الجديدة بعد الثورات من ملاحقة رموز الإسلام التي تختلف معها في الطرح والمعتقد، ما سيؤدي لإشعال حروب طائفية، وإخضاع الدين لرقابة السلطات العامة، والتوجّس من أي تسييس للدين شعبياً إلا كان مسيّساً من قبل الدولة.
أما الإسلام الشعبي، فيمارسه الناس تقيةً حيناً، وبالهرب إلى تحت الأرض وداخل المنازل حيناً آخر، أو التعبير عن نفسه في تنظيمات دينية حقيقية لكن خارج تركيا.
لكن الغريب في الأمر، وما اتضح خلال العامين الماضيين من عمر الثورات العربية؛ أن النسخة التركية للإسلام، وتوصف بالمعتدلة، جاء تصرفها تجاه سورية وبقية ثورات الربيع العربية محيّراً في مغازلة التنظيم التركي الأخطر ضد النسخة التركية الحديثة للإسلام، وهو تنظيم «الدولة الفدرالية الإسلامية»، ويعتبر أحد التنظيمات الإسلامية التركية اليمينية المتطرفة.
وهذه المغازلة أوضحت موقف قادة النسخة التركية اليوم من أحداث سورية ومنسجمة مع الأطروحات الأميركية، بتأييدهم للمتشددين الدمويين في المعارضة وليس المعتدلين.
وبعكس سياسة نجم الدين أربكان، المنقلب عليه العام 1997 داخل النسخة التركية للإسلام، الذي كان يرى أن السوق الأوروبية المشتركة ما هي إلا مشروع صهيوني، كاثوليكي يهدف إلى نزع السمة الإسلامية عن تركيا، حاثاً في المقابل على تقارب تركيا اقتصادياً مع الدول الإسلامية بدل الخيار الغربي. نرى سياسة أردوغان العكس تماماً، خصوصاً في مواقفه المتمازجة جداً مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، والكيان الصهيوني بشكل خاص.
ومع ذلك أصبح النموذج الإسلامي التركي مصدر إغراء لعدد كبير من الدول التي تعاني من الإسلام الجهادي والتكفيري، بينما النسخة المصرية التي تحاول التشبه بتلك، ليست على نفس النهج تماماً، وإن كانت اتبعت النموذج التركي لحزب «العدالة والتنمية» في تهميش الدور العسكري للجيش المصري في الشئون السياسية.
فهل تستطيع النسخة المصرية للإسلام مجاراة التركية التي كانت تعتقد بعدم تكفير العلمانية بل ومسايرتها والتماهي معها إن تقيةً أو وصولاً لتخفيف قبضتها على الحكم كما حدث في تركيا، أم أن تحالف الإخوان مع السلف، المتشددين جداً ضد الطوائف الأخرى، وليس مع الليبراليين، سيقلب الأمور رأساً على عقب في المستقبل القريب؟
والأهم، هل ترغب الجماهير العربية في قيادة دينية متشددة كما في حركتي طالبان والقاعدة وتثق بها، أم ترنو لحكم كالنسخة التركية يجمع بين الدين قليلاً والحداثة كثيراً، مما يرضي الغرب، وكفى الله المؤمنين شر القتال؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3768 - الأحد 30 ديسمبر 2012م الموافق 16 صفر 1434هـ