التاريخ السياسي للمقاطعة في الكويت يضعها ضمن أكثر الأدوات السياسية استخداماً حتى قبل الدستور، ما يجعل المقاطعة جزءاً من «عاداتنا وتقاليدنا» السياسية.
في العاشر من يونيو/ حزيران 1990 جرت انتخابات المجلس الوطني الذي قررت السلطة أنه بديل عن مجلس الأمة، جرت الانتخابات في إطار أزمة سياسية بعد حل المجلس عام 1986 وتعطيل الدستور وفرض الرقابة على الصحافة واعتقال الناس في دواوينهم، واستخدام وسائل قمعية، من تطويق الديوانيات بالأسلاك الشائكة إلى استخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع.
وبعد حراك شعبي أواخر 1989، فاجأت الحكومة الناس بالمجلس الوطني، وعلى اثر ذلك اتُّخِذ القرار بمقاطعة الانتخابات، وشارك في الانتخابات قرابة 340 مرشحاً، أغلبهم بوزن نوعي منخفض.
وتولينا، كلجنة إعلامية، تنظيم المقاطعة، واخترنا ديوانية الصديق يوسف الشايجي في العديلية كمقر، ولم يكن الموقع جيداً، فقد كان مكشوفاً على الشارع، وكانت الملاحقات الأمنية على أشدها.
توافدنا في الصباح الباكر وأوقفنا سياراتنا بعيداً عن الديوانية، لعدم إثارة الانتباه، كان علينا أن نرصد 25 دائرة انتخابية بلجانها المتعددة، ونقدر أعداد المشاركين في كل لجنة، وقد استدعى الأمر تدريب عدد كبير من الشباب و «الشياب» كذلك على كيفية المراقبة واستنتاج الأعداد المشاركة، ومن ثم تزويدنا بها أولاً بأول.
كنا في الوقت ذاته نخشى أن يتم اعتقال المراقبين، وقد حدث ذلك بالفعل مع بعضهم، إلا أنه تم الإفراج عنهم بعد ساعات. وقد برز احتمال أن تقوم الأجهزة بتعطيل شبكة الاتصالات الهاتفية، وبالتالي لن نتمكن من الحصول على المعلومات الحديثة من مراكز الاقتراع في ظل حصار أمني مشدد، ولذا استخدمنا بدلاً من الهاتف النقال «البيجر» وحددنا لكل لجنة رمزاً، على أن يبعث لنا كل مراقب رسالة نصية عبر البيجر يحدد فيها عدد المشاركين التقديري كل ساعتين، ثم نقوم بتدوين الأرقام تباعاً على لوحات ورقية على الجدران.
كما تمكن بعض المراقبين من تكوين علاقة جيدة مع مندوبين لمرشحين لتزويدهم بالمعلومات من داخل كل لجنة، ما زاد من دقة المعلومات. يضاف إلى ذلك قيام وكالة الأنباء الكويتية ببث معلومات صحيحة عن نسب المشاركة حتى فترة بعد الظهر حين انتبهت الحكومة فأوقفت بث النتائج.
الحصيلة كانت أكثر من جيدة، وتوفرت لدينا معلومات دقيقة، وتمكنا من إعلان نسبة المشاركة قبل الحكومة، وكانت ما بين 38 إلى 40 في المئة بينما ادَّعت الحكومة أن النسبة كانت 64 في المئة وهو رقم مبالغ فيه بالتأكيد.
المقاطعة اليوم أكثر ديناميكية، وأكثر حرية في الحركة، وتستخدم وسائل أكثر تفوقاً من «بيجرنا» المتقاعد، وترفد الحياة السياسية بإبداعات متنوعة، ليس أقلها مسيرة «كرامة وطن» التي أرغمت السلطة على الترخيص لها، وهو فعل محمود من الجانبين، فالوطن يكسب من أي حرية تعبير سلمية، ومن إدراك السلطة أن الأسلوب الأمني يعقد الأمور.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 3736 - الأربعاء 28 نوفمبر 2012م الموافق 14 محرم 1434هـ