قد تبدو قطر للوهلة الأولى بعيدة تماماً عن المنعطفات التاريخية التي يمر بها الوطن العربي حالياً. لم تشهد قطر أية احتجاجات أو مظاهرات تذكر على مدى السنتين الماضيتين، ولم يسمع عن أي سجناء سياسيين، وهي بذلك تكون فريدةً بين دول مجلس التعاون، حيث شهدت كل الدول الأخرى إما مظاهرات أو عرائض أو نشطاء اعتقلوا بناءً على آرائهم السياسية.
في المقابل شاركت قطر بفاعلية في التطورات خارج حدودها في باقي العالم العربي، أكان ذلك في مصر أو تونس عبر قناة «الجزيرة»، أو في ليبيا وسورية وحتى في فلسطين، عبر دعمها المادي للفصائل والنشطاء فيها. هذا بالإضافة إلى التركيز على الاستثمارات الضخمة التي ذاع صيتها عالمياً، كشرائها لمتجر «هارودز» البريطاني وأعلى برج في أوروبا «The Shard» وفريق باريس سانت جيرمان الفرنسي لكرة القدم.
تعتبر قطر أغنى دولةٍ في العالم من ناحية مدخول الفرد، نظراً لعوائدها الهائلة من الغاز والنفط قياساً بعدد مواطنيها القليل نسبياً. قد يكون النمو العالي والرخاء المادي عاملين فاعلين في قطر أديا إلى مرحلةٍ من الركود في الحراك السياسي المحلي، ولكن ذلك لا يعني أن مطالب الإصلاح اختفت نهائياً، ولا يعني أن قطر ليست بحاجة إلى إصلاح جذري. بل الأمر هو عكس ذلك تماماً، حيث تتجذر فيها أوجه خلل مزمنة تحتاج إلى التدارك والتطرق إليها سريعاً، كما يسرد لنا كتاب «الشعب يريد الإصلاح في قطر... أيضاً».
يشكل كتاب «الشعب يريد الإصلاح» خير دليل على أهمية التطرق إلى أوجه الخلل المزمنة في قطر. الكتاب هو نتاج لقاءات شهرية نظّمها عددٌ من القطريين المهتمين بإصلاح أمور بلادهم بين العامين 2011 و2012 تحت عنوان «لقاء الإثنين». مستضيف «لقاء الإثنين» ومنسق الكتاب هو الباحث علي خليفة الكواري، الذي يعتبر من أعمدة الحركة المطالبة بالإصلاح في قطر منذ أكثر من خمسين عاماً، وأدت مواقفه إلى منعه من السفر في التسعينات لنحو أربع سنوات. وللكواري إنتاج فكري عميق، فله العشرات من الكتب المؤلّفة والمحرّرة، وهو يعتبر من أشهر الباحثين في شبه الجزيرة العربية وأكثرهم عطاء، خصوصاً في مجال تخصصه في الاقتصاد السياسي والديمقراطية.
استطاع الكواري أن يضم بين طيات كتابه الأخير مشاركات لخبراء ومهتمين بالشأن القطري امتد نطاق مواضيعها من حالة الهوية واللغة العربية في قطر، مروراً برؤية قطر 2030 التنموية، وصولاً إلى دستورها الذي صدر في العام 2004. وفي رأيي المتواضع كمتابع للتطورات في الجارة قطر، فإن قراءة فصول هذا الكتاب الأحد عشر، هو خير مدخل لمن أراد التعرف على أهم المواضيع والتحديات التي تواجه المجتمع القطري.
فحين نتكلم عن أوجه الخلل المزمنة الأربعة في قطر، فإننا نجد من الصعب تصديق الوضع القائم حالياً، فالأرقام حقاً تقترب من الخيال العلمي. كمثال من ناحية الوضع السكاني، يُخمن عدد المواطنين القطريين بنحو 250 ألف نسمة من عدد السكان البالغ 1.64 مليون نسمة العام 2010، حيث تشكل نسبتهم من إجمالي السكان 12 في المئة فقط. كما أن إجمالي قوة العمل التي تصاعدت من 320 ألف العام 2001 إلى 1.3 مليون العام 2009، تدنت نسبة مُساهمة المواطنين فيها في الفترة نفسها من 14 في المئة إلى 6 في المئة فقط. وكل هذه الأرقام ليست برسمية، كما يبين الكتاب، فحكومة قطر لا تفصح عن توجهاتها من ناحية السياسة السكانية، ولا تنشر إحصاءات حول عدد المواطنين ولا تركيبتهم ولا توقعات تغير نسبتهم في إجمالي السكان.
ويتضح حجب المعلومات أيضاً فيما يتعلق بالخلل الاقتصادي المتمثل في الاعتمادية الاقتصادية المطلقة على عوائد النفط الناضبة. فالموازنة العامة التقديرية للدولة لا تنشر كاملة، أما الحساب الختامي للموازنة العامة فإنه سر من الأسرار لا يجوز الاطلاع عليه. وكذلك كل ما يتعلق بحسابات الاحتياطي العام للدولة وأوجه استثماراته ونتائج أعماله. وإنما يسمع المواطنون عن الصفقات العالمية الضخمة لقطر ولا يعرفون إن كانت لصالح المال العام أو هي استثمارات خاصة. وأيضاً لا ينشر ولا يعرف حجم الدين العام وحجم وتركيب الديون المضمونة من قبل الدولة والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
من الناحية السياسية، فقطر حالها حال باقي دول الخليج (فيما عدا الكويت نسبياً) تعتمد على الحُكم المُطلق، حيث يبين الكتاب أن نظام الحُكم في قطر لم ينتقل بعد إلى الديمقراطية، وليس من الممكن أن ينتقل إليها وفقاً لدستور قطر لعام 2004، حيث يهيمن متخذو القرار من السلطة التنفيذية على أغلب مفاصل الدولة الحيوية، في ظل غياب محكمة دستورية ومجلس تشريعي منتخب له صلاحيات حقيقية.
الإجابة التي يحملها كتاب «الشعب يريد الإصلاح في قطر... أيضاً»، تفيد بأن قطر «بكل تأكيد تحتاج إلى إصلاح جذري وشامل يطمح إليه شعبها، شأنها شأن جميع الدول والشعوب العربية وربما أكثر من معظمها»، لما يهدد وجود المجتمع وهويته ومستقبله من أوجه خلل مزمنة وأخرى طارئة. ولعل الأوراق التي يضمها هذا الكتاب، إضافةً إلى هموم المثقفين القطريين ومقالاتهم وشكوى المواطنين ومشاركات الشباب وأحاديثهم، تشير إلى الحاجة الملحة والعاجلة للإصلاح في قطر، حالها حال باقي دول الخليج والوطن العربي.
إقرأ أيضا لـ "عمر الشهابي"العدد 3714 - الثلثاء 06 نوفمبر 2012م الموافق 21 ذي الحجة 1433هـ
مقال جميل
لاول مرة اعلم بان قطر فيها مثقفين سياسيا ومع اعتذاري للقطريين فلا نكاد نسمع لهم صوت
شكرا اخي عمر
مقالك ساحتفظ به ضمن المقالات الرائعة
مقال رائع
نعم الشعب القطري اليوم في دول الخلج هو يحصل على اعلى دخل وبالاضافه على ذلك ان قانون تسجيل الشركات لايسمح بتسجيل اية شركة الا بأن يكون شريك قطري وحتى لوكان موظف بدولهوعكس ماهو حاصل في بلد الاعجائب. فهنيئن الى الاخوه في قطر الشقيق.
شعب قطر آخر من يفكر...
في الربيع العربي الآن حيث سيصل دخل الفرد مائة وخمسون الف دولار سنويا وقابل للزيادة ولكن ربما يسحسن الفكرة بعد ثلاثين عاما من الآن، د. علي الكواري ربما الشخصية الوحيدة القطرية منذ السبعينات صاحب الصوت الاعلي المهتمة بالشان العام اما بقية الشعب فالكل نائم في العسل
هذي قطر من قدها الشمس تعشق خدها
هذي الكتاب اللي تكلم عنه مانعرفه اول مره نسمع به عندك واهم شي اننا كشعب مرتاحين جدا وشنبي اكثر عليهم بالعافية شيوخنا مب مقصرين معانا في شي الحمد لله مانبي لا اصلاح ولاغيره
الاصلاح مطلب الامة
شكرا أستاذ عمر على هذا المقال الجيد، وكما قلت الإصلاح مطلب لا مفر منه لجميع أنظمتنا العربية حفاظا على مستقبل هده الأمة والأجيال القادمة.
الظاهر هذا مصيرنا الذي كبلونا به الكبار
ذهبت لاحدي الدول الخليجية قبل شهر ومكثت هناك شهرا ونيف باحثا عن لقمة عيش بعمل نزيه وشريف رغم اني احمل شهادة اكاديمية تخصصية عاليه الا ان الامر الذي ابهرني ان ما من مكان او وزارة او شركة الا وفيها الاجنبي هو المسئول الاول والناهي على قرارها وخاصة فى التوظيف فدهشت ان المواطن هناك مقصيا والاجنبي هو من يدور الرحي بمزاجياته ومحسوبياته وتوظيف اقاربه واهالي بلده فتسمع حال لسانه اني اقصي مواطني هذا البلد فكيف بي ان اخذ احدا من جيرانه فمآسينا كمجتمع خليجي جاثمة كموت حتمي؟!!
يعتقد البعض ان العمام يستطيعون حماية قطر الى النهاية
من لا يؤمن بالله وقدرته على تغيير مجريات الامور حسب الخطة الالهية المرسومة يظنون ان اي دولة تحظى بدعم الولايات المتحدة واسرائيل سوف تصمد في وجه كل التحديات ولا يعرفون ان لله قدرة فوق كل قدرات البشر وبإرادة كن فيكون ينقلب الحال فالولايات المتحدة نفسها تواجه ظروفا صعبة تتعقد يوما بعد يوم وكما بلغت
القمة جاء الآن دورها لتنزل وتترجل عنها هذه سنة الحياة كل شيء يتم يبدأ نقصانه وأفول سلطان الولايات المتحدة قريب جدا بالنظرة الى عمر الامم