هذه الحكاية التي وصلت كما هي في البريد لا تخص أحداً بذاته وليست موجهة ضد مسئول بشخصه، ولكن في قصص الناس عبرة لكل شخص بذاته ولكل مسئول بشخصه.
يُحكى أنه في إحدى المدن الصغيرة، وصلت رسالة من وزارة التربية والتعليم إلى إحدى المدارس الابتدائية بأن كبير المفتشين (الموجّه التربوي الأول) سيقوم بزيارة رسمية لها. فلم يستقر الحال بمديرها وصار كالمجنون يحاول ملاحقة الوقت لضبط كل أمور المدرسة كما يجب أن تكون من وجهة نظره السيادية. ولكن سيارة المفتش أبت إلا أن تعاكسه في تلك الزيارة الميمونة فتوقفت عن العمل وسط الطريق بسبب عطل في محركها.
ومع أنه كبير المفتشين إلا أنه وقف حائراً أمام سيارته، فهو ليس له علم بميكانيكا السيارات. وفي تلك الأثناء مر تلميذ وشاهد المفتش الحائر فسأله عما إذا ما كان يستطيع تقديم أي مساعدة له في وضعه المتأزم، فأجاب المفتش: وهل تفهم شيئاً في علم السيارات؟ وهنا لم يطل التلميذ الكلام معه بل أخذ الأداة وعمل بجد واجتهاد تحت غطاء المحرك المفتوح حتى انتهى من عمله سريعاً، ثم طلب من المفتش تشغيل المحرك. وهنا فرح المفتش عندما عادت السيارة الى العمل من جديد.
دفع الفضول المفتش لسؤال التلميذ، بعد أن شكره على صنيعه الطيب: لماذا يا عزيزي لست في المدرسة في مثل هذا الوقت من النهار؟ فأجاب التلميذ: سيزور مدرستنا اليوم كبير المفتشين بالوزارة، وبما أنني أكثر الطلبة غباءً في الصف، كما يصفني مربي الصف، فقد أرسلني المدير إلى البيت، ففتح المفتش عينيه وهو يطلق كلمته باستغراب: ماذا؟
هذا هو حال كل من يتعامل مع المنهج المدرسي على أنه كلام مقدس يجب حفظه وتلاوته بشكل دقيق، ومن لا يستطيع ذلك يوصف بشتى نعوت الغباء والبلادة والتكاسل، وينظر إليه نظرة دونية باحتقار، هذا إذا لم يُشهر به بين أوساط الطلبة والأسرة.
وهذه هي حال مناهجنا التي يراد لها أن تتغير سنوياً في خطط لا أول لها ولا آخر على الورق، بينما هي تردد النغمات الكلاسيكية المهترئة نفسها ولكن بثوب عصري من التقنية لا أكثر ولا أقل. والدليل على ذلك أن من يشارك في المدارس في أي احتفال مبوب سلفاً لصالح مناسبة معينة يعطى درجة كاملة في التربية الوطنية، ويعتبر أنه حفظ ونفذ ذاك المنهج بحذافيره وحرفيته ولم يبد أي رأي مناقش أو محاور أو حتى رافض له، ومن لا يشارك تخليداً للمنهج يعتبر غبياً وبليداً وليس مناقشاً محاولاً فهم المواطنة والوطنية ومن يستحق وصفه بها ومن لا يستحق، هذا إن لم يوصف هذا الطالب بصفات أخرى تذهب به وراء الشمس.
فليس فهم المناهج بحفظها وترديدها كالببغاء على مسامع الموجهين التربويين والمفتشين، بل هي مناهج الحرية والإيمان بمحاولة فهم جميع مناهج العلم وما تطرحه سلباً أم إيجاباً، وإبداء الرأي فيها أمام أكبر أو أصغر مسئول. فليس هناك منهج منزل من السماء سوى منهج القرآن الكريم فقط، أما ما سواه فكلها نظريات وآراء بشرية قابلة للصواب والخطأ بنسب مختلفة وليست مقدسة. وما عدد الخبراء المحيطين بالوزير هنا وهناك بدليل على قوة المناهج أو تقدير الإبداعات في المدارس وحسن مخرجاتها بعيداً عن التزلف والنفاق الممنهج أساساً للادعاء بما ليس موجودا على أرض الواقع في المدارس. فحتى الآن لم يوضع كثير من الطلبة في خانة تقييمهم المناسب من خلال اكتشاف مواهبهم وإبداعاتهم منذ البداية ليتم الاستفادة منها في حركة التطور والنمو الصناعي والتقني والثقافي في البلاد. وإلا اذكروا لنا كم مخترع وعالم في الفلك والذرة والأدب وتقنيات الحاسوب تخرج من مدارسنا الحديثة على مستوى الوطن العربي أو العالم وأشير له بالبنان، دون أن يكون للأسرة الأثر الحقيقي لذلك وليس المناهج والإدارات التعليمية التي يشابه الكثير منها مؤخراً إدارة تلك المدرسة الابتدائية التي حكم مديرها ومدرس فصلها على الطالب بأنه غبي وأبعدوه عن رؤية المسئول التربوي القادم من الوزارة.
لاحظوا قياس العلم أين يكمن، في رأي المسئول وليس الطلاب أو أولياء الأمور وهم أساس العملية التربوية. واحكموا بأنفسكم لو أن المدير، الخائف من مسئولي الوزارة دائماً، اكتشف موهبة الطالب بواسطة آليات المنهج، إن وجدت، في إصلاح السيارات حتى ولو كان مقصراً في مواد أخرى، وأحضره أمام المفتش وجعله يصلح إحدى السيارات أمامه. ألم يكن المفتش قد اكتشف بنفسه التجربة وفكر إذا ما كان هذا الطالب الذي يقال عنه مقصراً في مواده الدراسية بهذا المستوى من الإبداع فكيف سيكون مستوى بقية الطلبة؟ وضعوا أمامكم أيها المسئولون التربويون قصة العالم الذري ألبرت آنشتاين، الذي لم يستطع التحدث حتى الرابعة من عمره، والمدرس الذي كان يعلمه قال ان هذا الطفل لن يصبح شخصاً ذا قيمة أبداً ولن يكون إنساناً نافعاً في حياته. فأين أصبح آنشتاين في التاريخ؟ وأين صار ذاك المدرس؟ ولله في خلقه حكم وشئون وشجون.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ
درس
هذه عبرة ودرس ولكن من يعتبر؟
اصبت بمقالك
للاسف الطلبة اصبحو يرددون الكتب كالبغباء ولكن بعد تفريغ المعلومات بالورق تتبخر
الزمن تغير والتدريس لللان اصبح محلك سر مجرد ورق ولايستغل ذكاء الطالب ولاقدراته وعندما يتحدث الطالب يقولون له قف فانت طالب ولاتتحدث وهنا تكثر المشاكل السلوكية نتيجة للضغط والكبت من الكتب ....
سلملم