يبدو أن ما فات المتواجدين في حوار المنامة، وما لم يشر إليه الأمين العام للأمم المتحدة بتاتاً، ولم تذكره منظمات حقوق الإنسان عبر العالم، ولم تشعر بمعناه قوى الموالاة ولا قوى الهدم المجتمعي في بحريننا بعد نحو سنتين من الأزمة التي أثرت في النفوس قبل الفلوس؛ هي الخصلة الغريبة العجيبة في الشعب البحريني الأصيل حتى غدت ظاهرة تتكرّر كل عام.
هذه الخصلة - الظاهرة الإنسانية التي لا يمكن أن تراها أو تشعر بوجودها في بلد غير البحرين، فمقابل الويل الذي يتجرعه الناس، هم يواصلون العطاء من دمائهم وروحهم عبر حملات التبرع بالدم.
هذه الظاهرة الحضارية باستمرار عطاء الناس من دمائهم لإنقاذ حياة آخرين، ربما يتسبب بعضهم في ضرر هؤلاء المتبرعين ذات يوم أو ربما أحدثوا الضرر ضدهم فعلاً خلال الأشهر الماضية من عمر الأزمة؛ لهي تنم عن معدن أصيل لهذا الشعب المسالم أمام ما نشاهده في عموم الساحة العربية من جرائم القتل على الهوية بيد بعض من يطالبون بالحرية والتغيير بإسقاط النظم القديمة. والأغرب أن التبرع في البحرين يزداد في أجواء الأزمة المشحونة بكل أنواع القذف والذم والتخوين للمتبرعين وأغلبهم من الفئة المستهدفة والمغبونة حقاً وصدقاً لا قولاً وتجنياً. ففي حملة الإمام زين العابدين (ع) للتبرع بالدم، التي نظمتها جمعية مدينة عيسى الخيرية للعام الثاني عشر على التوالي، نجد أنها حصدت هذا العام 300 كيس دم من المتبرعين.
بينما حصدت في العام الماضي 260 كيساً، وهو عام الأزمة بامتياز. أي أنه على رغم ازدياد تداعيات الأزمة على القرى والمدن البحرينية، إلا أنه في المقابل يزداد عطاء أهل البحرين الأصيلين من دمائهم الزكية لإنقاذ الناس من بني وطنهم، فالوطن واحد، والدم واحد، لمن لا يعلم أو يتجاهل العلم بهذا. وكما قالت الفتاة البحرينية التي تطل علينا بوجهها الصبوح من الشاشة الفضية وهي تردد «لأننا بحرينيين ونحبكم... ما نعطيكم إلا الوردة... مهما فعلتم فنحن لا نعرف الإساءة بل الحب. نحبكم وبنظل نحبكم».
ولذا فخير عنوان للحب هو بذل الدماء الزكية من أجل أهل الوطن، بل وحتى الغرباء والمقيمون فيه ومن كل الجنسيات، لأن الهدف إنساني نبيل لا يعرف للدين والهوية طريقاً للمتاجرة به. فدم الإنسان الأصيل الذي لا يعرف الإساءة هو من ينقذ أخاه الإنسان مهما كان لونه وجنسه وفعله، فلا شروط للتبرع بالدم. ولن يقول هؤلاء أبداً لا تعطوا دمي لفلان بل أعطوه لعلان.
والأجمل في هذه الظاهرة، التي تتولاها جمعية المدينة للعام الثاني عشر على التوالي، أن صاحب فكرتها والبادئ بها هو المغيب في السجون الآن والمتهم بأنه لم يعالج الناس كطبيب بسبب الطائفية، وكان يدبر بليل مكائد ضد الشعب ويتمنع عن علاج مرضي معينين؛ ألا وهو الاستشاري غسان ضيف وكان ذلك العام 2000.
كل هذه الكميات من الدم البحريني الأصيل، وإن كان هناك متبرعون أجانب ولكنهم قلة، تذهب لبنك الدم المركزي بمستشفى السلمانية، ما جعل البحرين من الدول التي لا تحتاج إلى استيراد دم. بل وحتى المستشفيات الخاصة تتزود من هذا الدم لإجراء العمليات أو في الحوادث.
تصوّروا فقط هذا الأمر لتعلموا مدى وفاء وتضحية هذا الشعب لوطنه وحبه له ولكرامته فيه. ويكفي المتبرعين الأوفياء فخراً أنهم قدّموا من دمائهم طوال السنوات الماضية وحتى اليوم في مشروع مدينة عيسي من خلال حملة الإمام زين العابدين (ع) للتبرع بالدم، أكثر من 2050 كيساً. وكما قال رئيس الحملة: «إن هذه الحملة تهدف إلى خلق روح التسامح ونشر ثقافة أهل البيت (ع) في محرم من كل عام».
فطوبي للتبرعات بالدماء، من أهل الصدق والمحبة والوفاء، وهذا هو الهدف الإنساني الأكبر الذي يقدّمه هذا الشعب النبيل للعالم بأجمعه، ليثبت أن لا شيء يبقي خالداً إلا الدماء الطاهرة، وإن سُفكت على ثرى كربلاء.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3748 - الإثنين 10 ديسمبر 2012م الموافق 26 محرم 1434هـ
بالحسين نرتقي
شكرا على المقال لتذكير بأن حملة الامام الحسين لتبرع بالدم في النعيم صاحبة الفكرة حصدت حوللي 90 كيس تحت شعار بالحسين نرتقي
غسان انت الطبيب الإنسان و كفى
غسان غرست بذرة الخير و ها هي تثمر سنويا لتنقذ أرواحا لا ينظر لها إلا باعتبارها أنفس بشرية ولا أعبأ آت مذهبية او عرقي،أبيت يا غسان إلا ان تكون طبيبا للجميع فكانت هذه الخطيئة التي تعاقب عليها
بركات أهل البيت
هذه بركات اهل البيت تعم على الجميع من عرفهم ومن لم يعرفهم بل ومن ينصب العداء لهم. بعض الأطراف الأخرى لا نجد منهم أي شيء مماثل وكانما هم فقط يأخذون كل شيء ولا يعطون ولكن هذا أفضل فإن حصل المريض كيس دم أعطي في حب أهل البيت أفضل من أن يكون أعطي في حملة تبرع أخرى.