صعّد الزعماء الديمقراطيون من انتقاداتهم للرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته بسبب فشل سياسته في العراق التي قالوا إنها «لا يمكن التسامح بشأنها» وإنها «غير معقولة»، في التخطيط بصورة تامة للانخراط في إعادة إعمار العراق بعد احتلاله الذي أدى إلى الإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين وتسبب في مقتل وجرح المئات من جنود الاحتلال الأميركي.
وعلى رغم أن بعض الديمقراطيين قد يوافقوا على طلب الرئيس بوش تقديم تمويل إضافي طارئ للحرب في العراق بعشرات المليارات من الدولارات فإنهم سيحاولون إجباره على السعي إلى الحصول على مزيد من المساعدات الدولية.
ويستغل الديمقراطيون أخبار الفشل الذي تمنى به سياسة بوش في العراق لتعزيز مواقعهم في حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجرى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل. وشهدت المناظرة التي عقدت بين المرشحين للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية يوم أمس الأول تجاوزا لخلافاتهم، إذ صبوا جام انتقاداتهم على إدارة بوش لكيفية تعاملها مع العراق والاقتصاد.
وحمل الزعيم السابق للأقلية الديمقراطية في مجلس النواب ديك غيبهارت، الرئيس بوش، مسئولية فقدان الولايات المتحدة لمكانتها الدولية، فضلا عن الواقع الاقتصادي المتردي، وردد قائلا «هذا الرئيس... فشل ذريع».
ورحب الديمقراطيون بقرار الرئيس بوش طلب مساعدة منظمة الأمم المتحدة لفرض استتباب الأمن والاستقرار في العراق المحتل، بيد انهم انتقدوا عدم التحرك السريع في هذا الاتجاه، الذي أدى إلى هز المكانة الدولية للولايات المتحدة. وأشار حاكم فيرمونت السابق، هوارد دين، في النقاش الذي بثته شبكات التلفزة الأميركية وشارك فيه ثمانية من تسع ديمقراطيين سيدخلون الحملة الانتخابية، إلى سعي الإدارة الأميركية خلف مساهمات دولية في العراق، قائلا: «عليه الآن العودة إلى الأشخاص نفسهم الذين أذلهم في السابق».
وبدوره انتقد غيبهارت الشرخ الذي أحدثه الموقف الأميركي من حرب العراق في العلاقات الدولية بالإشارة قائلا: «لدينا رئيس حطم كل التحالفات التي بناها الرؤساء الديمقراطيون والجمهوريون، على حد سواء، على مدى 07 عاما». وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية فلوريدا، بوب غراهام، الذي أبدى معارضة قوية للحملة العسكرية الأميركية ضد العراق في السابق: «لقد صوت ضد الحرب لأنني أعرف أنها حرب خاطئة ضد العدو الخطأ».
وقال غراهام: «إن رجالنا ونساءنا العسكريين الشجعان تركوا من دون خطط كافية ومن دون دعم في مهمتهم المستمرة في العراق». وأضاف في بيان له: «إن هذا أمر لا يمكن التسامح بشأنه ويجب على إدارة بوش اتخاذ خطوات فورية لتقديم الأساسيات من أجل استراتيجية ناجحة».
وردّا على وجود تقرير سري لرؤساء هيئة الأركان الأميركية، ذكر أن التخطيط من أجل مرحلة إعادة الإعمار في العراق كان متأخرا في بدئه ولم يكن جاهزا لتفعيله عندما بدأ العدوان العسكري الأميركي على العراق، تساءل غراهام «لماذا كانوا يخفون هذا التقرير ولماذا لم يكونوا مكشوفين مع الشعب الأميركي في توضيح الوضع في العراق». وعلى رغم معارضته القوية للغزو الأميركي للعراق، أعلن غراهام استعداده لمساندة طلب إدارة بوش لمخصصات مالية إضافية للعراق قدرت بحوالي 06 إلى 07 مليار دولار، وعلل ذلك بقوله: «لدينا التزام بمساندة تلك القوات». وكانت المرشحة الديمقراطية، كارول براون، الوحيدة التي تطرقت إلى فشل الحكومة الأميركية في إلقاء القبض على المتهم بأنه وراء عمليات الهجوم على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول 1002م، أسامة بن لادن. وأشارت إلى ذلك بالقول: «مازال حرّا طليقا لأننا لم نعد نبحث عنه... لأننا سلكنا الطريق الخطأ (في إشارة إلى العراق)». ويقول أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون في «الكونغرس» على حد سواء، إنهم يريدون من إدارة بوش أن تعرض رؤية واضحة لحجم ومدى فترة الالتزام الأميركي في العراق قبل أن يقرروا الموافقة على تمويل إضافي طارئ لتغطية كلف احتلال العراق التي كانت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» ذكرت أنها تكلف شهريّا نحو أربعة مليارات دولار.
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي توم داشل: «إنني أعتقد جازما بأن الحكومة كانت سابقة للموعد الصحيح في إعلانها النصر، كما كانت كذلك أيضا في تقديرها للكلف سواء فيما يتعلق بالضحايا أو بالنسبة إلى موارد الثروة المطلوبة». وقال: «إن المشكلة الآن طبعا هي أننا مازلنا لا نعرف إلى متى وما الموارد التي يتطلبها الوضع، وهذه قضايا أساسية أعتقد أن الكونغرس والشعب الأميركي لهما الحق في معرفتها».
غير أن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب توم ديلي قال: «أعتقد أن من المهم جدّا ألا نسأل عن المدة التي سيستغرقها كسب الحرب أو مدى كلفة ذلك. إنها حرب على الإرهاب ومهما كلف ذلك فسندفعه»، فيما كان بوش قد أعلن أنه لم يقرر بعد «رقما لأنني لم أتلق بعد تقريرا من مكتب الموازنة في البيت الأبيض ومن جيري بريمر ومن البنتاغون». وقال العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جوزيف بايدن: «أعتقد أن الرقم سيصل إلى مئة مليار دولار قبل انتهاء العام، مؤكدا أنني مستعد لدعمه مهما كلف ذلك. لا نستطيع تحمل الخسارة».
أما العضو الديمقراطي الآخر في مجلس الشيوخ كريستوفر دود فقال إنه لم يفاجأ بالنتائج التي توصل إليها تقرير رؤساء هيئة الأركان المشتركة الأميركية على الرغم من أنه لم يراها وأضاف «إنه لسوء الحظ فإن التقرير يؤكد ما اعتقد الكثيرون منا».
ونفى وزير الخارجية كولن باول علمه بوجود هذا التقرير، غير أن دود قال: «إنها مشكلة أصبحت واضحة بالنسبة إلى الكثيرين منا في الربيع الماضي. و كان ذلك عندما رفض أول حاكم عسكري إداري للعراق الجنرال المتقاعد جاي غارنر دعوة إلى الإدلاء بشهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بشأن خطط ما بعد الحرب». وقال دود: «إننا الآن نعرف لماذا رفض». وأضاف: «انه أمر لا يمكن التسامح بشأنه بأن الإدارة لم تخطط بما فيه الكفاية ولم يكن لديها افتراض مسبق صحيح عن أنواع المشكلات التي ستحدث أثناء إعادة إعمار العراق. لقد أوجدوا ورطة حقيقية ستحتاج منا إلى عشر سنوات لإصلاحها».
واندفع الجمهوريون للدفاع عن بوش، فقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ريتشارد لوغار: «إن خطط الحكومة في التخطيط تتحسن، وإن الذين كانوا منا يدعون إلى ذلك عليهم أن يبتهجوا لذلك». وأشار لوغار إلى جهود باول لحمل الأمم المتحدة على مزيد من المشاركة وقال: «إن الإدارة تسير على المسار الصحيح، في جعل حقول النفط العراقية تعود إلى الإنتاج من أجل توفير العوائد». لكنه قال في الوقت نفسه إنه لم يفاجأ بما توصل إليه تقرير رؤساء الأركان و«كنت منتقدا بأن التخطيط لم يكن كافيا».
وذكر التقرير بعنوان «عملية تحرير العراق: الدروس الاستراتيجية المستفادة» أن التخطيط كان متسرعا جدّا إلى درجة أنه لم يكن هناك الوقت الكافي لمباحثات مفصلة بين الوكالات الحكومية بشأن إعادة بناء العراق والمحافظة على الأمن.
وقال العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام إن الرئيس العراقي صدام حسين المذنب الحقيقي في مشكلات ما بعد الحرب في العراق. وقال: «إن مصافي تكرير النفط ألحقت بها أضرار تتجاوز إمكان التصليح وإن الناس في جنوب العراق تم اضطهادهم وأهلكوا» وأضاف: «إنني أعتقد أن باستطاعتكم أن تنتقدوننا جميعا في الإدارة لعدم معرفتنا بالمدى الكامل لما ألحقه صدام حسين من تمزيق لبلاده.. لقد قللنا من تقدير ذلك ولا أعتقد أنه كان بالإمكان معرفة ذلك قبل احتلال البلاد».
ويرفض الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء تحميل الولايات المتحدة والحصار الذي دام أكثر من 21 عاما على العراق أية مسئولية عن الدمار الذي لحق بالعراق وبنيته الأساسية.
وقال غراهام: «إن الحل هو ضخ مزيد من الأموال في جهود الإعمار وإرسال المزيد من مسئولي الشئون المدنية والشرطة العسكرية المدربة للسيطرة على أعمال الشغب، والخبراء للمساعدة في إعادة بناء نظام قانوني للعراق وبنى تحتية طبية».
أما نائب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي كيرت ويلدون فأعرب عن تحفظه بشأن التخطيط للحرب على العراق وقال: «أعتقد أننا لم نعط الكثير من الأفكار... ولم أكن مسرورا بما رأيت، فلم نكن نقوم بما هو كاف من خلال الحكومة». وأضاف أنه يعتقد أن التخطيط الأمني كان ينطوي على ثغرات وأن القوة البرية التي تبلغ 041 ألف جندي غير كافية.
ويذكر أن رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال إريك شنيسكي قبل تقاعده في يونيو/حزيران الماضي اقترح قوة حفظ سلام من عدة مئات من آلاف الجنود، وهو أمر ندد به وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه وولفوفيتز الذي قال إن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من 06 ألف جندي. وقال ويلدون: «أعتقد أن شينسكي كان في الاتجاه الصحيح».
العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ