بيتنا الجديد امتاز بحجره الكثيرة والموزعة بشكل عشوائي وبتخطيط رسمه ابي بطبشور على قطعة خشب أمامي وأخبر المقاول، أو البناي (إذ لم تكن المقاولة وقتها كاليوم بشركات وعمال ومناقصات وغيرها) أريد حجرة هنا وأخرى هنا وباباً يطل على البحر وأشياء كثيرة.
لما كانت أرض البيت جزءاً من البحر؛ فكان ابي يدفنها بالحصى والقمامة والرمل والطابوق المكسر (في كل مرة نزور أنا وأبي الأرض كنت أرى أبي يأخذ صخرة ويرميها في الأرض (البحر) وكنت أقلده. وكان هذا الشعور يخلق رضى كبيراً لنفسي، أما خلف البيت؛ فأنشأ أبي معملاَ للطابوق وكنت أرى يوميا العربات الصغيرة التي تجرها الحمير وهي تحمل الطابوق للزبائن.
كانت وجبة الإفطار ترفاً كبيراً ومكونة من خبز طازج وحليب طازج كذلك، وخبيصاً وبيضاً طازجاً غالبا ما يكون مقليّاً، وصحوناً صغيرة بها بعض منتجات الحليب وبأسماء مختلفة. وكانت هذه الوجبة تبدأ بعد الاستيقاظ الثاني (بعد صلاة الفجر)، فكانت أمي تعد القهوة والتمر التي يشربها الوالد بعد صلاة الفجر ثم ينام بعض الوقت ويستيقظ لوجبة الإفطار.
لم نسكن بيت البحر إلا بعد أكثر من سنة بعد انتقالنا إلى بيت بالإيجار في قلالي، وكان سكننا في السنة التي اصطاد فيها أحد الصيادين القدامى بقرة البحر (كان اسمه يوسف وكبيراً في السن)، وكان حدثاً تناولته الصحافة (نشرته مجلة «هنا البحرين») والناس بالكثير من الكلام والتفسيرات والصور. وكان ذا معرفة بالوالد؛ فأعطاه جزءاً من بقرة البقر، ولما رأيتها في (الفريزر) استغربت كثيراً حيث كانت حمراء، أي نفس لون لحم البقر أو الغنم ومن دون رائحة سمك، وقد طبختها الوالدة لكني لم استسغ حتى النظر اليها.
تعرفت في قلالي وعن قرب على الفنون الشعبية مباشرة وعلى أهم روادها في البحرين والخليج العربي، والمعرفة كانت صدفة جميلة حيث كنت ذاهباً الى المحرق؛ فاستوقفني رجل كفيف، فلما سألته عن وجهته قال المطار. كان هذا الرجل هو النهام المعروف سالم العلان وكان ذاهباً الي قطر، وفي الطريق دعاني إلى الاستماع إليه في دار قلالي والتي أصبحت زياراتي لها دورية. وفي هذه الزيارات حدثت طرائف ومواقف كانت من أجمل ذكرياتي مع هذا المبدع الكبير.
كان البيت العود متاهة ومرتعاً لكثير من الحيوات والأحداث، ولأنه كبير؛ فكان يتسع للكثير من الأحداث الجماعية، ومنها ختان أولاد العائلة، وهي ما أتذكره لما ذقت فيه من فرح وحزن وبكاء وشاي أسود والكثير من حملات التشجيع والإغراء، والحدث مؤسف ويسهل نسيانه لكني لا أعرف لما لا أزال أتذكره.
إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل السعد"العدد 3717 - الجمعة 09 نوفمبر 2012م الموافق 24 ذي الحجة 1433هـ