العدد 3706 - الإثنين 29 أكتوبر 2012م الموافق 13 ذي الحجة 1433هـ

جورج عبدالله

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تقرير بثته قناة «الميادين» مؤخراً، تعرف الجمهور العربي على أقدم سجين عربي في سجون جمهورية فرنسا.

التقرير يبدأ بآخر عبارةٍ تلفظت بها والدة السجين وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهي تحتضن خياله بعد فراق طال ثلاثين عاماً: «سلموا لي على ولدي جورج». مثل هذا المشهد يمكن أن تكتب عنه عشرات القصائد، ويُخلّد في القصص والروايات. فليس هناك في العالم أحنّ من قلب الأم، وخصوصاً تلك التي يسقط لها شهيدٌ على دروب القضايا العادلة، أو يُسجن لها شابٌ وتحرم من رؤيته شهوراً أو سنوات.

في التقرير التلفزيوني، زارت المذيعة قرية السجين اللبناني، الذي تعاطف في بواكير حياته مع القضية الفلسطينية، واندمج فيها، والتحق بعمل المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي في السبعينات، التي انتهت بصعود اليمين الأميركي المتطرف في عهد رونالد ريغان.

أما كيفية وقوعه في الأسر في (أكتوبر/ تشرين الأول 1984)، فكان حصيلة تعاون عددٍ من أجهزة الاستخبارات الدولية، كـ «الموساد» والمخابرات الفرنسية. وقُدّم للمحاكمة فحُكم عليه بالسجن أربع سنوات لحيازته أوراقاً ثبوتيةً غير صحيحة، وبعد انقضائها قامت وزارة «العدل» الفرنسية باتهامه مجدداً بتهمة حيازة متفجرات، ليبقى في السجن 29 عاماً. وكلما كانت تلوح فرص الإفراج يعترض وزير «العدل» الفرنسي خضوعاً لرغبات أميركا و»إسرائيل».

المراسلة زارت منزل السجين والتقت أخاه، الذي تحدث عن صموده، ورفضه تقديم اعتذارٍ عمّا قام به في شبابه، وكان يكرّر أنه لو عاد به قطار العمر إلى سني الشباب، لعاد مجدّداً لأعمال المقاومة ضد الصهاينة. فليس هناك أصلب من إرادة إنسان مؤمن بعدالة قضيته حتى العتبة الأخيرة من العمر.

عدسة القناة استعرضت صورة قديمةً للسجين الذي يبلغ ستين عاماً، فبدا شابّاً في بداية العشرينات من عمره، بلحيةٍ كثّةٍ سوداء، كأنه من ثوار التوباماروس في أميركا اللاتينية.

هذا الرجل الصلد؛ يذكره أحباؤه بأسى وحزن عميق، وخصوصاً في المناسبات العائلية والأعياد، ويستحضر الكبار صورته ويروون نتفاً من حكايات صباه لشبابهم وأطفالهم، لينشأوا على قيم العزة والكرامة والصمود. كما يتظاهر رفاقه القدامي في النضال ومناصروهم من الشباب الجدد، في بعض المناسبات الوطنية، ويرفعون صوره ليذكّروا العالم بوجود مناضل سُجن في فرنسا من أجل قضية فلسطين، وليذكّروا العالم كيف عجزت عدالتها العمياء عن إنصاف سجين عربي قضى نصف عمره في أقبيتها.

كان القارئ والمشاهد العربي عبر عقود، يعرف قصص وحكايات جيفارا وماو وكاسترو ولومومبا، ويقرأ بإعجاب رواية «وداعاً للسلاح»، ولم تتح له معرفة بعض مناضليه وأبطاله المحليين الذين أنبتتهم أرضه كما تنبت الزيتون في فلسطين وسهوب الجنوب. قوافل من الشهداء الذين تضرب عروقهم في الأرض، وتتجدّد دماؤهم في عروق الشباب الذي فجّر كل هذا الربيع العربي.

جورج عبدالله، اللبناني، العربي، الماركسي، العتيد، تحترمه لصموده، ولمبدئيته، ولصبره، ولتعاليه على القيد والسجّان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3706 - الإثنين 29 أكتوبر 2012م الموافق 13 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:43 ص

      يا نبيل الثورة يا نبيل رجب

      تحياتي للقابعين في الزنازين والاسر .. الذين أرادوا أن يقولوا للكون أن طريق الحرية يمر من هنا

    • زائر 8 | 5:46 ص

      بين عبارة الامام (ع) ومؤقف الماركسين الشرفاء منهم

      ولنكن صريحين الماركسين وعقيدتهم ولا يهمني ماركسي غير فاعل مجرد صنم لا فقط هؤلاء المناضلين الدين ندروا انفسهم للقضية وللوطن وهم بهذه العقيدة ولا نحتاج لاكثرتوضيح اليس هم اكثر الناس حبا للوطن وللفكر الذي يؤمنون به فحين اضحي في سبيل الوطن والشعب ولا اكون طامعا في جنة او اخرة واضحي ماذا يعني ذلك ، اليس هؤلاء اقرب الناس لقول الامام علي عليه السلام حين قال لم اعبدك طمعا في جنة او خوفا من نار بل وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك والمعنى الاخر فوجدتك اهلا للتضحية والفداء ففديتك

    • زائر 7 | 3:14 ص

      ايه يا سيد الله يرحم تلك الايام النقية الصافية أما اليوم فقد شوهت العقول ولوثت

      بالتكفير
      والفخخات
      والاحزمة الناسفة
      والعمالة مع الامريكي والاسرائيلي
      والخيانة والتخوين
      وكلها تحدث تقربا لله تعالى سحان الله.
      عشاء مع النبي
      غذاء مع النبي
      بريكفاست مع النبي.
      وسحور مع النبي.
      الله يعينا على هذا الجهل ويرحم ايام قبل البريئية
      الكل علي يد واحدة بغض النظر عن أي دين ومذهب وعرق.

    • زائر 6 | 1:44 ص

      ياما في السجين مظاليم

      الله يصبره ويعين اهله ويفرج عن جميع المعتقلين المظلومين . لابد لليل ان ينجلي .

    • زائر 2 | 11:08 م

      كم جورج هنا وهناك

      هذا هو الظلم الممقوت لا يفرق والظالم لا يرى الا ما هو فيه من
      فسحة العيش ورغيده

    • زائر 1 | 10:57 م

      بحرانية وافتخر

      الله يفرج عن كل المظلومين في كل بقاع الارض وأولهم سجناء حرية الرأي والتضحية اشرف الناس أطباءنا المعتقلين

اقرأ ايضاً