العدد 3740 - الأحد 02 ديسمبر 2012م الموافق 18 محرم 1434هـ

أيتها البذاءة أيها البذيئون: كأنكم حرَّاسُ الخلل

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أكثر ما يُوجع الإنسان وأول ما يحضر في ذهنه أن يتم النيْل من شرفه وأصوله ودينه ومذهبه. البذاءات في القول تعذيب آخر أكثر عمقاً وأشدّ إيلاماً من ذلك الذي يتفنّن فيه بعض المتخصصين في الاستجوابات عبر خريطة المعتقلات العربية وبعض مراكز الحجز والتوقيف وأحياناً التوقيف اللانهائي في بُقَع هذا الكوكب.

إذا أردت أن تحطّم شخصاً (توهّماً منك) فاشرعْ في النيل من أعزّ الأمور لديه. جرّحْ سقّطْ وتفّهْ كل ما يعتقده ويؤمن به ونشأ عليه، وبعد ذلك لا تنسَ أن تلحقه بأبناء الحرام والزنى والعدم. ما تقوم به بعد ذلك من مسح في إيذاء جسده مهما كان قاسياً وعنيفاً ودموياً فهو إلى احتمالات ثلاثة يصير: أن تتسبّب في إعطاب جزء من ذلك الجسد؛ أو أن ترسل عقل صاحبه إلى الجنون أو مشارفه حين تكون جرعة ذلك العنف مما لا طاقة لبشر أمام وحشيته؛ أو أن ترسله إلى حتْف يريحه من كل ذلك.

لكنّ مثل تلك البذاءات واللغة الممعنة في خلاعتها وتهتّك من يتبنّاها، يظل أثرها قائماً طالما ظلّت الروح في صاحبها يسعى بها ويعاين ما ومن حوله في صور ذاهبة في تناقضاتها في انحراف أو استواء. البذاءة تجاه الجسد كفيلة به قوّة صاحبه إذا نجا من مراكز الحجز والاستجواب.

وبقدر ما ان أيّاً منا يمكنه أن يمتلك قلوب الناس لا برشا يقدّمها لهم كي يألفوه ويؤمنوا به ويقتنعوا بأهميته وجدواه؛ بل بالمعْشر الطيّب والكلمة التي تضجّ بالفأل الحسَن وتقْطر طيبة وتنزّ عذوبة وصفاء، تعكس روح ونفس صاحبها، يصبح مثل ذلك اللجوء في مادة وعنوان استمالة القلوب وجهاً آخر من البذاءة أيضاً، إنْ بشكل أو آخر. وحين ثبُتتْ مقولة «في البدء كانت الكلمة» لم تكُ بمعزل عن الأثر الذي صنعتْه، والقيمة التي كرّستها، والوعي الذي تعهّدته وراكمته. ليست بدءاً للبدء ذاته بمعزل عن الأثر والخطورة والفارق الذي يمكن أن تُحدثه مثل تلك الكلمة؛ سواء في السلبي من أثرها أو الإيجابي.

في الحجز القسري. في العالم الذي تهيمن عليه سلالات البطش وتوابعها يكون الإيذاء النفسي عبر اللغة في مفرداتها المنتقاة في مستوى انحطاطها وسوقيتها واستغلالها المنحرف في الاتصال، قليلون هم الذين يستطيعون التحايل على واقع مثل ذاك. التحايل عليه عبر صمّ أذن الداخل قبل الأذن المباشرة التي تتلقى تلك الوجبات من الانحراف باللغة ورموزها وإشاراتها عبر التواصل في جانبه المدمّر أو على أقل تقدير، المُتوهَّم بأنه يشحذ كل طاقاته للحطّ من قيمة الضحية وتعميق الازدراء المُمارس عليها.

لن تجد تلك المشاهد في الخارج وتحت ضوء الشمس كي يحضر استدعاؤك لما حدث في تلك البيئات المغلقة والمحصّنة والسرية في ممارساتها. لكن من الجائز والعاديّ أن تشهد فصولاً ومقاطع ومشاهد حيّة بحركتك في الحياة، في الشارع وفي السوق وفي مؤسسات هنا وهناك؛ وحتى في أمكنة استجمام كالمقاهي والأندية. أن تشهد شيئاً من ذلك العنف اللفظي الممعن في ساديته وبذاءته. طبيعة الأمكنة والرفاهية التي تسللت كي تنالها تمتصّ كل ذلك، ولو كنتَ موضوعاً للبذاءة والالغاء اللفظي ذاك.

كل ذلك لا يقرب من مساحة إيذائك بسفح إنسانيتك بالإهانة والخلاعة في التحقير والشتائم؛ سواء كانت في حيّز استجواب سري أو قسري؛ أو حتى على الهواء مباشرة في استغلال رديء وساقط لمعطى معرفي في الاتصال لم يوجد أساساً ويُكتشف ليمارس أحدهم عُقده عليك. أقول لا يقرب من تلك المساحة والتجرؤ على التطاول والإمعان فيها إلا من يعاني من عقدة وفراغ وعار وسُبّة تلاحقه في صحوه ونومه، ولا يجد مفرّاً أو بُدّاً من تفريغها أو إسقاطها على من هو رهْن احتجازه وسطوته.

الذين أدمنوا الإهانات وتسقيط قيم ومعتقدات من يجدونهم طارئين على الحياة ومزاحمين لهم في الوجود، إنما أدمنوا حالهم الطارئة على العالم وعلى الوجود أساساً. بإدمانهم المَرَضي ذاك يزاحمون الوجود والعالم بما يضجّون به من أسقام وأوبئة وعَفن في النفس وانحراف في الخلُق ودميم الخلقة، ولو جاءوا إلى العالم ببهيّ الصورة والشكل في حضورهما الخادعين في كثير من الأحيان.

وفي الفضاء الافتراضي، ثمّة جلادون ومخلوقات من أوبئة أيضاً. مخلوقات من عُقد. مخلوقات طارئة على الوجود والعالم، والإنسان في تكوينه السويّ منها بُراء. ولن نتجنّى حين نقول، إن بقية المخلوقات بمتحرّكها وجامدها بُراء منها وبشرف.

ثمة مُحقّرون ومُتفّهون عبر ذلك الفضاء يمارسون محواً وسحقاً وإلغاءً وتحريضاً على الذين يروْن فيهم أضداداً يهدّدونهم، بعد تنشيط يتمّ من قِبل جهات تركت الحبل على الغارب لمن تريد أن تتركه؛ فيما هي حاضرة ومستنفرة ويقظة لانتقاء وإعادة تفسير وتأويل ما تريد إعادة تفسيره وتأويله، وبما يصبّ في خانة إدانتها له كما تريد؛ ترصّداً واستهدافاً في ممارسة هي في اللبّ من التمييز والتواطؤ مع كل حال لا يمكن أن تلتقي مع الاستواء ولو فيما يراه النائم!

لن تجد وصفاً إزاء كل ذلك سوى الوقوف على حقيقة أن للبذاءة الكثير من الأبناء والمريدين والمنافحين عنها بشراسة ملفتة. كأنهم يرضعون منها. كأنها المشيمة التي تغذّيهم بأسباب وجودهم الذي ارتأوا واختاروا نمطه.

حِرابٌ من نوع آخر يوجّهها مدّعو القداسة والطهْر وصون مكتسبات الأمة! بمداخل من بذاءة وتسقيط وبمداخل مما لا علاقة لأي شيء به. حتى الأشياء لو خُيّرت لن تورّط شيئيّتها بهكذا ممارسة في البذاءة واعتناقها وتبنّيها منهجاً يدلّ على أصحابه. أصحابه الذين بلا منهج ينتمي للإنسان بعيداً عن الهوَس والتحريض وعُقد الأفضيلة وما عداها في الأسفل وما دونه أيضاً.

في الفضاء الافتراضي أو في غيره بعضهم لا يحتاج إلى رد فعل كي يكون بذيئاً أو يجاري البذاءة. هو هكذا خلق ووجد ووُجّه أحياناً لتلك الوظيفة وذلك الدور بالنيابة عن أطراف لا تريد أن تكون في واجهة تلك البذاءة فتوكل من تراهم أدوات وأوراقاً يمكن اللعب بها؛ وخصوصاً في الوقت الضائع. هل ثمة وقت يمكن الإمساك به في ظل هكذا ممارسة؟ سلوا البذاءة تجبْكم.

أيتها البذاءة: «طوبى» لمن تريْن فيهم لسانك وواجهتك والدليل إليك!

أيتها البذاءة: كيف لهذا العالم أن يكون عالماً متجانساً مع مخلوقاته في ظل الوباء الذي يبثّه مريدوك والذائدون عنك بشراسة استثنائية تكشف الجانب الآخر من كذْبة بعض أشباه البشر الذين هم منبوذون حتى في عوالم الكائنات الأخرى؟

أيها الضالعون في البذاءة: العالم ليس نظيفاً بشكل كليّ من النفايات كي تضيفوا وتراكموا ما هو أسوأ منها بكثير!

أيتها البذاءة. أيها البذيئون: كلٌّ يأوي إلى نوم طبيعي ويوميّ إلاّكِ، إلاّكم. كأنكم حرّاس على خلل العالم!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3740 - الأحد 02 ديسمبر 2012م الموافق 18 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 11:46 ص

      حقيقة ناصعة

      شكرآ على هذا المقال الجريئ ونضيف لكم وللقرّاء المحترمين بأن من تربّى على أكل الحرام وسلب حقوق الآخرين واستساغه وتلذّذ به ماذا تتوقع منه فاعل في تفاعله ومعاملته مع الآخرين فى الحيات .

    • زائر 4 | 10:32 ص

      الجرح عميق والقلب كسير يا استاذي العزيز

      يشعر الانسان بالالم والحسرة حنما يشتم ويقذف ويكفر ويحقير على مراى ومسمع الجميع في اطهر مكان في المسجد وفي صلاة يوم الجمعة المباركة
      بكلام اولاد الشوارع بكلمات تخرج ابد من شخص يحترم المكان والزمان بدون
      اي رادع دنيني او اخلاقي او حتي انساني ومع شديد الاسى والاسف دون اي
      استنكار واستغراب من احد لا من رجال دين والعلم والثقافة وسبب معروف

    • زائر 3 | 3:35 ص

      فعلا

      للبذاءة الكثير من الأبناء والمريدين
      فعلا هي حقيقة لا يمكن تجاوزها أبدًا، رحم البذاءة لازال ينتج منهم العديد
      كفانا الله وإياكم شرهم..
      سلمت يداك، وطابَ فكرك النيّر../

    • زائر 1 | 12:44 ص

      صح قلمك

      سلمت اناملك جبتهه في الصميم

اقرأ ايضاً