قال الله تعالى في كتابه الحكيم: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» (الأنفال: 06).
وطبقا لقوانين الأمم المتحدة ومقرراتها الخاصة بمقاومة الشعوب للاحتلال فانه من حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال مواجهة القوة المحتلة بكل أشكال المقاومة.
وبحسب البند 27 من مقررات حلف الناتو فانه يحق لأعضاء الحلف تحريك قواتهم لملاحقة من اعتدى على أي عضو من أعضائه ومهاجمته وتصفيته والقضاء عليه في أي مكان أو موقع يعثر عليه من دون الحاجة إلى سابق انذار أو إعلان حرب مسبق! وهو ما تستند إليه بعض الدول الأعضاء في الحلف وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية في مشروع حربها العالمية المعلنة ضد الارهاب! في حين «يأخذون علينا - نحن المسلمين - وجود بعض آيات من القرآن الكريم فيها (تحريض) مباشر على العنف أو المقاومة أو القتل». كما يقول الدبلوماسي الألماني المسلم هوفمان في تفسيره وتعليقه على الآية الكريمة: «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» (البقرة:191) بعدما يضعها هوفمان في سياقها الدفاعي العام الذي وردت فيه، والذي يضيف انه لا ذنب للمسلمين في ذلك إلا كونهم نظموا استراتيجية دفاعية متطورة سبقت الغرب الحداثي بنحو 41 قرنا من الزمان.
الهدف من وراء المضامين التي أشرت إليها أعلاه هو التأمل فيما نحن فيه من «خلط» جاهل أحيانا ومقصود أو متعمد في أحيانٍ كثيرة لمفاهيم «العنف» و«القوة» و«الارهاب» و«المقاومة». لا بل إنني أعتقد أن «الخلط» والفوضى امتدت في هذا السياق لتشمل مقولات ومصطلحات عدة أخرى بسبب توسع الحرب «العالمية» ضد «الارهاب»! لتشمل إدارة المعارك السياسية والدبلوماسية ضد الدول والقوى والمجموعات أو المنظمات المنضوية في إطار الاستقطاب العالمي الذي أخذ يتبلور بقوة في المعادلة الدولية بعد واقعة 11 سبتمبر/أيلول الشهيرة.
فأنت اليوم عندما تقول «بالواقعية» أو «المجتمع الدولي» أو حتى مفهوم «المدني» و«المدنيين» أو «البريء» و«الأبرياء» ناهيك عن «الفداء» و«الاستشهاد» و«الجهاد» و«الدعوة» فلم يعد أمامك مفهوم واحد متفق عليه كما كانت حال ما قبل 11 سبتمبر. فالواقعية تعني القبول بالإرادة الدولية وما تمليه عليك عمليات توافقات المجتمع الدولي. وهذا بدوره يعني ما يفرضه التحالف الأميركي البريطاني بالذات، وهو ما سيعني في العراق مثلا «الاستسلام» لواقع احتلال الأجنبي لبلدك، وعليه فان المقاومة المشروعة بحسب قوانين ومقررات الأمم المتحدة للاحتلال - والتي كانت تجيزها هذه الدول أيام تسلط النازية واحتلالها للكثير من العواصم الأوروربية أيام الحرب العالمية الثانية - تصبح هذه المقاومة أعمالا ارهابية تضع صاحبها في مصاف منظمة القاعدة المطلوبة دوليا للعدالة ولا ندري مرة أخرى عدالة مَنْ؟ فهل هي عدالة غوانتنامو مثلا؟! والحبل على الجرار.
أو إذا ما أردت أن تكون واقعيا مثلا فما عليك إلا أن تبرر استمرار بقاء الاحتلال لبلدك كوزير خارجية معين لعراق جديد أو كعضو لمجلس حكم انتقالي مؤقت بالقول مثلا: «لابد من الأخذ في الاعتبار حال الفراغ السياسي والأمني الذي يعيشه العراق، وبالتالي فإن أية دعوة إلى الخروج الفوري لقوات (التحالف) تعني اشعال حرب أهلية وفتن طائفية وعرقية. ومن ثم فان المطلوب إعطاء الفرصة الكافية لقوات التحالف للقيام بمهماتها التي بدأت بها، والتي خولتها قرارات الأمم المتحدة القيام بها ومن ثم يمكن الحديث عن الانسحاب أو الخروج التدريجي لقوات التحالف بحسب خطة متفق عليها»!
انظر يا سبحان الله! كيف يتحول «العدوان» مثلا على دولة ذات سيادة إلى «مهمات»، وكيف تتحول الحرب الانفرادية والخارجة على قوانين واعراف الأمم المتحدة إلى «قرارات شرعية»، صدرت بعد الحرب على رغم أنف كل المعارضين للحرب، وكيف تحول مطلب الجلاء إلى دعوة للحرب الأهلية والفتن الطائفية، وكيف يلطف هذا المطلب ليصبح اتفاقا منظما ومبرمجا للانسحاب!
في هذه الأثناء طبعا تدخل عليك الأعمال الإرهابية الحقيقية التي يمقتها كل الأحرار والشرفاء، ويستنكرها كل العقلاء مثل الهجوم على مقر الأمم المتحدة، والهجوم على السفارات والمراقد المقدسة، واغتيال الرموز الدينية؛ لتعكر آخر ما تبقى من صفاء في المقولات الآنفة الذكر حتى لا يبقى ذكر لشريف أو فدائي أو حر أو مقاتل أو مقاوم يريد الدفاع عن وطنه واستقلال بلاده ضد المحتل الأجنبي، لأنه سيتم حشره بالضرورة مع القتلة والجبناء والجناة والارهابيين ودعاة الحرب الأهلية والفتن الطائفية. ولكم أن تتصوروا فقط وعلى سبيل المثال كيف أن هذه الفوضى أدت إلى أن يجتمع قطبا «الخير»! أو «الشر»! بحسب التقسيم الأميركي المعروف في توجيه رسائل التعزية والاستنكار في مقتل أو استشهاد السيدمحمدباقر الحكيم إذ يصبح لا فرق بينهما في هذه الحال.
وأمّا اذا انتقلنا إلى الساحة الفلسطينية فإن المشكلة ستصبح أخطر وأعظم وأكثر التباسا، وخصوصا عندما يتفق أعضاء المجتمع الدولي قاطبة - بمن فيهم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أبوعمار - على استنكار: «أعمال قتل المدنيين، وكل أشكال التعرض للأبرياء»! وانه لابد من وقف كامل «لدورة العنف»!
وهنا تتوقف دائرة العقل وتتعطل المفاهيم تماما، إذ يختلط على المرء العادي تماما مفهوم المعتدي والمعتدى عليه، وكذلك الجلاد والضحية، وأيضا المحتل والواقع تحت الاحتلال والمستعمِر والمستعمَر، ومن البريء حقا، ومن المدني حقا لا لباسا، وكيف يصبح من حق مئات بل آلاف المرتزقة المدنيين العاملين في صف الاستخبارات جمع المعلومات اللازمة لقتل الواقعين تحت الاحتلال بل والمشاركة في تصفيتهم لردعهم عن محاولات التخطيط لعمليات محتملة!! والأدهى من ذلك خطر الواقعين تحت الاحتلال من ملاحقة هؤلاء المرتزقة أو التعرض لهم بموجب اتفاق أوسلو الذي أقره المجتمع الدولي العظيم.
انه خلط واجحاف بل وظلم وتعسف وجور مريع لا يمكن أن يحتمله العقل السليم. فلا أحد منا يحب أو يقر القتل أو الترويع لأحد أي كان، وكلنا نعشق الحياة ونتوق إلى السلام والمحبة بين البشر، ولكن شرط أن تعم العدالة في المقاييس والمعادلات.
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ