مضى اكثر من اسبوعين على القرار الذي اتخذه الناشط السياسي المعروف عبدالوهاب حسين، واعلن فيه أنكفاءه السياسي والخطابي والبرامجي من دون أن تظهر أية دلائل تشير إلى احتمال تراجعه عن قراره على رغم الوساطات والتمنيات عليه من قبل بعض الرموز السياسية والدينية، وعلى رغم ما تعرض له من ضغوط شعبية تمثلت في الاعتصامات التي تمت من قبل مريديه.
وفي غضون الأسبوع الماضي راهن البعض على أن القرار ما هو إلا زوبعة في فنجان ستهدأ بعد حين، وأن تقدما ما على صعيد تراجع عبدالوهاب حسين عن قراره سيلحظ بعد تدخل من لهم صلة القرابة النفسية والروحية والسياسية له، لكن ما تشير إليه الوقائع من أن التقدم الوحيد الذي حصل ما هو الا تقدم في اللحاظ العاطفي، وأنه قد اقتصر على بوصة واحدة ونحن نفهم ان تقدم بوصة واحدة في المخيلة العاطفية تعني أن المسألة مازالت تراوح مكانها، والقرار الذي سبق وأن أعلنه لايزال «محلك سر»، ولأن الصورة بكل تقاطعاتها بقت كذلك فقد أخذ القرار نصيبا كبيرا من التأويل والتفسير والتحوير بين المريدين والمتابعين والمهتمين، وعليه فقد نشطت سوق الجدل البيزنطي الذي لم ولن يؤدي العرض والطلب في هذا الجدل إلى نتيجة تذكر، وارتفعت درجة حرارة الاحتمالات والاشاعات بدافع الفضول الفطري لتحليل الأسباب التي دفعت بالاستاذ عبدالوهاب حسين إلى اتخاذ هذا القرار الصعب والجريء في هذا التوقيت، فأهل البوصة الواحدة من الذين توقعوا بان يحدث تقدم بموجب ما أملته عليهم مخيلتهم العاطفية رأوا أن القرار مناورة اراد بها عبدالوهاب حسين أرسال رسائل سياسية، إلى المعارضة بشأن التراجع السياسي والخطابي، والبرنامج وأنه بهذا القرار «الرسائل» أراد ان يحشرهم في الزاوية الضيقة أمام الوان الطيف الاجتماعي... وأما المتشفون في شخصه فقد أرتأوا بدافع من تأويلاتهم أن قرار الانكفاء ما هو الا «دعاية اعلامية» اراد بها عبدالوهاب حسين أن يستقطب الجماهير التي انفكت من حوله بعد أن بهت بريقه السياسي وأصبح خطابه السياسي أشبه بخطاب عفى عليه الزمن!!
وعلى العكس من ذلك رأى بعض المهتمين أن القرار الذي اتخذه ما هو الا ضربة معلم، فقد استطاع بهذا القرار أن يضع المعارضة في الواجهة امام الجماهير، وبذلك استطاع تشكيل جبهة شعبية لمراقبة خطاب وممارسات المعارضة وخصوصا التي تحظى بالقبول الاجتماعي مثل جمعية الوفاق وبعض الشخوص السياسية بعد أن بدأت تداري مع الجمعيات السياسية المعارضة الفشل بمحاولات غير منظمة للعمل، وبعد ان اصبح خطابها السياسي والوطني لا يلامس شغاف عقل ووعي الانسان البحريني؟! فيما تطوع البعض مرتجلا لاطلاق تسريبات وشائعات مفادها ان عبدالوهاب حسين لم يكن راغبا في اتخاذ مثل هذا القرار ولكنه اتخذه مكرها نتيجة لضغوط مورست عليه من قبل رموز المعارضة التي تتفق معه على الشكل، ولكن تختلف وإياه على المضمون، لأنهم - وعلى حد زعم الذين سربوا مثل هذه المقولات - يرون في خطابه السياسي خطاب تصعيديا مع الحكومة وهو ما لا يتفق في الوقت الحاضر مع الجهود التي تبذلها هذه الجمعيات والرموز من أجل إعادة اللحمة إلى لحمتها.
وبعيدا عن هذا وذاك وكل ما أنبرت عليه الأقاويل والتحليلات والاحتمالات والتشريعات والشائعات التي لو جمعت ما سوق منها في اسواق الكلام الاجتماعي والسياسي لاستطعنا تكوين خزين متراكم منها نقول ان عبدالوهاب حسين الذي نعرفه لم يتخذ هذا الخيار الا بعد جلسة مصارحة مع النفس وبوعي عقلاني لطبيعة المرحلة، ولربما يكون القرار قد بني على قاعدة المثل الشعبي «مكرها أخاك لا بطل» الا انه ومع دخولنا الاسبوع الثاني لتنفيذ القرار الذي اتخذه عبدالوهاب حسين من دون أن يلوح في الافق تبقى المرحلة المقبلة مشحونة بالمفاجآت التي ستقرر مستقبل عمله السياسي على الصعيد الوطني وإلى ان تتحدد نقاط الاختلاف والاتفاق سيبدو الامر جديدا في كل ما هو آت، وهو يحمل كما قلنا الكثير من المفاجآت!
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 372 - الأحد 12 أكتوبر 2003م الموافق 16 شعبان 1424هـ