يعتبر التقدم الحاصل في المجال الطبي مذهلاً بكل المقاييس، وقد اعتمد هذا التقدم الهائل على البحوث الطبية السريرية. على رغم وجود تشريعات تضبط مثل هذه البحوث، إلا أن الكثير لا يعلمون أن بعض التجارب تجرى على المساجين والمحكومين بالإعدام وبعض الفئات المستضعفة في المجتمع كذوي الاحتياجات الخاصة، ما يدعونا للتساؤل: هل الاكتشاف العلمي هو ما يهمنا فقط، أم أن الأسلوب المتبع للوصول لمثل الاكتشاف هو بالأهمية نفسها؟ أي بمعنى أن الغاية النبيلة لا يجب الوصول إليها إلا بالسبل والطرق النبيلة أيضاً؟
هناك أمثلة عديدة في التاريخ البشري على استغلال فئات معينة (كفئران تجارب) في البحوث الطبية السريرية. من العلامات السوداء في تاريخ الإنسانية ما يعرف بتجربة توسكاجي - ألاباما والخاصة بمرض السفلس. يبدأ مرض السفلس بقرحة على الأعضاء التناسلية، فإذا لم تعالج انتقل إلى المراحل المتقدمة والتي تظهر أعراضها بعد سنوات طويلة والتي تتمثل في اضطرابات عصبية تنتهي بالشلل أو الجنون أو العمى، أو بمشاكل في القلب والجهاز الوعائي. قبل اكتشاف البنسلين في الأربعينات من القرن الماضي، لم يكن هناك أي علاج شافٍ لمرض السفلس وكانت الإصابة به تتطور إلى المراحل المتقدمة وتنتهي بالوفاة. في عام 1932، قرر مشفى توسكاجي في ولاية ألاباما ترك نحو 400 رجل أميركي - إفريقي مصابين بالسفلس بدون أي علاج وذلك لأغراض تجريبية وهي مراقبة التطور الطبيعي لمرض السفلس والتأكد من ملاحظة أن اختلاطات المرحلة الثالثة تختلف عند العرق الأبيض عن الأسود. لم يكن هناك أي داعٍ لإجراء مثل هذه التجربة لأن قراءة التاريخ المرضي للسفلس كان كافياً لمعرفة كيفية تطور المرض. لم يخبر هؤلاء المرضى بماهية مرضهم وتركوا ليعانوا الآلام المختلفة وينقلوا العدوى لزوجاتهم وأبنائهم، وذلك لأن أغلبهم جاء من بيئة انتشر فيها الفقر والأمية. لقد خرقت هذه التجربة كل القوانين التي تنظم التجارب الطبية كإعلان هلسنكي مثلاً والتي تنص على معرفة المريض معرفة تامة بمشاركته في البحث. ترك هؤلاء المرضى ليموتوا بلا علاج وذلك من أجل الحصول على جثثهم وتشريحها كما قال أحد الأطباء المشاركين في التجربة (لم نكن نهتم بهم وهم أحياء، كنا نهتم بجثثهم فقط). ما حدث كان فظيعاً بكل المقاييس، فقد مات العديد من الرجال إما بسبب السفلس أو اختلاطاته كما أصيبت نحو 40 زوجة بالمرض ونحو 20 طفلاً بالسفلس الولادي. استمرت هذه التجربة الإجرامية نحو 40 عاماً إلى أن قامت الـ «نيويورك تايمز» بفضحها عام 1972، ورفع ما تبقى من الضحايا قضايا تعويض حصلوا بموجبها على ملايين الدولارات وقدم الرئيس بيل كلينتون اعتذاراً رسمياً لثماني ضحايا كانوا على قيد الحياة عام 1997.
تعتبر قارة إفريقيا أكبر مختبر بشري لشركات الأدوية العالمية وذلك للأسباب التالية: وجود نسبة مرتفعة من الأمراض خاصة المعدية، وجود عوارض عديدة للأمراض لا تستجيب للعلاجات العادية المتكررة، كما إن الفقر الشديد وغياب التجهيزات الطبية يجعل «استعمال» المرضى في قارة إفريقيا أمراً سهلاً و(رخيصاً) مقارنة بالدول المتقدمة. في العام 2004-2005 أجرت جمعية (فاميلي هليث إنترناشونال) تجربة على ما يقرب من 900 امرأة من الكاميرون ممن تزيد نسبة إصابتهن بمرض الأيدز. تقوم التجربة على إعطاء عقار (التينوفوفير) الذي كان يظن أنه يمنع إصابة الأصحاء بمرض الأيدز، إلا أن التجربة كانت تحتوي على العديد من المحاذير الأخلاقية مثل أن النشرة التعريفية للبحث كانت باللغة الإنجليزية في حين أن جميع النساء لم يكن يجدن سوى قليل من الفرنسية. لم تفلح التجربة في معرفة إذا ما كان هذا العقار يساهم في الوقاية من مرض الأيدز، إلا إنها أثارت العديد من التساؤلات والمخاوف حول مدى أخلاقية هذا البحث حيث إن إعطاء مثل هذا العقار قد يدفع النساء لعدم استخدام أساليب الوقاية الأخرى من مرض الأيدز ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة إصابتهن بالمرض.
لعب النازيون إبان الحرب العالمية الثانية دوراً كبيراً في إجراء التجارب السريرية على المساجين وأسرى الحرب. اهتم النازيون بشكل خاص بالأقزام والأطفال والتوائم، ولم تكن جميع التجارب ذات فائدة علمية محددة، بل كان بعضها يجري لأسباب تجريبية بحتة كتغيير لون العين بحقن مادة كيميائية في عيون الأطفال. كما قام بعض الأطباء الألمان بوضع السجناء في غرف ذات ضغط جوي منخفظ لتجربة أثر الارتفاعات العالية على الجسم البشري، كما أجريت تجارب حول تحمل الأجساد البشرية لانخفاض درجات الحرارة عبر وضع السجناء في حوض من مياه الثلج لفترة تتجاوز الثلاث ساعات وفي تجربة أخرى تم وضعهم عراة لعدة ساعات وسط درجات حرارة تقارب الجليد.
لا يتسع المكان لذكر جميع التجارب اللاأخلاقية التي استغل فيها الضعف البشري بأنواعه من أجل الوصول إلى كشف علمي أو إنجاز طبي على حساب الجسد البشري. السؤال الصعب هو هل استطاعت التشريعات والقوانين العديدة أن تحدّ من هذه التجارب البعيدة عن الأخلاق؟ من بين أكثر من 100,000 بحث طبي معلن يجري سنوياً، يتم إجراء 10 في المئة منها في العالم الثالث، ما الذي يضمن نزاهة مثل هذه البحوث في أماكن تنعدم فيها الرقابة الأخلاقية أو تتدنى لمستويات منخفضة جداً» في حين ترتفع معدلات الفقر والمرض والأمية؟
يقول جان فيليب شيبّو، وهو طبيب ومدير للأبحاث في معهد الأبحاث والتنمية في داكار، ومؤلف كتاب «ممارسة الاختبارات الطبية في إفريقيا»: «تنظّم شركات تصنيع الأدوية، في كل دول الجنوب، اختبارات طبّية تستهتر بالأخلاق وبصحّة المرضى، من خلال غياب موافقة الأشخاص التي تشملهم التجارب، وإعطائهم معلومات مختصرة، إضافة إلى عدم وجود مراقبة كافية للعلاج، والانتفاع الضئيل بالنسبة للمريض أو الشعب...».
إقرأ أيضا لـ "نهاد نبيل الشيراوي"العدد 3754 - الأحد 16 ديسمبر 2012م الموافق 02 صفر 1434هـ
ابو سيد رضا
دكتوره ذكرتيني بتقرير بسيوني
المساجين كانو فئران تجارب بالنسبه للاجهزه الامنيه وبعضهم فارق الحياه من فرط التعذيب
لك الله يا شعب البحرين
رعب الرأسمالية
لم يكن للاخلاق ي تاريخ البشرية اي وجود الا فيما يتعلق بدور المرأة و حقوقها ، هنا تتدخل الاخلاق و التقاليد و القوانين لم منع مشاركة المرأة ، اما فيما يتعلق بالإنسانية فلا شئ يقف امام جنى الارباح " دعه يعبر دعه يمر " فأمام المال لامجال للإخلاق .
مرة ثانية
دكتورة مرة ثانية نبي نعرف شنو الفرق بين إختبار الدواء على الفيران و على البشر ؟