العدد 3736 - الأربعاء 28 نوفمبر 2012م الموافق 14 محرم 1434هـ

للثورة شعبٌ يحميها

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما يجري في مصر أحد الدروس الكبرى لحركات الربيع العربي... فالشعوب العربية التي استهانت بوجودها الأنظمة الدكتاتورية لن تسمح بخروج دكتاتور جديد، وهذا هو أكبر ضمانة للمستقبل لكيلا ترتهن مصائر الأجيال بإرادة فرد مستبد.

الرئيس المصري وصل إلى الحكم وفق «تفاهمات دولية»، إذ أجبر الشعب المصري بين الاختيار بينه وبين مرشّح فلول النظام السابق، أحمد شفيق، المتورط في قضايا فساد ورشاوى. ولم يكن مرسي بالضرورة أفضل كوادر الإخوان المسلمين، ولا أكثرهم دهاءً أو خبرة سياسية، وإنّما كان مرشح اللحظة الأخيرة. ويبدو أنه نسي هذه الحقيقة وأخذ يتصرف وكأن الشعب المصري خوّله التصرف كما يشاء، أو منح نفسه صلاحيات «خاصة» تعطي قراراته حصانةً ضد النقد. لقد تصرّف كـ «ولي أمر» لا يُساءَل، وليس كرئيسٍ «مؤقت» معه شركاء آخرون في الوطن يجب مشاروتهم في كل خطوة مهمة.

إنها مشكلةٌ ثقافيةٌ بالدرجة الأولى، أنبتتها واحتضنتها تربة الشرق لآلاف السنين، تقوم على أساس تلك النظرية «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». هذه الثقافة التي تمجّد الحاكم وتضعه فوق مصاف البشر، مازالت هناك فلولٌ تؤمن بها، فيخرج من يخاطب مرسي بقوله: «إن الله اختارك رئيساً علينا...»، وينسى أن الناس اختاروه للرئاسة عبر صناديق الاقتراع البلاستيكية الشفافة، ولم ينزله الله في غمامةٍ من السحاب.

كل ذلك يجب أن لا ينسينا عدداً من الحقائق السياسية الأخرى. الحقيقة الأولى أن الخطوات التي قام بها مرسي بعضها ليس سيئاً، (مثل عزل النائب العام السابق...)، وبعضها كان مطلوباً لدى قوى الثورة (إعادة محاكمة رموز النظام السابق إحقاقاً للعدالة وأخذاً بحقوق الشهداء وذويهم...)، وإنّما الخوف من عودة شبح الدكتاتورية كان هاجساً لدى كثير من المصريين الذين نزلوا إلى ميدان التحرير مجدداً.

ما يجري الآن، في جانبٍ منه، جولةٌ جديدةٌ من الصدام مع رجال القانون، الذين يمثلون طبقةً «كهنوتيةً» في العصر الحديث، طالما استخدمها النظام السابق ضد معارضيه.

الحقيقة الثانية هي أن الثورة في مصر نجحت في الإطاحة برأس النظام ولكنها أبقت على جسده المترهل بالشحوم والزوائد اللحمية، لحساباتٍ عمليةٍ يمكن فهمها بسهولة، في ظل ثورة سلمية وشعب مسالم. هذه الفلول تبقى أجساماً مضادةً للثورة ومعاديةً للتغيير، وشاهدنا ذلك في ليبيا وتونس واليمن أيضاً، حيث طُرحت فكرة «تطهير» النظام الجديد من عناصر «الثورة المضادة». وهي المشكلة نفسها التي واجهها العراق وظلّ متردداً في حسمها ودفع ثمن ذلك دماء عشرات الآلاف من أبنائه.

الحقيقة الثالثة أن حركة الاحتجاجات الأخيرة تتصدّرها الأحزاب غير الدينية، التي فشل أكثر مرشّحيها في الانتخابات، ووجدت في القرار الرئاسي فرصةً لتصفية الحسابات. لا يعني ذلك تبرئة «الإسلاميين» من نزعةٍ استبداديةٍ يستبطنونها على مستوى الفكر والتربية، إلا أنه يجب ألا ننسى أن البدائل ليست أقل سوءاً، فكم كان قبيحاً أن يتصدّر المنصة عمرو موسى، ويقدّم نفسه عرّاباً للديمقراطية الجديدة وداعياً لحماية الثورة، وهو الذي عاش ثلاثين عاماً في كنف الدكتاتور السابق حسني مبارك.

المؤكّد أن الشعب المصري الذي يخشى ولادة فرعون جديد حتى لو كان ملتحياً، قام بالثورة لتحقيق الحرية والكرامة ولقمة «العيش» الكريم، وليس من أجل أن يعود لهم عمرو موسى لينصّب نفسه فيلسوفاً للثورة في ميدان التحرير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3736 - الأربعاء 28 نوفمبر 2012م الموافق 14 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 11:04 ص

      رسالة خالدة

      صديقي العظيم بيريز. أنا احبك كثيراً وأتمنى لكم طول العمر أنت والازدهار أنت وشعبك العظيم.

    • زائر 23 | 8:26 ص

      مرسي وصديقه العظيم

      مرسي هذا الذي ذبح اسرائيل، يوم خاطب الرئيس الصهيوني شمعون بيريز بقوله في رسالته التاريخية: صديقي العظيم!!!!!!

    • زائر 15 | 4:43 ص

      لمصر رب يحميها .. ذابحكم مرسي

      «تفاهمات دولية» ....... ههه مضحك استغباء الشعب المصري .... يا حبيبي إذا كنت لا تتابع الوضع المصري عن كثب فافتح قنوات غير العالم والمنار لتتعرف على حقيقة الوضع هناك ... فلول + التيار المسيحي + المفلسون سياسيا اجتمعوا في التحرير والذي لفظهم الشعب في الانتخابات التشريعية الأخيرة حيث لم حصلوا كلهم على أكثر من 20 % من ثلاثين مليون صوتوا في الانتخابات التي أبطلها قاضي مبارك ونائبه العام ... أول مره أسمع عن دكتاتور يسعى راكضا إلى ارجاع حق التشريع والرقابة للشعب .. ضحكتني

    • زائر 24 زائر 15 | 8:37 ص

      يهرول لو يركض؟

      والله ضحكتنا... يركض لارجاع حق التشريع للشعب؟ نشوفه يهرول مسكين . لو كان كذلك لما استبد برأيه. لو كان كذلك لما حاول ان يحصن نفسه ضد الانتقادات....... يركض ركيض!!!!! السيد حسب رأيي مقاله متوازن ولكن انت اللي مب متابع زين.

    • زائر 14 | 2:06 ص

      عقلية غير شكل

      مسكين مرسي وصل للرئاسة بصعوبة وبالتوافق مع الامركان ومصدق روحه

    • زائر 13 | 1:48 ص

      مدد يا مرسي مدد

      فعلا صدق نفسه بانه الخليفة الجديد في الارض وكان لابد لمصريين من ان ينبهوه من غفلته.

    • زائر 12 | 1:44 ص

      ليتهم يدركون

      لازال البعض يظن بغباء الشعوب ويلعب على اوتار العاطفة،لكنهم لا يدركون حجم الوعي المتزايد بسبب ثورة التكنولوجيا وسرعة وحرية تناقل المعلومات بعد ان كانت حكرا على الحكم واجهزته.نهم الاخوان للسلطة اسقطهم مبكرا في الشارع المصري وكلي يقين ان سقوطهم في مصر هو بداية نهاية القصة الاخوانية في المنطقة، ولكن هذا لايعني ان امريكا لا تبحث عن البديل،وقد يكون البديل غدا هو عدو اليوم..لكن الشعوب ايضا ستكون واعية..

    • زائر 11 | 1:20 ص

      امتحان كبير

      انه اكبر اختبار لحركة الاخوان المسلمين اقدم حركة سياسية اسلامية والله يستر. عند الماتحان يكرم المرء او يهان

    • زائر 10 | 1:16 ص

      أجمل ما فعله المصرييون هو:-

      عدم غفلتهم و حضورهم "الواعي" في الساحات,,,,,
      لانه في أناس تحضر في الساحات بس يكون وعيهم "مستلب",,,,
      و كل درس من مصر و أنتوا بخير.....

    • زائر 8 | 1:11 ص

      بصراحه

      هذا فكر شمولى وعقائدى يتمثل فى الجماعات الإسلاميه وهذا الفكر ليس ببعيد عن خطكم سيدى

    • زائر 7 | 1:10 ص

      محمد مرسي + ومحمد حسني مبارك = دكتاتوريه

      نعم النفاق السياسي انظرو من يخاطب مرسي بقوله: «إن الله اختارك رئيساً علينا...»، وينسى أن الناس اختاروه للرئاسة عبر صناديق الاقتراع البلاستيكية الشفافة، ولم ينزله الله في غمامةٍ من السحاب،هناك ناس مفلسون يقولون مرسي هو حكم الله في الارض مرسي هو القران مرسي هو الحل كانو يقولون ان الاسلام هو الحل اليوم يقولون مرسي هو الحل شعار اخوان المسلمين السابق الذي كان الاسلام هو الحل ظهر ان مرسي هو الله على الناس استغفر الله شعارات زائفه محمد مرسي+ ومحمد حسني = دكتاتوريه ابديه يخاطب الناس الى اليوم لم استخدم

    • زائر 1 | 11:58 م

      النفاق السياسي

      سيد هذا الدرس الاول من أردوغان في النفاق السياسي وعلي قولة إخوانا المصريين أولسا حنشوف

اقرأ ايضاً