العدد 3751 - الخميس 13 ديسمبر 2012م الموافق 29 محرم 1434هـ

إنهاض اللغة العربية يحتاج لأفعال جذرية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أطلقت مؤسسة الفكر العربي في مؤتمرها الفكري السنوي منذ اسبوعين مبادرة ثقافية بالغة الأهمية تحت مسمى «لننهض بلغتنا». وقد وثقت مبرّرات تلك المبادرة في كتاب شامل احتوى على دراسات رصينة تبرز المشاكل والأخطار التي تواجهها لغتنا الأم القومية في شتى المجالات المجتمعية. وبالطبع فإن هذه المبادرة تأتي تكملة لجهود كثيرة سابقة قامت بها مؤسسات وأصوات فردية كثيرة عبر العشرات من السنين.

جميع تلك الدراسات السابقة والحالية وجميع المؤتمرات العديدة التي انعقدت بينت بصورة قاطعة أخطار وصول اللغة العربية إلى مراحل الانكماش التدريجي انتهاءً بمرحلة التهميش والإقصاء والضّمور. وإذاً فالتشخيص الجاد الصحيح قد تمّ وأصوات الإنذار بإمكانية الكارثة قد ملأت فضاءات الوطن العربي والحلول قد قدّمت في شكل توصيات لا عدَّ لها ولا حصر، لكن الانتقال إلى مرحلة الفعل ظلّ متعثراَ وجزئياً ولا يتناسب مع حجم المشاكل التي تبيّنها الدراسات والمؤتمرات. غير أن الفعل يحتاج إلى أن يأخذ بعين الاعتبار الأولويات ومقدار سهولة أو صعوبة الحلول، وبالنسبة للغة العربية هناك أولوية تحتاج الأمة للتوجه نحوها في الحال:

في الثلاثين سنة الماضية هبّت رياح العولمة بقوة، وكان أحد أبرز نتائج الثقافة التي تبنّتها ظاهرة العولمة تهميش دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية الضرورية للمواطنين وعلى الأخص الفقراء والمهمّشين منهم، والدَّفع بقوة من قبل مختلف المؤسسات الدولية نحو خصخصة تلك الخدمات، وكانت الضحية الأولى لهوس الخصخصة الخدمات التربوية.

لقد شجَّعت الدولة العربية قيام نظام تعليمي خاص منافس وموازٍ للتعليم العام، ولم تكترث الدولة إن كانت المدارس والجامعات الخاصة وطنيةً أم أجنبية ، فأيديولوجيات الخصخصة كانت خاضعة لمنطق السُّوق الذي قُُدّم كحلٍّ سحري لكل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. كما قدِّم التعليم الخاص كنظام أكثر كفاءة وجودة من نظام التعليم العام، واستعملت آلات الإعلان والدّعاية والإعلام لغرس ذلك الادّعاء في المجتمعات العربية.

كانت النتيجة أن توجَّهت عائلات الطَّبقتين الغنيَّة والمتوسطة نحو التعليم الخاص، وخصوصاً بعد أن تبيَّن أن خرِّيجي ذلك النظام أفضل مستوى في إتقان لغات العولمة الأجنبية، وعلى الأخص اللغة الانجليزية، مقارنةً بطلبة مدارس التعليم العام. لكن ذلك الإتقان الأفضل للغات الأجنبية تم على حساب اللغة العربية الأم، إن ذلك سيعني مستقبلاً وجود أعداد كبيرة من قادة وموجِّهي الأمة الفاعلين في مختلف الحقول ممَّن لا يتقنون لغتهم الأم إتقاناً كافياً، الأمر الذي سيعكس نفسه على موضوعي الثقافة والهوية.

إن ضعفهم في اللغة العربية سيؤدِّي الى ضعف شديد في ارتباطهم بمصادر ثقافة أمتهم، وعلى الأخص المكتوبة، وهذا بدوره سيؤدّي إلى ضعف في ارتباطهم بهويَّتهم القومية وبالتالي بانتمائهم الوجداني والحضاري لأمَّتهم. ويستطيع الإنسان تصور الكارثة التي ستحلُّ بمجتمعات الوطن العربي من جرَّاء هيمنة هكذا قادة على مسيرتها الحضارية.

إذاً، ما الحل؟ الجواب على هذا السؤال هو أحد مفاتيح الأولويات لمواجهة مشكلة ضعف اللغة العربية التي نريد أن ننهض بها.

في اعتقادي أنه لا يوجد حل عملي لهذه الظاهرة المتعاظمة آثارها والحاملة لأخطار كثيرة إلا من خلال تبنّي ضرورة وجود امتحانين في أساسيات اللغة العربية لجميع الطلبة العرب الذين يدرسون في المدارس الخاصة. إن ذلك القرار يحتاج أن يؤخذ في المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة وأن تلتزم بتنفيذه كل الحكومات العربية.

أما الامتحانان فتقوم بوضعهما والإشراف على نتائجهما وزارات التربية والتعليم، ويكون الامتحان الأول في نهاية المرحلة الإعدادية من أجل أن تعرف المدارس الخاصة ويعرف الطلبة وأولياء أمورهم مبكّراً عن مستوى طلبتهم وأبنائهم فيقومون بالجهود المطلوبة لتصحيح الوضع وذلك قبل الوصول للامتحان الثاني في نهاية المرحلة الثانوية.

امتحان نهاية المرحلة الإعدادية هو تشخيصي وتنبيهي، أما امتحان نهاية المرحلة الثانوية فيجب أن يقترن بقرار وطني صارم ينص على أن الدولة لن تعترف بشهادة الطالب الثانوية من المدارس الخاصة إلا باجتيازه ذلك الامتحان. ونحن هنا لا نتكلم عن امتحان تعجيزي وإنَّما عن امتحان في أساسيات اللغة.

بهذه الطريقة تضع الدولة الكرة في ملعب المدارس الخاصة والطلبة وأولياء أمورهم ليتأكدوا من أن مناهج ومواد وطرق تعليم اللغة العربية في المدارس الخاصة في مستوى من الكمية والجودة تؤهّل الطالب لاجتياز الامتحان الثاني بسهولة ويسر.

إن هذه الخطوة ستريح وزارات التربية والتعليم من ملاحقة المدارس الخاصة في تفاصيل كل صغيرة وكبيرة، الأمر الذي لا تستطيع الوزارات تحقيقه في جميع الأحوال، وخصوصاً مع التوسُّع الهائل في أعداد المدارس الخاصة. هل هذا طريق تعسُّفي؟ أبداً إنه أحد العلاجات الجذرية لمرض عربي خطير ونوقش كثيراً وآن أوان علاجه.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3751 - الخميس 13 ديسمبر 2012م الموافق 29 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 12:57 ص

      التخبط الحاصل و تلقف المناصب التربوية من قبل. من هب ودب من لم يمارس التدريس ليوم واحد او من كان يرى فترة التدريس محطة ترانزيت و من الفاشلين إلا من التملق و إظهار أعلى درجات الولاء للمسئول الذي أتى في الغلب بذات الطريقة أناشد ... بالتدخل العاجل لإنقاذ التعليم

    • زائر 6 | 12:36 ص

      شكرا لك

      يا د. علي على هذه الأفكار... تعجبني مقالاتك، و يا ليت كنت من أصحاب القرار لتعديل وضع التعليم، فالتعليم في خطر...

    • زائر 5 | 12:16 ص

      من الواقع-3

      والحقيقة في التجربتين المعلم هو المعيار الفعلي في العملية التعليمية وفي اتقان اللغة العربية من عدمه ويثير اهتمامي في هذا السياق ما استمعت اليه من رؤى قيمة للتربوي المرحوم مخائيل نعيمة في احد مقابلاته التلفزيونية حيث اكد على دور المعلم في حب الطالب للمادة وفي فشل او نجاح العملية التعليمية لذلك ينبغي الحرص على وجود مشروع تربوي مبني على اسس منهجية قويمة تضع في مقوماتها جوهر المادة التعليمية ووسائلها المنهجية وكفاءة الكادر التعليمي لنتمكن من حصد نتيجة ايجابية في انجاز مشروعنا الطموح.

    • زائر 4 | 12:02 ص

      من الواقع-2

      وينبغي القول ان الحفاظ على وجود اللغة هي مسؤولية مؤسسية واجتماعية في انجاز اهداف مشروع صون لغتنا العربية والدولة هي قمة الهرم في ذلك المشروع كما ان المدرسة الاداة الفاعلة في تمكين المشروع من انجاز اهدافة بيدان الاسرة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا السياق.
      لقد مررت بتجربة في اسرتي مرت بحالتين الحالة الاولى فشلت في تحقيق الانجاز الكامل للتمكن من تعزيز مكونات اللغة لدى ابنائي لكن تمكنت من تحقيق ذلك مع اصغر ابنائي حيث صارت اللغة العربية اساس الى جانب اللغات الاخرى.

    • زائر 3 | 11:49 م

      من الواقع-1

      اشاطر الدكتور في ما ذهب الى تصنيفه من معضلات وحلول والحقيقة نحن في حاجة الى اتقان لغة الاخر لكننا احوج الى ان نحافظ على لغتنا لانها مؤشر بقاء حضارتنا وعلينا ان ندرك حقائق التاريخ فهناك الكثير من الحضارات الانسانية التي اندثر نتيجة طمس مقومها اللغوي وينبغي ان ندرك وصية نبينا محمد(ص) حيث دعانا الى تعلم لغة الاقوام الاخرى بيد ان ذلك لايعني ترك لغتنا على جانب ويثير اعجابي في هذا السياق وصية تراس شفشنكوا الامة الاوكرانية بتعلم اللغات الاخرى والتشديد على صون اللغة الام للامة الاوكرانية.

    • زائر 2 | 11:36 م

      سؤال ؟؟؟؟

      المشكلة ليست وليدة اليوم بل مضى عليها زمن طويل فلماذا لم تتصدى لها وزارة التربية قبل ذلك وتبنت المقترح الوارد في المقال ؟؟؟
      للتعليم الخاص ابعاد خطيرة ومنها اللغة لكن هناك ما هو اخطر الا وهو تفتيت المواطنين حسب تنشئتهم وان كانوا يعيشون على أرض واحدة قد يجمعهم المكان احيانا ويفرقهم ويشعرون بالغربة من بعضهم ومرد ذلك اسلوب التنشئة والتربية ومنها المدارس وهذا توظيف غير رشيد للثروة التي اصاب منها البعض حظا وافرا

    • زائر 1 | 11:28 م

      ملاحظات فقط

      # لماذا لا يبادر المسؤولون بتسجيل أبنائهم بالمدارس الرسمية مع عدم اعطائهم
      ما يميزهم عن الاخرين من الطلبة حتى تسقط حجة من قال خوفا من يعطى
      لابنائي ما يميزهم في المدارس الرسمية
      # ترى هل ان مستوى طلبة المدارس الرسمية أحسن حالا من طلبة المدارس
      الخاصة ؟
      # التوسع في التعليم الخاص هدفه استثماري بالدرجة الاولى ولا اعتبار له
      ولا اهتمام بما يقدم وان كان على حساب أمور ذات أهمية للوطن
      # الدولة ترى في التعليم الخاص الذي تشجع عليه وسيلة تخيفيف الضغط المالي

اقرأ ايضاً